حي الأسمرات أو ( كومباوند الغلابة ) كما أطلقوا عليه بعد ما تحول إلي قطعة فنية معمارية بنقل أكثر من ألف أسرة إليه كانوا يعيشون تحت خط الفقر في مناطق عشوائية تحت وطاة الإهمال والتهميش في واقع أقرب إلي الموت من الحياة
ولخصوصية حي الأسمرات وأهميته، تصدر موضوع رسالة دكتوراه الفلسفة ؛حصلت عليها الباحثة الدكتورة ثناء حسن علي حسن ،منذ أيام، تحت عنوان “نمط الحياة لقاطني الإسكان الاجتماعي ومدي تغيره”-دراسة تطبيقية علي حي الأسمرات بالمقطم ،وذلك بقسم الفلسفة والاجتماع-كلية التربية بجامعة عين شمس.
وجاءت فكرة البحث نتيجة لعمل الباحثة في العديد من الجمعيات الأهلية العاملة في مجال التنمية الاجتماعية وتقديم الدعم والرعاية للفئات الأكثر احتياجا داخل المجتمع.
وقد رأى فريق العمل البحثي(لجنة الإشراف – والباحثة) أن يكون هذا العمل استكمالا لما بدأوه في رسالة الماجستير بعنوان «دور الجمعيات الأهلية في تنمية المناطق العشوائية – دراسة تطبيقية على بعض الجمعيات الأهلية في محافظة القاهرة» ويكون أيضا مواكبا لخطة الدولة في تحقيق التنمية المستدامة مع التركيز على العنصر البشري الذي يمثل رأسمالا حقيقيا يمكنه صُنع الفارق إذا ماتم استثماره بشكل جيد.
واستلزم الأمر أن يتم دراسة مدى تكيف الأهالي نتيجة نقلهم لمكان جديد من أجل تحقيق مزيد من التوطين ،وماهي نماذج الدعم المقدمة لتحقيق هذا الهدف ويعد هذا البحث محاولة لتغطية ثغرة لم يتم تناولها في الأبحاث والدراسات السابقة.،خاصة في دراسة منطقة الأسمرات والدخول لقلب الأحداث المختلفة لمعرفة قدرة هؤلاء البشر الذين تم نقلهم على التعايش مع المنطقة الجديدة ،أو القدرة على التكيف مع نمط الحياة الجديدة التي تساير منطقة الأسمرات بكل مستوياتها (المدارس- المستشفيات- الأندية – قصرالثقافة).
لكن رغم كل تلك الجهود والتدخلات إلا أن الأمر ليس سهلا ويحتاج إلى سنوات أخرى يتم فيها علاج الزيادة السكانية والأمية والبطالة وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي تعوق خطط التنمية.
الاهالى متكيفون من الحياة الجديدة .. أملا فى مستقبل أفضل
تغير كامل فى حياة مواطن العشوائيات .. بعد توفر المدارس والمستشفيات
انتشار الامن بالمكان قلل الجرائم والمشاجرات .. التى كانت تحدث قبل عملية الانتقال
الرسالة توصى بالاستماع لشكاوى الاهالى .. والرقابة مستمرة
تجنب الجمع بين عدة مناطق عشوائية .. لانه ينتج فجوة سلوكية
ضرورة عقد ندوات تأهيلية .. لزيادة الوعى وإحداث التغيير المرجو
قالت د.ثناء حسن، صاحبة الرسالة انها تطرقت الى انه مع ازدياد أعداد المناطق العشوائية في الأونة الأخيرة حيث تمثل نسبة 39% من إجمالي الكتلة العمرانية للجمهورية وتنتشر في 226 مدينة.كما اختلف التكوين السكانى والبيئى لهذه المناطق واختلفت من حيث التكوين الاجتماعى والاقتصادى والتعليمى بداخلها إلى الحد الذى جعلها قنابل موقوتة تهدد أمن وسلامة المجتمع وكان لابد من تدخل واع وجذري من جانب الدولة لمواجهة هذا الخطر القادم لا محالة.
وجاء هذا التدخل من خلال توفير مساكن بديلة بمواصفات بيئية وسكنية مناسبة يتم نقل قاطني المناطق العشوائية إليها والعمل على إحداث بعض التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تساهم في تغير نمط حياتهم وتحاول إدماجهم في المجتمع الجديد.
فلجأت الدولة إلى إنشاء مدن جديدة واحياء منظمة “الإسكان الاجتماعي” وتأسيسها ونقل ساكني المناطق العشوائية إليها ،مع مراعاة أن يتوفر في هذه المساكن المواصفات البيئية والعمرانية المناسبة التي من شأنها أن توفر لهؤلاء المواطنين حياة آدمية كريمة بمواصفات إنسانية بدلا من الحياة التي كانوا يعيشونها في مساكنهم القديمة.
وإن كان هدف الدولة من الناحية النظرية سهل التحقق إلا أن التطبيق العملي يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت وكذلك يحتاج إلى تشبيك وشراكات متعددة بين أطراف كثيرة داخل المجتمع سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات.
أوضحت الباحثة ان إشكالية هذا البحث تنبع في كونها تتصدى للإجابة على سؤال رئيسي هو:
ماهو أثر التغير الذي أحدثه الاسكان الاجتماعي على نمط حياة ساكنيه المنتقلين من المناطق العشوائية ؟
قدمت الرسالة وصفاً للحياة التي يعيشها سكان العشوائيات الذين تم نقلهم إلى أحياء مختلفة ومنها حي الأسمرات وكيف أثر تغيير المكان على نمط الحياة ونوعيتها والمستوى المعيشي والسلوكي والاجتماعي للأفراد وهل حدث تغير كيفي أم أن التغير مكاني فقط ؟ وهل استطاع المكان أن يُعدل سلوك الأفراد واتجاهاتهم أم أن الأثر الأكبر كان لقيم الأفراد وعاداتهم وتقاليدهم التي طُبعت على المكان شكلا ومضمونا.
ينطلق البحث الحالي من هدف رئيسي مؤداه: تحليل أثر التغير الذي أحدثه الاسكان الاجتماعي على نمط حياة ساكنيه المنتقلين من المناطق العشوائية، ومن ثم ينقسم هذا الهدف إلى عدد من الأهداف الفرعية على النحو التالي:
١- بحث نمط الحياة في مناطق الإسكان الاجتماعي.
٢- رصد المعوقات والصعوبات التي تواجه نجاح فكرة الإسكان الاجتماعي.
٣-تحليل رأي قاطني الإسكان الاجتماعي المنقولين من المناطق العشوائية في مناطقهم الجديدة.
٤- استنتاج مدى تكيف سكان المناطق العشوائية مع حياتهم الجديدة بمناطق الإسكان الاجتماعي.
٥- تقييم دور الإسكان الاجتماعي في القضاء على مشكلة العشوائيات.
أضافت الباحثة انه تم تطبيق الرسالة علي مجموعة من الأسر المنتقلة إلى حي الأسمرات من مناطق عشوائية متعددة ؛منها (بطن البقرة –كوم غراب- اسطبل عنتر- الدويقة- منشية ناصر- أكشاك أبوالسعود-……..الخ) للحصول على أكبر قدر من التنوع سواء من حيث درجة العشوائية وإتاحة الخدمات ومستوى الحميمية ونوعية الحياة وغيرها أو لتحديد درجة الفارق الذي حدث للأفراد ،وهل كان بنفس الدرجة أم بدرجات متفاوتة؟ وكذلك الفارق نفسه كان بالايجاب أم بالسلب؟
116 أسرة من السكان.
12 من العاملين بالجهات الرسمية داخل حي الأسمرات.
توصل البحث إلى عدد من النتائج من أهمها:
١- التغيير الذي أحدثه الإسكان الاجتماعي في حياة قاطنيه تغييرا طفيفا وظاهريا لأنه اعتمد على شكل المباني والتصميم العمراني للحي دون الأخذ في الاعتبار بضرورة تأهيل الأهالي ورفع الوعي المجتمعي لدى سكان العشوائيات المنتقلين للحي.
٢- من أهم الصعوبات التي تعوق فكرة نقل العشوائيات إلى مساكن الإسكان الاجتماعي عامة التكاليف المادية التي يتحملها الأهالي نظير الحصول على الخدمات (الإيجار الشهري- مصاريف المياه- مصاريف الكهرباء- مصاريف الغاز الطبيعي…….الخ) إلى جانب مصاريف الأسرة اليومية.
٣-إن نقل الأهالي من مساكنهم إلى حي الأسمرات كان محاولة لتحسين نمط حياتهم بهدف خلق أجيال جديدة تتمتع بحياة كريمة ولكن في الوقت نفسه أدى إلى شعور بعض الأهالى بكثير من الإحباط نتيجة شعورهم بالحنين إلى مسكنهم القديم.
٤- إن مناطق الاسكان الاجتماعي الجديدة طبقا لسياسة الدولة توفر فرص عمل ذات طبيعة مختلفة وتحتاج لأفراد مؤهلة لها بينما سكان المناطق العشوائية اعتادوا على أعمال خاصة يمارسونها داخل مناطقهم السكنية وبالتالي تحدث مشكلة كبيرة للأهالي الذين لا يجدون فرص عمل مناسبة ويضطرون للخروج خارج الحي بحثا عن العمل.
٥ – أظهر البحث أن نقل مناطق عشوائية كثيرة إلى الحي وتوزيع السكان بصورة هم غير راضين عنها أدى إلى حدوث عدم تجانس بين الجيران و انتشار المشاجرات بين الفئات المنحرفة من كل منطقة سعيا لفرض السيطرة.
٦ – أوضح البحث أيضا أن الوعي والتغير السلوكي الذي حدث للأهالي أمر يحتاج ومازال يحتاج إلى دورات تأهيلية متعددة وندوات كثيرة حيث أن هذا التأهيل أحدث تغيرا ايجابيا ولكن بشكل بسيط جدا لا يتناسب مع حجم الجهد المبذول.
٧ – أظهرت النتائج أن التغير الذي حدث وإن كان قليلا إلا أنه يدعو للتفاؤل وإن كان العديد من الأهالي يرضون بالوضع استسلاما للأمر الواقع ويرون أن هذه الحياة أصبحت حياتهم ومستقبل أبنائهم فيحاولون التكيف معها وقبولها أملا في مستقبل أفضل.
٨ – أظهر البحث نتيجة أخرى ذات بعد اجتماعي نفسي ألا وهي أن الجمع بين جميع السكان من كافة المناطق العشوائية إلى جانب بعض المناطق الشعبية أنتج فجوة سلوكية كبيرة وعدم قدرة على التعايش لدى الأفراد القادمين من مناطق ليست عشوائية إلى جانب عدم تقبل ساكني حي المقطم أنفسهم لسكان حي الاسمرات وعدم وجود علاقات إنسانية بينهم.
٩ – توصل البحث إلى أن 70% من أفراد العينة يشعرون بالحنين إلى مسكنهم القديم ، و 60.3% منهم يفضلون العودة لمسكنهم القديم إذا اتيحت لهم الفرصة خاصة وأن بعض المناطق التي تمت إزالتها لم تكن عشوائية أو ذات خطورة وإنما تمت لعمل تطوير في المناطق الأثرية وبالتالي فإن الأهالي يرون أنهم من حقهم العودة إلى منازلهم بعد عمل إحلال وتجديد لها أسوة ببعض المناطق التي تم فيها ذلك.
أوضحت الباحثة انه تبين من البحث وجود العديد من الإيجابيات والسلبيات ومنها:
١- كان نقل الأهالي إلى حي الأسمرات نقلة نوعية في حياة الناس من حيث توافر الخدمات المتعددة كالمدارس والنوادي والمستشفيات- الشكل الجمالي – انتشار المساحات الخضراء في إطار خطة الدولة لتحسين جودة حياة المواطن المصري.
٢ – توافر الأمن في كل المناطق بحي الأسمرات وخاصة دوريات الشرطة المستمرة ساعدت على تقليل انتشار الجرائم والمشاجرات بالمقارنة لما كانت عليه في المناطق العشوائية.
٣ -إن عدم الاهتمام بالعامل الاجتماعي و النفسي للأهالي واعتقاد الدولة بأن مجرد نقلهم لمساكن أنظف وأجمل سيحقق لهم الرضا ولكن هذا لم يحدث بشكل كامل مما أوجد بعض المشكلات في عدم التكيف.
٤ – وإن ظهور الأعباء المادية التي أصبحت تتحملها الأسرة في المسكن الجديد دون النظر إلى دخل هذه الأسر وكيف يمكن أن تنفق على نفسها وتستمر في العيش داخل الحي.
٥ – تبين أن فرص العمل المتاحة داخل الحي أو في الأحياء المجاورة تتطلب مؤهلات وقدرات لا تتوافر لدى السكان المنتقلين من المناطق العشوائية.
وفي ضوء هذه النتائج أوصت الباحثة ببعض التوصيات منها:-
١ – ضرورة تقديم دعم اجتماعي و نفسي للأهالي باعتبارهم فئة داخل المجتمع وشريحة كبيرة من السكان لايجب اهمالها أو اغفال دورها سواء كان سلبيا أو إيجابيا.
٢ – تجويد الخدمات المعنوية والثقافية والتوعوية لأن العقول لن تتغير بسهولة لكنها إن تغيرت سيتغير معها كل شئ بشكل أفضل وأسرع وأقل تكلفة لأنه سيكون نابعا من داخل الأفراد أنفسهم ومعبرا عن رغباتهم ومحققا لآمالهم وطموحاتهم.
٣ – الاستماع لشكاوى الأهالي والرقابة والمتابعة على الخدمات المقدمة داخل الحي ليكونوا هم الأداة المحافظة على جودة الخدمات المقدمة.
٤ – الربط بين الخدمات المادية المقدمة( السلع التموينية- محو الأمية فرص العمل التي سيتم اتاحتها داخل الحي…..الخ) وبين المشاركة في الندوات التثقيفية ولقاءات رفع الوعي المجتمعي وإرسال الأبناء للمشاركة في المسرح والأنشطة الفنية أي تكون الأولوية في الحصول على الخدمات التي يقدمها الحي لأولئك الذين يتواجدون داخل المنابر الثقافية لضمان الإقبال على الأقل في البداية.
٥ – العمل على استثمار سكان حي الأسمرات والاسراع في تنفيذ برامج إعادة تأهيل سلوكي لهم قبل أن يقوموا هم بنشر ثقافة العشوائية الخاصة بهم وتحويل الحي لمنطقة عشوائية جديدة.
تفعيل دور الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني لمساعدة الدولة في برامج التوعية وتعديل السلوك للأهالي أو من خلال المشروعات الصغيرة التي يمكن أن تتبناها هذه الجمعيات وتساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للأهالي داخل حي الأسمرات مع الحفاظ على المظهر الحضاري للحي.
٦ – إجراء الدراسات الاجتماعية قبل وبعد نقل قاطني العشوائيات إلى مجتمعاتهم الجديدة والاستعانة بالمتخصصين في هذا المجال من أجل إنارة الطريق أمام الجهات الرسمية المنوطة بوضع الخطط المستقبلية.
٧ – من الضروري وجود خطة إعلامية شاملة ومستمرة للترويج للمشروعات القومية وخلق جوا من المساندة الجماهيرية لهذه المشروعات.
٨ – تشجيع تعاون الأهالي مع الجهات التنفيذية في محاولاتها لتنقية المجتمع من الفاسدين وأصحاب المصلحة في تحويل الحي لمنطقة عشوائية جديدة.