في دنيا الإعلام التقليدي ، ومابين فكرة المسئولية الإجتماعية للإعلام وتحقيق خبطات وسبق صحفي ظلت فكرة الضوابط الأخلاقية والمجتمعية متأرجحة مابين الفوضي وحوكمة الأداء المهني وفقا للسياسات التحريرية وأحيانا وفقا لتقديرات وأهواء القائمين بالإتصال وحراس البوابات الإعلامية.
وعلي كافة الأصعدة الإعلامية بما تحمله من روافد مقروءة ومرئية ومسموعة كانت هناك معايير تحكمها مواثيق الشرف الإعلامي والصحفي، بهدف حماية المجتمع ودعم قيمه وأعرافه وعاداته الإيجابية.
ومع ظهور منصات التواصل وشبكات الإعلام الجديد وتعدد سقطاته ،كل الشواهد تؤكد ان هناك صراعا محموما لتحقيق ” التيرند” والسبق وأعلي المشاهدات حتي أمسي هذا المشهد آفة جديدة من آفات الإعلام الإليكتروني المعاصر.
وكثيراهي الجرائم والتجاوزات التي تقترفها المنصات والمواقع الخبرية في هذه المنافسة الشرسة، وبطبيعة الحال يشارك فيها بقصد وبدون بعض النشطاء والمدونيين والمغرضين وهواة صحافة المواطن.
ولعل من أهم صور التجاوزات، إختراق الحياة الخاصة للمشاهير،والمتاجرة ببعض الحالات الإنسانية وإنتهاك حرمة المرضي، وعرض مقاطع فيديو حقيقة لمشكلات إجتماعية وعائلية دون إذن مسبق ، وتشويه فكرة الأسرة والحياة الزوجية.
وأحيانا نشر أخبار كاذبة أو مضللة، والإجتزاء من سياقات بعض الأخبار والتعليقات وحجب الحقائق كاملة وبث فيديوهات قديمة لأحداث مشابهه والإيحاء بأنها آنية وحديثة ،ومن صورها المتاجرة بصورالأطفا، دون إذن مسبق من أسرهم.
وأعتقد أن من أهم صور فوضي النشر الإليكتروني التي تستوجب العقوبة التشهيروإستمراء السب والقذف،و نشرأخبار غيردقيقة وأحيانا بث الشائعات المغرضة وإساءة حرية الرأي والتعبير والمبالغة في وصف حدث أو ظاهرة ما، وأيضا التهويل في نشر المشكلات الشخصية أو العامة.
وتظل المباديء الأخلاقية صمام الأمان لحماية المجتمع وتحصينه ودعم إستقرار وحفظ كرامته، وفي دنيا الإعلام الجديد المفتوح بآلياته ووسائطه ومؤثراته ، لابد من إيجاد ضوابط وقوانين توفر قدرا من الوقاية والحصانة المجتمعية أمام شطحات الإعلام وآفات صحافة المواطن.
ولا يبررتحقيق السبق الإعلامي تجاوزالخطوط الحمراء التي تحفظ كيان وإستقرارالمجتمع. وفي هذا السياق أوصي مؤتمر سابق منذ سنتين أقامته كلية الحقوق بجامعة عين شمس بضرورة إقرار قوانين صارمة تمنع فوضي الممارسة الإعلامية في دنيا شبكات التواصل الجديدة. وعرضت أبحاث المؤتمر للضوابط الشرعية والأخلاقية والمهنية التي تحدد مسارات ومحاذير الإعلام الرقمي الجديد .
كما أصدر المجلس الأعلي للإعلام مؤخرا قرارات مشددة بضرورة الإلتزام بالضوابط الأخلاقية وأقر المجلس عددا من السياسات واتخذ مجموعة من القرارات في إطار الدور المنوط بالمجلس بتنظيم الصحافة والإعلام. وفي هذا الإطار وافق على استحداث بند جديد يضاف إلى لائحة الأكواد والمعايير والجزاءات بنص مفاده :”يُعد مخالفةً للأكواد والمعايير الإعلامية وميثاق الشرف المهني الصحفي والإعلامي واعتداءً على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للأفراد، قيام الصحفى أو الإعلامي بتسجيل المحادثات التليفونية بينه وبين الطرف الآخر مُحَدثه (المصدر) دون إذنه أو علمه بأى وسيلة تثبت هذا الإذن والعلم وقيامه ببث المحادثة التي سجلها نصاً على أي وسيلة إعلامية دون إذن الطرف الآخر.
ويكون للمجلس في حالة مخالفة ذلك إحالة الصحفي أو الإعلامي إلى النقابة المختصة لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضده ، كما يكون للمجلس إلزام الوسيلة الإعلامية بحذف المحادثة وتغريمها بغرامة مالية لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 250 ألف جنيه بحسب طبيعة المحادثة وما ترتب عليها من آثار،مع عدم الإخلال بأى عقوبة ترد في قانون آخر.
إن فكرة بناء الوعي بالضوابط الأخلاقية والمجتمعية تحكمها قبل القوانين والمواثيق العقول الناضجة ،والضمائرالمهنية السوية وثقافة الإعلام الهادف المتوازن.
واعتقد أن فكرة التدريب المهني المستمر للصحفيين والإعلاميين أصبحت امرا واجبا ومطلبا مهنيا للإرتقاء بمهنة ورسالة الإعلام شكلا ومضمونا وحماية لأمن المجتمع.