مع إقتراب فريضة الحج نتذكر تاريخ كسوة الكعبة المشرفة وصناعتها في مصر عبر التاريخ ،،
حيث تعتبر كسوة الكعبة المشرفة من أهم مظاهر الاهتمام و التبجيل للبيت الحرام ،، وكانت تحمل الكسوة علي المحمل ، ، ومن المؤكد ان تاريخ صناعة الكسوة ،في مصر لم يبدأ مع بدايات الخلافة الفاطمية فقط و لكنه بدأ قبل ذلك في عهد الخليفة الثاني سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه،، حين أوصى بصناعته باستخدام القماش المصري المعروف باسم القباطي وهو ما إشتهرت الفيوم بصناعته حيث كان المصريون ماهرين وقتها في نسج أفضل و أفخر أنواع الأقمشة ،،وفي عهد شجرة الدر و المماليك أخذ الاحتفال شكله المميز فكانت تكلفة الاحتفالات و المحمل و الكسوة و السفر عبر الصحراء أيضا مرتفعة للغاية ماليًا في نفقتها علي مصر وقتها ،، فأمر السلطان المملوكي الناصر بن قلاوون بإخراج خراج قريتين بالقليوبية وهي باسوس و أبو الغيط للإنفاق علي المحمل ثم السلطان سليمان القانوني السلطان العثماني بإخراج خراج ٧قرى أخرى ثم الوالي محمد علي باشا أمر ان تخرج كسوة الكعبة المشرفة من خزينة الدولة ،،
وكان إختيار أمير الحج المسؤول عن المحمل يتم بعناية فائقة ،، فالسلطان يجتمع بالقضاه الأربعة في الدولة المصرية و العلماء و مشايخ الازهر الشريف و الامراء و يلتقي بهم في الحوش السلطاني بالقلعة و يتلوا القرآن و الابتهالات ومن ثم يتم إختياره و يقدم له السلطان ذي التشريفة ،،و يدعى الخلعة ، و ينزل والأمير المنتخب في موكب حافل بشوارع القاهرة و يرافقة شاهدان و كاتب ديوان الحج و العديد من خدام المحمل ومنهم الطباخين و الحمالين يحملون ١٦٠٠ قربة مياة و ٢٢٠ جمل و طبيب و أدوية و تشتخانة للعناية بالأواني و الاطعمة و مسؤول عن الاطعمة ،، كما يصاحبهم هجانة و هم جنود لحماية القافلة من هجوم البدو عبر سفرهم و حرصوا علي حمل نقود ذهبية يقدموها للبدو حتي لا يعترضوا طريقهم في الصحراء أو تعرضهم لهجوم من القتلة طمعًا في أموال القافلة ،، و يصطف الجنود حاملين اسلحتهم حول المحمل ،،
وأخذ الاحتفال شكله المميز من ثراء و أبهه و فخامة في عهد ، سلطان المماليك الظاهر بيبرس ، فأطلق على سلاطين المماليك بخدام الحرميين الشريفين لعظم إهتمامهم بالمحمل حامل الكسوة و رحلات الحج ،، و المحمل يطوف ثلاث أيام داخل شوارع القاهرة قبل بداية السفر ،، و يتحرك الموكب من القلعة عبر وكالة الغوري الى شارع المعز الي طريق السويس ثم الي منطقة عجرود و هي قلعة في منتصف طريق السويس و يتجمع حجاج مصر و و كذلك حجاج افريقيا و التونسيين و المغاربة ثم يتجهوا الي العقبة و يمرروا بمناطق المياة ،، و بعد الحج يعود المحمل بالكسوة القديمة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة و تقطع الي قطع صغيرة و توزع علي النبلاء و الامراء ومازالت تلك القطع موجودة و بعضها يغطي قبور العائلة المالكة للتبرك بها و موجود منها ايضا في المتحف القومي للاثار
وكان سلاطين المماليك في غاية السخاء و الكرم مع شريف مكة ففي عام ١٦٧ هجرية أرسل بيبرس ٢٠٠ ألف درهم كإعانة من مصر لبلاد الحجاز وقتها ،، كما ان قافلة الحج المصري كانت اضخم و اعظم قافلة من حيث الثراء و الفخامة و هيبة مصر في عزها القديم مما جعل ملوك العالم الإسلامي يستأذنوا سلطان مصر قبل الخروج للحج من بلادهم مرورًا بمصر ،، وارسل السلاطين عبر الازمنة المتعاقبة التكية مع المحمل تكريما لاهل الحجاز الكرام ،، و يذكر ان ملك اليمن و يدعى ، مجاهد ، حاول بسط نفوذه علي كسوة الكعبة و المحمل و لكن تم القبض عليه و ارسل لمصر لعقابه علي هذه الفعلة ،،
و حديثا بعد ان استتب الامر للملك عبد العزيز آل سعود في الحجاز بدأ التوتر بين مصر و السعودية مما تسبب في إعاقة وصول المحمل وقتها للحجاز و كانت اشهر واقعة عندما رشق المحمل المصري بالحجارة من بعض المعترضين علي المحمل المصري بدعوي انهم يستخدموا نفخ الابواق في طريقهم و هو ما اعتبروه محرم و ،كان هذا البوق المصري وقتها يستخدم كأداة لرفع الهمم و لا يستخدم للاحتفالات و الافراح ، و لكن تم إلقاء الحجارة علي المحمل وهم يهتفون و يرددون ياكفرة يا مشركين يا عبيد العود ،، ووقتها نصحت الدولة السعودية بعدم ارسال المحمل ذلك العام منعًا للمشاكل ،، و مع كثرة الاعتراضات و الإشكاليات دعت مصر الي وقف تصنيع الكسوة المشرفة و ارسال المحمل وتم ذلك في عهد الرئيس جمال عبدالناصر عام ١٩٦٢ م
و عمومًا فان تاريخ كسوة الكعبة المشرفة يبدأ منذ نشأتها مع سيدنا ابراهيم و سيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ،، و في أحد الروايات فان اول من كساها في الجاهلية الملك تبع الحميري ملك اليمن وهو أول من صنع لها باب و مفتاح وذلك في عام ٢٢٠ قبل هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ،، كما ان ، عدنان بن إد ، الجد الاعلي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ساعد في كسوتها ،و أول إمرئة ساعدت في كسوتها هي نتيلة بنت جناب زوجة عبد المطلب و ذلك بعد ان ضاع ابنها و نذرت انه اذا عاد سالمًا ستكسوا الكعبة المشرفة علي نفقتها الخاصة و بالفعل عاد ابنها و نفذت نذرها ،، و لقد أخذت قريش بعد ذلك تتولي شرف هذه المهمة وكانت تكلفة كسوة الكعبة المشرفة من بطون قريش باعتبارها انها رمز ديني و يجلب لهم الحجيج و ينشط حركة التجارة حتي قال المولي عز و جل في كتابه القرآن الكريم ،،
۞ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ
رزقنا الله جميعًا حج بيته المحرم،ان شاء الله ،