اصطحبت الأولاد في أول أيام العيد أو بالأحرى هم من اصطحبوني لمشاهدة أحد أفلام العيد، ولكي يقنعوني بدخول السينما جاء تقديمهم لقصة الفيلم كأفضل مايكون متفوقين على كل أساليب الدعاية التي يلجأ اليها صناع الأعمال الفنية مؤكدين أنه من النوعية التي تسهويني وأنني لن أندم.
منذ المشهد الأول من فيلم “كيرة والجن” بطولة أحمد عز وكريم عبد العزيز وهند صبري وكوكبة من النجوم تأكدت أنني فعلاً أمام عمل فني راق وأن قيمة تذاكر الدخول “الكبيرة” التي تحصلها قاعات العرض في مول العرب لم تذهب هدراً.
الفيلم من النوعية التي تقدم لك سينما نظيفة تحترم عقلك وتقدم جرعة فنية وأيضاً وطنية مكثفة وهو مأخوذ أو مستوحى من أحداث حقيقية تتناول جانباً من الحركة الوطنية ضد الإحتلال البريطاني انطلاقاً من حادثة دنشواي الشهيرة ومروراً بثورة 19 والعمليات الفدائية المتعددة لإستهداف الإنجليز ومعسكراتهم وانتهاء بالجلاء واعلان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الإستقلال بعد التضحيات التي قدمتها أجيال متواصلة جمعها وربط بينها حب الوطن.
والحقيقة وبعد مشاهدتي للفيلم لم تفاجئني الأرقام المعلنة للإيرادات الخاصة بعيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات خاصة فمايتعلق بتصدر “كيرة والجن” من أول يوم وبفارق كبير عن أقرب منافسيه، فهو يستحق ذلك لأنه يقدم وجبة فنية ووطنية دسمة ويؤكد مجدداً على أكذوبة مقولة “الجمهور عاوز كدة” التي يروج إليها صناع الأعمال التافهة، ومن واقع الأرباح وشباك التذاكر وليس شيء آخر، فالأعمال الجادة التي تتصدر دائماً الإيرادات تؤكد مجدداً أن الجمهور “مش عاوز كدة” وأن الناس متعطشة لتلك النوعية من السينما النظيفة بعيداً عن الفن الرخيص وأفلام المقاولات.
***
فيلم “كيرة والجن” يرصد ويسجل مرحلة تاريحية ربما لم تتناولها السينما المصرية من قبل بمثل هذه التفاصيل.. صحيح أن هناك العديد من أفلام الأبيض والأسود تناولت المقاومة ضد الإحتلال البريطاني بشكل عام أو حادثة دنشواي وثورة 19 وغيرها من الأحداث الوطنية ولكنها مرت على تلك الأحداث مرور الكرام ولم يتم طرحها بمثل هذا التسلسل والزخم ومن خلال شخصيات حقيقية.
الفيلم فوق أنه يمثل جرعة وطنية يحتاجها المشاهد وسط سيل من الأعمال الخفيفة أو المبتذلة، فإنه يقدم العديد من الرسال المهمة، في مقدمتها أن الشعب المصري كان دائماً نسيجاً واحداً خاصة عندما يتعلق الأمر بالوطن، فالطبيب المسلم في ذات الخندق مع المدرسة المسيحية والشاب الأرستقراطي وغيرهم يجتمعون على حب الوطن ويضحون جميعاً بحياتهم من أجل هذا الهدف.
ومن المشاهد ــ أو الرسائل ــ المؤثرة، مشهد ملاحقة قوات الإحتلال لـ الجن “أحمد عز” بعد وشاية فتوة المنطقة حيث خرجت أعداد كبيرة من المصريين يهتفون ضد الإحتلال ويطالبون بالإستقلال وفي ذات الوقت يوفرون الحماية لـ “الجن” ومنحه الفرصة للهروب.
وهنا رسالة أو دلالة مهمة يجب الوقوف أمامها وتتعلق بشهامة المصريين وقدرتهم على التعايش والعمل المشترك بصرف النظر على اختلاف الأيديولوجيات والأديان وأيضاً مواجهة جميع التحديات وهم يد واحدة مثلما وقفوا ومازالوا يصطفون خلف الوطن في ظل الأحداث المتلاحقة التي تمر بها المنطقة والعالم سواء كانت تحديات أمنية أو سياسية أو اقتصادية.
“كيرة والجن” يمثل استثناء من حالة التلوث السمعي والبصري التي تقدمها السينما حالياً، ويؤكد مجدداً أن هذه الأعمال الجادة التي نشاهدها على فترات لها جمهورها ويلقى الأقبال بهذا الزخم، فلماذا لايقبل صناع السينما عليها لتحقيق الأرباح من ناحية وتقديق فن حقيقي هادف من ناحية أخرى؟!
السؤال مكرر، ولا أعتقد أن لديهم إجابة عليه.
أيمن عبد الجواد