بقلم :
د. رمضان صالحين أحمد
كلية التربية – جامعة الأزهر ، مدير مركز التأهيل التربوي بقنا
يقول تعالى : ( ….. كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) المائدة ٦٤.
صدقت يا ربنا فيما قلت، وأبدعت، وأحكمت فيما أنزلت، وهكذا في كل مرّة يريد المتآمرون والمتربصون بمصر كيداً أو مكروهاً يردُّ المولى – سبحانه وتعالى – كيد هؤلاء المتآمرين، واامتربصين في نحورهم، ويجعلهم للناس عبرةً وآبةً، وها هي مصر تخرج في كل المواقف، والعقبات، منتصرةً، أبيّة، مرفوعة الهامة، عزيزة، قوية. وكلما أراد أعداؤها بالداخل، أو بالخارج غدراً، أو كيداً، تحول هذا الغدر، وذالكم الكيد إلى كتلة ضخمة من الحب، والولاء، والانتماء لمصر بفضل العزيز الغفار.
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ
اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها
ندعوكَ يارب أن تحمى مرابعَها
فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
وها هم الحاقدون، والحاسدون( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) أي : كلما عقدوا أسباباً يكيدون بها ، وكلما أبرموا أموراَ يحاربون أمن وطمأنينة مصر؛ فيرد الله كيدهم عليهم ، ويحيق مكرهم السيئ بهم .
( ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) وكيف يفلح من كان الفساد، والإفساد سعيه في الأرض؟ والله لا يحب من كانت هذه صفته .
بلادي هواها في لساني وفي فَمي
يمجدُها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خيرَ فيمن لا يحبُ بلاده
ولا في حليفِ الحُبِّ إِن لم يتيَّم
ولله در القائل :
الناسُ حُسَّادُ المكانَ العالي
يرمونه بدسائسِ الأعمالِ
ولأنْتَ يا وطني العظيم منارةٌ
في راحتيْكَ حضارةُ الأجيالِ
لا ينْتمي لَكَ من يَخونُ ولاءَُ
إنَّ الولاءَ شهادةُ الأبطالِ
يا قِبْلةَ التاريخِ يا بلَدَ الهُدى
أقسمتُ أنَّك مضرَبُ الأمثال
فدينُنَا دينُ الانسانيةِ، ودينُنَا دينُ حبِّ الأوطانِ، ودينُنَا دينُ المحافظةِ علي الأوطانِ، ودينُنَا دينُ الإصلاح والصلاحِ لا الفسادِ والإفساد ، ودينُنَا يبنِي ولا يهدمُ، يجمعُ ولا يفرقُ، يألفُ ولا يبغضُ، يحببُ ولا يكرهُ وكيف لا؟ وربُّنَا القائلُ في محكمِ التنزيلِ:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}الحجرات ١٠.
وكيف لا؟ ونبيُّنَا ﷺ القائلُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) ونبيُّنَا ﷺ القائلُ كما في الصحيحينِ مِنْ حديثِ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ) وكيف لا؟ ولقد حثَّ الإسلامُ أهلَهُ وأتباعَهُ على البناءِ والإعمارِ، وأمرَ بالسعيِ في الأرضِ وإعمارِهَا، وتشييدِ أركانِهَا، وأثنَى على مَن سعَى في الأرضِ مِن أجلِ الإعمارِ، فقالَ جلَّ وعلا:
(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ……. ) التوبة: ١٨.
وديننا دين الأمن والأمان، وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ :(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا) ( البخاري ، والترمذي وابن ماجه)
ومصرنا وطن الأمن والأمان، (…. وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) يوسف ٩٩.
ودينُنَا دينُ البناءِ لا الهدمِ، دين التعمير لا التخريب، دين المحبة لا الكراهية، دين الأخوة، والإنسانية، والفضيلة.
فهنيئاَ لمن جعل مصر في قلبه، وفي دمه، يتحرك حبها، ويجري شوقها في عروق أبدانه، وحافظ على أمنها، وسلامتها، واستقرارها أبد الآبدين.
اللهم احفظ الله مصر ( قيادة، وجيشاً، وشرطةً، وشعباً) ما دامت السموات والأرض يا رب العالمين.