على الرغم من أن اتحاد الكرة اختار البرتغالي كيروش لتدريب المنتخب القومي، وليس لوضع استراتجية جديدة – باعتبار وجود استراتيجية أصلًا! – لكرة القدم المصرية، فإني أجد في شروط كيروش لمواصلة مهمته التدريبية، اقتراحًا أوافق عليه، لأسباب أخرى غير التي حددها.
حدد كيروش شروطه: إلزام اتحاد الكرة بعدم التدخل في عمله نهائيًا، ومنع أعضاء المجلس من توجيه الانتقادات له في عمله. استمرار مواطنه البرتغالي فينجادا في منصب المدير الفني للاتحاد، ليساعد كيروش في عمله. وضع بند في العقد بين كيروش واتحاد الكرة يمنح المدرب الحق في إجراء تعديلات داخل الجهاز المعاون في أي وقت، وفقًا لرغبته ورؤيته الفنية. انتظام مسابقة الدوري الممتاز، والعمل على إعداد الجماهيرـ حتى يتمكن اللاعبون من اللعب تحت الضغط الجماهيري في المباريات المقبلة.
ألتقط طرف الخيط من شروط كيروش بضرورة انتظام مسابقة الدوري الممتاز، من خلال إجراءات أهمها تخفيض عدد الأندية المشاركة في المسابقة.
لعلك تلحظ أن تعاظم استعانة الأندية باللاعبين الأجانب أثر بالسلب على دوري الكرة، لا فرق بين الأندية ذات الإمكانيات المالية، والأندية التي تعاني ضآلة الموارد. ثمة لاعبون أجانب يتقاضون الملايين، وثمة من يقبلون مبالغ ربما يهرش فيها اللاعب المحلي رأسه، ليعرف إن كان العرض مناسبًا في فلكيات الأرقام الكروية. بل إن بعض أندية الدرجتين الثانية والثالثة ضمت إلى فرقها لاعبين فاتوا على مصر كمعبر للهجرة إلى أوروبا، وعرف” الخبراء” أنه سبق لهم اللعب في قراهم الإفريقية، فوقعوا معهم عقودًا كلاعبين أجانب. أليس الأفارقة هم أبرز نجوم الكرة في العالم؟
لنتفق على أن الإعلان، الترويج للبضاعة، هو الهدف من فرق كرة القدم بالشركات. أشفق على فرق تابعة لشركات، ضمت الحد الأعلى من اللاعبين الأفارقة، استهدافًا للوصول – بأقصر الطرق – إلى موقع متقدم في المربع الذهبي، أو – إن أمكن – البطولة التي ستحقق للفريق رصيدًا يستحق ما أنفقه على فريقه الإعلاني!
أذكر دور ” المساء” وقناة النيل للرياضة، في الترويج الإعلامي لمباريات دوري الشركات. لماذا لا يشرف اتحاد الكرة على هذا الدوري، وإعادة تنظيمه بما يضمن الجماهيرية التي تستهدفها المشاركة في دوري كرة القدم؟ لماذا لا تتساوي – ولو إلى حد – بين فرق الدوري، بما يضمن للمنافسة مساحة عريضة، صحيحة؟
في فيلم ” دليلة” اشترت البطلة ( شادية ) كل كراسي حفل المطرب الناشئ ( عبد الحليم حافظ ) لكي تحرمه من إقبال الجمهور.
أستعيد المعني في شراء أندية القمة للاعبين ظهرت مواهبهم في أندية أخرى، فأضاعت فرصهم في الـالق، وفي إثراء الفريق القومي، نقلهم المقابل المادي السخي من ساحات الملاعب إلى دكة الاحتياطي!
أستعيد المعنى كذلك في تجاوز الشركات شراء اللاعبين إلى شراء المجهور. ناس ربما لم يجلسوا في المدرجات من قبل، يزيطون بالأعلام والهتافات والأغنيات والعبارات التي ألف ترديدها جمهور الكرة، بتصور أن ذلك حالة كروية!
إذا كانت الأندية الشعبية تتمايز بجماهيريتها، فلماذا لا نشتري الجمهور؟
تطالعنا في المدرجات صفوف قليلة من المشاهدين، لا تعنيهم المشاهدة بقدر حرصهم على إرضاء مسئولي الشركة صاحبة الفريق، هم من العاملين في الشركة، انتقلوا إلى المدرجات بتحفيز – أو بأمر – من إدارة الشركة، لتشجيع الفريق، تزيد إلى تحفيزهم مكافأة مادية أو عينية، وربما استقدمت الشركة مشجعين من خارجها، يقرعون الطبول، ويرددون الهتافات الناسخة – مع استبدال بعض الكلمات – لما يردده مشجعو الأندية الأخرى!
كرة القدم لعبة جماهيرية، من الهم أن يشارك فيها الجمهور بالمشاهدة والتشجيع، حتى أنه يوصف باللاعب الثاني عشر، وقد يوصف – من باب تأكيد دوره – بأنه اللاعب الأول. يحزنني مشهد الملاعب الخالية إلًا من عشرات يشجعون فريقهم من باب أداء الواجب، كأن المباارة تقسيمة، أو تدريبية، غابت الأعداد الهائلة التي كانت تمثل – بشعاراتها وهتافاتها وأغانيها –مباراة موازية لتلك التي تجري في الملعب.
لعل الناس ألفوا متابعة المباريات في قعدة البيت، أو أن ارتفاع أثمان التذكر يشكل عبئًا ماليًا في ظروف لا تخفى.
أيا يكن السبب فبديهي أن غياب الجمهور ينعكس بالسلب على المباريات. أضيف الإحباط الذي تعبر عنه صفحات الفيس بوك بتأثير اتساع قمة الناديين القطبين – الأهلي والزمالك – فهي تشمل أندية تملك المال الذي صار عاملًا مهمًا في مباريات كرة القدم، نقرأ عن الملايين التي يتقاضاها اللاعبون والمدربون والإداريون، ما لم تكن تعرفه اللعبة قبل عقود قريبة. أذكرك بذكريات اللاعبين القدامي عن المقابل الذي كانوا يحصلون عليه في إجادة اللعب. اقتصر – في رواية للراحل الضظوي – على قطعة جاتوه. أذكر أيضًا بالعقد الذي وقعه النادي الأهلى مع اللاعب رضا عبد العال، وجد الكل في مبلغ المليون جنيه الذي تقاضاه اللاعب حدثًا غريبًا في كرة القدم، وكما تعلم، فقد استمر الخط البياني في الصعود، وهو ما لم تعجز عن تمويله الأندية التي تملك الموارد، حتى أن الأندية “المقتدرة” أهملت الكشف عن المواهب في الساحات الشعبية، وتصعيد الفرق تحت السن، استبدلت بها شراء المواهب الطالعة في الأندية الأخري.
السؤال الذي يصاحب ظهور موهبة لافتة في ناد شعبي: متي ينتقل من ناديه؟ وما النادي الذي سيشتريه؟ والأمثلة لا حصر لها.
تبقى مهزلة القنوات التليفزيونية – لا يحضرني تعبير آخر – التي قسمت دوري كرة القدم إلى متن وهوامش، المتن هو الأهلي والزمالك، والهوامش بقية الأندية. ظني أن الصورة ربما تتبدل بتعاظم طموح فرق الشركات، وما تملكه من نفوذ إعلامي وإعلاني. من يلتهم الوجبة الرئيسة، ومن يقنع بالفتات.
لا أدافع عن الأندية الشعبية، بل عن مستقبل لعبة كرة القدم في غيبة الاستراتيجية والنظرة المستقلية، وهو ما لن يتحقق بغير تصحيح الأوضاع في فرق الدوري، وتساوي النظرة الإدارية والإعلامية، بل والإعلانية، إلى كل الأندية التي تتشكل منها فرق كرة القدم المصرية، والألندية الشعبية – بالضرورة – في مقدمتها.