شكا الناس الى الإمام الشافعي “رحمه الله” من غلاء اللحوم، فقال لهم:”اتركوه ترخصوه”، وبالفعل قاطعوا التجار لفترة من الزمن مما اضطرهم الى التراجع وإعادة الأسعار الى سابق عهدها.
سلاح المقاطعة هو الأمضى والأكثر فعالية في مواجهة جشع التجار وتلجأ إليه الشعوب الأوروبية لضبط الأسواق حيث تمتنع ربات البيوت عن شراء أي سلعة يتم رفع سعرها بدون مبرر ولاينتظرن تدخل الحكومات، فالموضوع أولاً وأخيراً عرض وطلب يرتبط بالثقافة العامة للناس.
واذا كانت هذه الثقافة “المقاطعة” مهمة ومطلوبة دائماً وفي كل الأوقات، فإنها أكثر أهمية الآن في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الناس في كافة أرجاء المعمورة نتيجة الأوضاع الإقتصادية الطارئة ونقص العديد من السلع وماترتب عن ذلك من رفع الأسعار سواء بصورة مبررة ومنطقية أو بسبب جشع ومغالاة بعض التجار.
لم نكد نلتقط أنفاسنا بعد الإغلاق الإقتصادي الطويل بسبب جائحة كورونا وماترتب عليه من آثار يعلمها ويقاسي ويلاتها القاصي والداني حتى طلت علينا الحرب الروسية ــ الأوكرانية بتأثيراتها السلبية الكبيرة على الإقتصاد العالمي باعتبار أن الدولتين المتحاربتين المصدر الأساسي لبعض السلع ــ خاصة الحبوب ــ لمعظم بلدان العالم.
هذا المناخ غير المستقر يتيح الفرصة أكثر من أي وقت للإحتكار والتلاعب بقوت الناس، ومن ثم تبدو الحاجة ملحة لثقافة المقاطعة والإقتداء بمقولة الإمام الشافعي في مواجهة استغلال التجار لأجواء الحرب والوباء لرفع الأسعار وتحقيق أكبر قدر من الربح .
***
وفي ظل هذه الظروف الإقتصادية الإستثنائية التي يمر بها العالم وانعكست بالتأكيد علينا وعلى ظروف معيشتنا، لابد من اعادة النظر في طريقة تسوقنا ومشترياتنا وتوجيه انفاقنا للأمور الضرورية حتى تمر تلك الأزمة بسلام وبأقل الأضرار الممكنة.
دار حديث بيني وبين أحد الأصدقاء مؤخراً حول هذا الموضوع واتفقنا على ضرورة تغير نمط حياتنا للتعايش مع تلك الظروف الإستثنائية التي تمر بها مصر والعالم نتيجة الأحداث المتلاحقة، بدلاً من أسلوب الشكوى المتواصلى التي يبرع فيها الكثير من الناس، فالموضوع يتجاوز قدرات أي دولة حتى أوروبا التي تصورنا أنها بمنأى عن الأزمات.
لسنا أفضل من المواطن بالقارة العجوز الذي اضطر مؤخراً الى ترشيد ــ أو توجيه ــ النفقات الى الأمور الضرورية في ظل الإرتفاع المتواصل للأسعار، وأصبحت الطوابير التي لم نراها من قبل مشهداً يومياً مألوفاً على محلات السوبر ماركت ومحطات الوقود، بل أن الكثير من الأوروبيين أصبحوا يلجأون الى تخزين السلع الأساسية خوفاً من قادم الأيام.
الحل الأمثل حتى تمر تلك الأيام الصعبة يتمثل في أن تقوم كل أسرة بعمل ميزانية إستثنائية تتناسب مع الظروف الإستثنائية التي نعيشها على طريقة موازنات الحروب ــ وهي كذلك ــ بحيث يقتصر الإنفاق على الضروريات والتخلي مؤقتاً ــ أو الحد ــ من الأمور الترفيهية حتى تمر هذه الأزمة بسلام.
والله المستعان.
***
الأمر نفسه ينصرف على عاداتنا وطقوسنا خاصة المرتبطة بالزواح ولاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالشرع وتحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى الى التعامل بحكمة حتى لاتؤدي المبالغة في النفقات الى عزوف الشباب عن اكمال نصف دينهم وما يترتب على ذلك من كوارث مجتمعية.
الأزهر الشريف من جانبه كان سباقاً في دق ناقوس الخطر من خلال طرح مبادرة مهمة تدعو الناس الى التخفيف من متطلبات الزواج والتنازل عن بعض المظاهر والشكليات مثل المبالغة في حفلات الزفاف ومصاريف شهر العسل وأن يكون شراء الذهب بالقيمة وليس بالجرامات مع إلغاء بند الأجهزة الكهربائية والكماليات غير الضرورية وغيرها من الأمور التي يمكن الإستغناء عنها بالنسبة لعروسين في بداية حياتهما.
الحكاية ليست عملية تجارية أو بيع وشراء يحاول كل طرف أن يحقق من خلالها مكاسب على حساب الآخر، بل بناء أسرة على أساس من المحبة والثقة المشتركة و”أكثر النساء بركة، أيسرهن مئونة ــ تكلفة ــ أو أقلهن مهوراً” كما جاء في الحديث النبوي الشريف.
تغريدة:
شتان الفارق بين امرأة لها قيمة وامرأة لها ثمن، فأجعلي لنفسك قيمة لاتقدر بثمن، وأعظم قيمة هي الدين والخلق.. “مصطفى محمود”.
أيمن عبد الجواد