حالة من الجدل الواسع أثارها المعرض الدولي “الأبد هو الآن” Forever is Now، بعد النجاح الذي حققه في دورته العالمية الأولي التي أقيمت العام الماضي، واحتضنته منطقة هضبة الأهرامات، وتقيمه مؤسسة آرت دي إيجبيت، تحت رعاية وزارة السياحة والآثار ووزارة الخارجية واللجنة الوطنية المصرية لمنظمة اليونسكو، وهيئة تنشيط السياحة و محافظة الجيزة ، تقام هذا العام في الفترة من 27 أكتوبر الجاري إلى 30 نوفمبر القادم، الدورة الثانية منه بمشاركة 11 فنانا تشكيليا من مختلف أنحاء العالم، من خلال أعمالا فنية طموحة وصديقة للبيئة تماشيا مع قمة المناخ.
ويعتمد هذا المعرض علي تقديم أعمالا فنية مختلفة من السعودية والإمارات وتونس وإيطاليا وبريطانيا والسويد وأمريكا وأسبانيا والكاميرون وفرنسا بالإضافة إلي مصر، حيث تطرح الأعمال الفنية مجموعة من الأسئلة مثل كيف يتفاوض الفنانون بين عالمنا القديم والمستقبل التكنولوجي ، بين المعالم الأبدية والبيئات المهددة بالانقراض؟ كيف يصبح الفنانون وكلاء التغيير؟ كيف يمكننا إعادة تشكيل المستقبل؟ نظرًا لأن Forever is Now II يتزامن مع استضافة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) لعام 2022 في شرم الشيخ، فإنه يواكب عصر الأزمة البيئية.
ومنها العمل الذي يقدمه الفنان المصري “احمد قرعلي” بعنوان “هرم بمفردات أخري” والذي أكد أن عمله الفني يمكن أن تراه في كل شئ من حولنا، وقال “عندما تفتتن بشئ، تراه في كل شيء، وافتتاني بالحضارات التي أنتجتها مصر، جعلني أراها كيانا واحدا تعكس بعضها بعضا، ومن بعد بصري آخر أراها ممتزجة تماما مهما اختلفت أساليبها، وهذا المشروع يمثل هذه الحالة من الدمج بين المصري القديم وحضارات توالت بعده ولكن في صورة حداثية تمثل ما أراه أنا”.
ومن مصر أيضا تشارك الفنانة التشكيلية “تيريز أنطوان”، والتي قالت “من الضخامة أن أعرض بجوار الأهرامات العظيمة، فعندما أبلغوني أرت دي إيجيبت عن مشاركتي في النسخة الثانية من الأبد هو الان ، شعرت أنه سيكون من مسؤولية كبيرة أن أعرض بجانب هذا بالذات موقع قوي تاريخي، فهي فرصة كبيرة بالنسبة لي” وتشارك تيريز بالعمل الفني “تجمع الآلهة”، بالنسبة لها هناك علاقة قوية في هضبة الجيزة وبين جسم الإنسان والفضاء نفسه حيث يقف البشر فيما يتعلق بالطبيعة والكون، من خلال إدراك وملاحظة أن الوقت هو الموضوع الرئيسي الذي يربط كل شيء في هذا الموقع المحدد.
بينما قال الفنان السعودي “محمد الفراج” أنه سعيد بهذه التجربة بالعرض بجانب الأهرامات، معتبرا إنها من أكثر الأشياء طموحا، وتجعل الشخص يفكر في موضوع العمل بشكل سليم، وقال “إنها تجربة وجودية وممتن بشدة لفريق ارت دي ايجيبت الذين ساعدوني كثيرا، في الذهاب إلي الفيوم، وأجمع المواد اللازمة لنا، كما أن مقابلة الناس تدل على حقيقة وصدق المعرض نفسه”، ويشارك الفراج بقطعة فنية تدعي “حراس الريح”، وهي عبارة عن مجسم من أنابيب مياه صدأه تستخدم في عيون الماء التي جفت في مزارع الريف، وقام بتحويلها لأشبه ما يكون آلة موسيقية تفاعلية مع الهواء والحيوانات والناس على حد سواء. وعلى هذه الأنابيب أغصان مختلفة من شجر النخيل، تجعلها تبدو أحفورة مستقبلية”.
وأكدت علي حديثه الفنانة التشكيلية الإماراتية “زينب الهاشمي” قائلة ” لطالما تم رواية التاريخ من قبل الفن والفنانين وصولا إلي أن يحكي في صحراء الأهرامات، فلقد ألهمتني تلك الأهرام في عملي الفني “المسلة غير المكتملة” والتي تقف بجانب أهرامات الجيزة لتروي القصة بين الفن والتاريخ، من خلال قصة المسلة غير الكاملة الموجودة في المنطقة الشمالية من محاجر أسوان، وهي أكبر مسلة قديمة معروفة، وترمز المسلة في الأساطير المصرية إلي إله الشمس رع، واستخدمت فيها شعر الإبل الطبيعي، مع استخدام دعامات معدنية مسلحة مستعملة في جميع الإنشاءات الحديثة، بشكل متشابك في هذه المسلة، مما يعكس مشهدًا نراه كل يوم في حياتنا الحديثة ومدننا، مثل المباني نصف المكتملة والهياكل الغامضة المتوقعة لمستقبل المناظر الطبيعية”.
كما يشارك الأمريكي السويدي من أصول سورية “جوان يوسف” لأول مرة في المعرض حيث يرس أن تضاريس الصحراء بعيدة كل البعد عن كونها قاحلة بل يجدها مصدرا حيويا، ويعترف بدورها في الحفاظ على تاريخ مصر، حيث يستمد إلهام إضافي من انسيابية الرمال وقدرتها على تغيير شكلها، بما في ذلك الأعجوبة البيئية في انتقال غبارها الذي يحتوي على معادن خصبة من اليابس والبحر لتصل إلى غابات الأمازون، والعديد من العناصر المختلفة، وأكد جوان أن قطعته والتي تحمل اسم “الرمال الحيوية” كانت طريقته في الحصول على فرصة الدخول في حوار مع أهرامات الجيزة وقال “إنها من أكثر اللحظات التي لا تنسى في مسيرتي المهنية، فلقد تشرفت بمشاركتي في المعرض هذا العام، فــ “الرمال الحيوية” قطعة تتحدث عن الراحة والتواصل مع الناس، فإن “الرمال الحيوية” تمثل لحظة هامة من ترسيخ الألفة والترحيب بالمشاهدين للتفكير بشكل باطني، والتأمل في دور الفرد الاهتمام بالذات، والإنسانية، والطبيعة”.
بينما الإيطالي “إيمليو فيرو” فقال “أشعر بامتنان عميق لأنني قادر على الحوار من خلال لغتي الفنية في مثل هذا المكان المهم لتاريخ البشرية، حيث أشعر بأنني أتحمل مسؤولية كبيرة، وأشعر بالفخر أن تتاح لي هذه الفرصة بالمشاركة في هذا المعرض الضخم، فـ “بوابة النور” وهو اسم القطعة الفنية التي تعتبر كجسر يربط بين عالم الأحياء والأموات، من خلال النور من حيث صلته بعبادة إلهة الشمس مثل إيزيس ورع، حيث يستلهم العمل من برديتين قديمتين منها كتاب الموتي حيث يتتبع بوابة النور مواقع الجهات الأربعة وتحولات ضوء الشمس خلال النهار”.
ومن بريطانيا أكدت نتالي كلارك إنها سعيدة بالمشاركة في الدورة الثانية من “الأبد هو الآن” وقالت يشرفني جدًا أن أكون من بين هؤلاء الفنانين الرائعين المشاركين في هذا الحدث الضخم، فلقد كان الجزء الأكثر تحديًا، من خلال ابتكار قطعة تتماشى مع أكبر المنحوتات الأكثر شهرة في العالم في الأهرام، من خلال “روح حتحور” والتي تمثل كل ما هو أنثوي في الكون، أحبها كل من الرجال والنساء حيث كانت نظير إله الشمس رع وإله السماء حورس وتم تكريمها كأم رمزية للفراعنة” ففي روح حتحور، تمتد الأبواق المتشابكة و المعقوفة بشكل حسي إلى السماء لتوازن الذكورة الضمنية الفولاذ الصلب في وحدة متناغمة، حاملة الشمس الرخامية عاليا ليراها الجميع بينما يتردد صدى الخطوط الهندسية المقدسة للأهرامات العظيمة.
بينما يستمد الفنان الأسباني SpY إلهامه بالقطعة الفنية التي يشارك بها في المعرض من التراث المصري من حوله قائلا” لقد قمت باختيار الشكل والمواد في “الجرم السماوي” كمرجع مباشر لعناصر الرياضيات والرمزية الموجودة في الثقافة المصرية الكلاسيكية وفي الأهرامات على وجه الخصوص حيث يظهر على سطح العمل الفني، الأهرامات والسماء والمشاهدين في انعكاسات مجزئة ومضاعفة”، مشيرا بذلك إلى دور المرآة الدائرية في الرموز المصرية التاريخية، حيث تم ربطها بالشمس ونقلت مفاهيم الخلق والبعث.
والكاميرون سيكون لها الحظ في المشاركة في المعرض من خلال الفنان التشكيلي باسكال تايو ، والذي قال ” هذا المشروع هو “صورة الريح” مثل اسمه، فهو عبارة عن موسيقى النكهات ، موسيقى الناي على الرمال ، لأنه في بعض الأحيان يمكن تلخيص صورة التقليد ، قديمًا كما هو ، ببقع من الألوان، بيض على قضبان معدنية، بضع قطع صغيرة من “لا شيء” موضوعة لإطلاق الطاقات وسحر القلوب”.
ومع مشاركته للعام الثاني في المعرض أكد الفنان الفرنسي JR علي سعادته بحضوره من خلال مشروع خاص وهو “جيزة من الداخل للخارج”، والذي يعد أول تجهيز في الفراغ لكشك تصوير في مصر، سيزور كل مشارك كشك التصوير التفاعلي المقام على شكل هرم، ويحصل على صورة شخصية كبيرة بالأبيض والأسود. ثم يتم لصق تلك الصور على اللوحات الإعلانية أمام أهرامات الجيزة، وبذلك يدلي كل مشارك بشهادة شخصية لحضور مؤقت أمام تلك الآثار الخالدة.
وقالت نادين عبدالغفار مؤسسة “آرت دي إيجيبت”: “لقد حفزنا نجاحنا العالمي العام الماضي على تطوير خطط جديدة ستذهل العالم مرة أخرى، لقد عملنا بجد على مر السنين، ونحن فخورون بأن نقدم هذا المعرض الضخم للمرة الثانية في منطقة الأهرامات، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، فهو موقع عالمي التأثير، فنحن نعمل علي تنشيط مجد الحضارات القديمة بالفن العام والأهمية المعاصرة، ونربط بين القديم والجديد، والماضي والمستقبل من خلال الأعمال الفنية التي يقدمها فنانين دوليين و إقليميين في تلك المنطقة التاريخية”.
وتجسد الأعمال الفنية التي ستعرض هذا العام علي نطاق واسع موضوع الخلود، حيث أكد عدد من الفنانين المشاركين في المعرض عن مخاوفهم بشأن الاستدامة في عصر الأزمة البيئية، ولذلك فإن العديد من أعمالهم مصنوعة من مواد متنوعة من الألياف الزجاجية والصلب إلى الحجر والرخام وكلها من مصادر محلية تم إنتاجها في مصر، وأضافت نادين أن النسخة الثانية من هذا المعرض تنعكس على الوقت والخلود والأرض والتاريخ والبيئة وأيضا الإنسانية، حيث سيتم وضع تلك الأعمال الفنية المعاصرة بالأهرامات، من خلال تجربة مفعمة بالفن مقترنة بمواد كلها صديقة للبيئة، المعرض يتصور مستقبلا يرتكز على معرفة عميقة بالماضي، فلا يوجد تصور للمستقبل بدون التاريخ ولايوجد وقت بدون الحاضر، و”الأبد هو الآن” ليس مجرد إحياء للتاريخ بل لتقديم إرث فني معاصر في مكان ذي أهمية تاريخية عالميا.
أظهر الإصدار الأول القوة التحويلية للفن في المواقع التاريخية ليس فقط من خلال عدد الزوار ولكن أيضًا من خلال التأثير المضاعف على السياح والمرشدين والأشخاص من جميع مناحي الحياة. بين الماضي والحاضر ، والحفظ والإبداع ، والإرث والابتكار، حيث استقبل المعرض أكثر من 500 ألف زائر، وصلت مشاهداته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أكثر من مليار مشاهدة، وعرض في أكثر من 800 وسيلة إعلامية دولية ومحلية، كأول معرض فني دولي تم إقامته منذ 4500 عاما في منطقة الأهرامات بالجيزة، وكان تحت رعاية وزارة الآثار والسياحة واليونسكو ووزارة الخارجية وهيئة تنشيط السياحة ومحافظة الجيزة.