السيسي يؤكد مواصلة دعم البلد الشقيق لتحقيق الاستقرار
تعاون مصري عراقي .. في البنية التحتية وتصدير البترول
حضور ماكرون .. دلالة قوية على خروج الأشقاء من عنق الزجاجة
القمة جمعت “الأصدقاء والخصوم” .. سعيًا لحل الخلافات
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
لا شك في أن القمة الأخيرة التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد، وشارك فيها عدد من كبار قادة دول المنطقة والعالم، تعد مؤشرًا إيجابيًا قويًا على بدء تعافي البلد الشقيق واستعادة دوره الإقليمي، بعد ان استطاع القضاء، إلى حد كبير، على الإرهاب وعوامل عدم الاستقرار. كما أن هذه القمة تفتح أبواب الأمل أمام أبناء دول المنطقة في غدٍ أفضل، يجمع شمل الأشقاء العرب والإقليميين في جو من التعاون المتبادل والعلاقات الإيجابية البناءة.
وعلى حد تعبير الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالسليمانية في العراق والمحلل السياسي والأكاديمي، عقيل عباس، في مقال له على موقع أل مونيتور، “من النادر أن تصبح بغداد بؤرة الاهتمام بسبب شيء بنّاء قامت به. لكن مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، وهو تجمع تاريخي لجميع دول الجوار للعراق، باستثناء سوريا، واللاعبين الإقليميين والدوليين مثل فرنسا ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة، يشير إلى تعزيز مكانة بغداد، في ظل تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء، كمكان يلتقي فيه الأعداء والأصدقاء لمحاولة حل الخلافات وصياغة مسارات مشتركة….”
ومن غير شك، فإن جلب القوى الإقليمية ذات الثقل إلى الطاولة نفسها والتي هي في حالة صراع مفتوح، كما هو الحال مع إيران من جهة وكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، يعد إنجازًا دبلوماسيًا في حد ذاته لحكومة الكاظمي.”
لقد ناقش كبار قادة دول الشرق الأوسط وأوروبا آفاق التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين العراق وجيرانه والتقى قادة مصر والأردن وفرنسا إلى جانب وزراء خارجية السعودية وإيران وتركيا ورئيس وزراء الكويت. وأشاد القادة بما وصفه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بآماله في تعزيز التعاون الإقليمي لتحسين أوضاع شعبه بعد سنوات من الاضطرابات. وكان هذا أول تجمع كبير لكبار القادة العرب في بغداد منذ القمة العربية عام 2012.
حظيت القمة باهتمام عالمي كبير وسلطت وسائل الإعلام الضوء عليها، وعلى سبيل المثال، أشار موقع صوت أمريكا VOA إلى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي ألمح فيها إلى التحالف الاقتصادي والسياسي الأخير بين العراق ومصر والأردن وجهود لتوسيع التعاون مع دول أخرى في المستقبل.
وقال الموقع: “تحدث السيسي عن التعاون مع العراق وتعاون أوسع مبني على المصالح الإقليمية وعلاقات أقوى لمكافحة التهديدات الرئيسية، مثل الإرهاب وجائحة كوفيد-19 وقال إن مصر ستواصل دعم الحكومة العراقية لتحقيق الاستقرار، مضيفا أن حضارة العراق وتاريخه الطويلان يمنحان الأمل في مستقبل أكثر إشراقا، إذا دافع العراقيون عن بلادهم وأعادوا بناء مدنهم واختاروا قادتهم بحكمة.”
كان حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو زعيم إحدى الدول الخمس الكبرى في العالم دلالة قوية على خروج العراق من عنق الزجاجة والانطلاق نحو آفاق مستقبلية واعدة. وأشاد ماكرون بالحكومة العراقية لنجاحها في هزيمة تنظيم داعش. وحث بغداد على المساعدة في إعادة توطين العراقيين الذين شردهم الصراع وتعهد بتقديم المساعدة الفرنسية للقيام بذلك.
حضور وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير، أعطى بصيص تفاؤل بتحسن العلاقات بين طهران وخصميها الإقليميين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتحدث الوزير الإيراني باللغة بالعربية، حيث قال إن إيران ترغب في تحسين العلاقات مع دول المنطقة، من خلال التعاون الاقتصادي والثقافي، دون ما أسماه التدخل المعتاد من القوى الدولية.
تحدث وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن تعاون الرياض المستمر مع العراق، لكنه أشار بشكل غير مباشر إلى وقف التدخل الإيراني في العراق وأماكن أخرى.
وقال إن السعودية خصصت أموالا لمشاريع مختلفة في العراق وأكد مجددا دعمها لتأمين استقرار العراق وإنهاء الإرهاب والتطرف إلى جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ونقلت وكالة رويترز عن تقرير لمركز أبحاث “مجموعة الأزمات الدولية”: “إن احتمال نشوب صراع إقليمي، إلى جانب التصور السائد بأن واشنطن غير موثوق بها، دفع السعوديين والإماراتيين للسعي إلى “خفض تصعيد ثنائي” محدود وتكتيكي مع طهران”. .
لكن مصادر إقليمية أخرى ذكرت إنه من السابق لأوانه تحقيق انفراجة، حيث ذكر مصدر إيراني إن التقدم سيتوقف على الأرجح على المحادثات النووية في فيينا. الأطراف المشاركة في تلك المفاوضات لم تحدد بعد متى ستستأنف.
قال خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس، لـ قناة صوت أمريكاVOA، إن هذه كانت قمة رمزية لكنها مثلت خطوة نحو صراع أقل ومزيد من الحوار في منطقة تعاني بالفعل من صراع مفرط.
وزير الثقافة العراقي حسن ناظم تحدث عن أجندة طموحة وواسعة النطاق. وقال إن المؤتمر يهدف إلى تحقيق هدفين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي. يتضمن الجانب السياسي جهودًا “لتهدئة التوترات بين دول أخرى في المنطقة”، مما يساعد “العراق على استعادة استقراره”. الهدف الاقتصادي هو تعزيز الشراكات الاقتصادية بين المشاركين في المؤتمر في مجموعة من المجالات، بما في ذلك النفط والكهرباء والزراعة والثقافة والتعليم، بما في ذلك مشاريع بناء المدارس.
وتشير التقارير إلى ان مصر والأردن تتطلعان إلى المشاركة في إعادة إعمار العراق من خلال اتفاقيات التجارة والبنية التحتية. شراء العراق للكهرباء من الأردن سيوفر إيرادات وسيولة للمملكة الأردنية الهاشمية التي تعاني من ضائقة مالية ، ويقلل من اعتماد العراق على مشتريات الطاقة الإيرانية، ويخفف الضغط الأمريكي على بغداد للنأي بنفسها عن هذا التبعية.
ويقول عقيل عباس: ستعمل خطة العراق لتصدير النفط عبر ميناء العقبة الأردني وربما عبر الموانئ المصرية المجاورة على تنويع منافذ التصدير في البلاد وجعلها أقل عرضة للاضطرابات الأمنية والسياسية التي يمكن أن تهدد سلامة الطرق البحرية عبر الخليج. وتشمل مشاريع البنية التحتية المخطط لها مع مصر والأردن بناء الطرق والجسور والمدارس التي تشتد الحاجة إليها في العراق.
المؤشرات الأولية لهذه القمة توضح ان دول المنطقة بدأت تدرك أنه لا مجال للخروج مما هي فيه من مشكلات واضطرابات سوى بالتعاون المشترك، وأن الولايات المتحدة لم تعد شريكا موثوقًا به. بالتالي تبرز مشاركة الرئيس الفرنسي ماكرون، باعتبار أن فرنسا شريك أكثر موثوقية من الشريك الأمريكي، خصوصًا وأن باريس تتمتع بقرب جغرافي من المنطقة يجعلها أكثر تأثيرًا وتأثرًا بما يجري فيها وحولها!