قبل أي كلام في هذا الموضوع، من الضروري التأكيد على أنه لايستطيع أحد في بر مصر أن يستبق الأحداث ويحكم ــ بالنجاح أو الفشل ــ على الفكرة التي طرحها د. رضا حجازي وزير التربية والتعليم في البرلمان ومفادها أن وزارته تدرس إدارة مجموعات تقوية بسناتر الدروس الخصوصية من خلال شركة خاصة وهو الموضوع الذي أحدث ضجة كبرى وردود فعل رافضة للفكرة دون الإستماع الى وجهة نظر الوزير.
لا أدافع عن الفكرة أو الوزير أوأدعي حتى أنني أعرف عنها غير المنشور “بصيغة الرفض” ولكنني أتحدث من حيث المبدأ أنه لايليق أن نرفض فكرة ــ أياً كانت ــ دون الإستماع الى تفاصيلها .. سلبياتها وايجابياتها ــ ان كان لها ايجابيات ــ ووقتها يمكن أن نرفض أن نوافق خاصة وأن من أطلقها ليس مجرد وزير عادي جاء من برج عاجي بل من متابع جيد للعملية التلعيمية من الكواليس، بإعتباره كان مسئولاً كبيراً مع أكثر من وزير سابق ويعي تماماً أزمات الوزارة.
الفكرة جديدة وغريبة لأن معظم وزراء التربية والتعليم أو العدد الأكبر منهم كان همهم الأول والأخير هو كيفية مواجهة الدروس الخصوصية أو العمل للحد منها، وفي سبيل ذلك تم تجربة واستحداث العديد من أنظمة التعليم للوصول بالتلاميذ الى الإعتماد على التحليل والإبتكار وتطويرطرق الإمتحانات مثلما فعل الوزير السابق د. طارق شوقي وغيره من الوزراء السابقين.
***
لسنا ضد التجريب والبحث عن أفكار خارج الصندوق حتى لو كانت تبدو غريبة خاصة وأن مستوى التعليم لدينا يحتاج الى مغامرة لاصلاح خطايا عقود طويلة، ولاعيب أن نبحث في الطريق الى ذلك عن أفكار مبتكرة ولاننسى أن أولياء الأمور ــ أو معظمهم ــ يتحايلون لإرسال أبنائهم الى الدروس الخصوصية حتى في عز اعلان الدولة الحرب عليها وعلى السناتر مثلما حدث في عهد الوزير السابق.
التجربة في حد ذاتها ليست عيباً، المهم أن تكون محسوبة ولاتكون مجرد فكرة طرأت في عقل الوزير دون دراسة كاملة وواضحة تحدد لنا المراحل التالية والدور الذي تلعبه المدارس وفق الرؤية الجديدة، حتى لايعيدنا قرار متسرع غير مدروس مئات الخطوات الى الخلف.
***
الموضوع في تصوري يحتاج الى حوار ومناقشات موسعة تشمل كل عناصر العملية التعليمية ، من الخبراء الى المعلمين الى أولياء الأمور حتى لانظل نضع رءوسنا في الرمال وتكون أفكارنا وخططنا حبراً على ورق وكلامنا نظرياً بعيداً عن الواقع حيث نعترض على الدروس الخصوصية في حين نرسل أبناءنا إليها في صورة مقيتة من الإزدواجية بين مانقول ونفعل.
وقد تكون تلك الفكرة “الغريبة” فرصة للتفكير الإستراتيجي بالنسبة لقضايا التعليم كأن نبحث تشكيل مجلس أعلى للتعليم قبل الجامعي يضع السياسات بدلاً من التجارب التي لاتتوقف مع قدوم أي وزير جديد يحدد المسار المناسب بحيث يقتصر دور الوزير ــ طبقاً لتلك الرؤية ــ على تنفيذ السياسات التي يضعها المجلس ولا تتغير مع كل تغيير وزاري.
ويتولى المجلس المقترح اقرار السياسات التعليمية بشكل عام، مثل الحد من التعليم الثانوي والتوسع في نظيره الفني مع الإهتمام الكافي بخريجيه لكي يستعيدوا سمعة “الفني المصري” الذي كان مضرباً للأمثال في الماضي بمختلف الدول العربية وهو الأمر الذي تراجع خلال العقود الماضية .
المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي قد يكون حلاً لمواجهة ــ وحل ــ الكثير من مشاكلنا التعليمية والقضاء على القرارات الفردية خاصة فيما يتعلق بالخطط الإستراتيجية طويلة الأمد حتى لايظل حقل التعليم مساراً للتجارب كلما يأتي وزير جديد.