12 دولة قد تواجه تخلفا عن السداد.. الزيادات المفاجئة فى الأسعار أهم الأسباب
التورط فى مديونات جديدة.. واضطرابات داخلية ببعض البلدان.. وزيادة الهجرة إلى الدول المتقدمة.. أهم التداعيات السلبية
4 موجات من الديون عصفت بالدول الفقيرة على مدار 50 عاماً
معهد التمويل الدولي: 96.2 تريليون دولار ديون الأسواق الناشئة حتى نوفمبر 2022
كتب – فتحى حبيب :
تشير التوقعات إلى أن ديون الدول الناشئة لن يكون لها تأثير كبير خلال 2023 بسبب ضعف مساهمة هذه الدول على حالة الاقتصاد العالمي.. فيما تظل أزمة الركود المتوقع والأزمة الروسية الأوكرانية والحرب التجارية بين الصين وأمريكا الأكبر تأثيراً عالمياً.
وفي ظل التوقعات السلبية عن اتجاهات الاقتصاد العالمي خلال 2023 ترتفع المخاوف من الدخول في موجة جديدة من التخلف عن سداد الديون لكن إن حدث فلن يتسبب في وقوع أزمة مالية عالمية وذلك بالنظر إلى الحجم الصغير نسبياً لتلك الاقتصادات بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.
وستظل الأزمة بالنسبة للاقتصادات النامية والفقيرة قائمة حيث من المحتمل أن تسفر تلك الضغوط الاقتصادية عن تداعيات خطيرة في تلك البلدان كتفاقم معدلات الفقر وحدوث المزيد من الاضطرابات الداخلية في تلك الدول.
أوضحت دراسة حديثة أعدها مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” ومقره أبوظبي أن العالم شهد منذ عام 1970 وعلى مدار 50 عاماً ماضية 4 موجات رئيسية تراكمت خلالها الديون في عدد من الأسواق الناشئة والفقيرة.. ولطالما اقترنت موجات الديون تلك بأزمات مالية كأزمة ديون أمريكا اللاتينية في الثمانينيات والأزمة المالية في آسيا في أواخر التسعينيات والأزمة المالية العالمية في 2007-2009، وأخيراً أزمة الديون التي عايشتها القارة الأفريقية على مدار العقدين الماضيين.
وخلال العقد الأخير شكل تفاقم حجم الدين الخارجي ولا سيما في اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية والبلدان الفقيرة أحد أهم التطورات المالية على مستوى العالم وأبرز المخاطر المؤدية إلى عدم الاستقرار المالي العالمي والتباطؤ في النمو الاقتصادى واضطراب الأسواق المالية في البلدان المقترضة.
(مؤشرات تصاعدية)
أوضحت الدراسة أن ثمة مؤشرات على تفاقم حجم الديون الخارجية وتصاعدها بوتيرة سريعة خلال العامين الماضيين، بما يدفع إلى القول بأن العالم يواجه في الوقت الحالي أزمة ديون كبيرة وهي ما يمكن إبرازها على النحو التالي:
– تذبذب حجم الدين العالمي بفعل ارتفاع أسعار الدولار : بلغ الدين العالمي وفقاً لتقرير صادر عن معهد التمويل الدولى مستوى قياسياً قُدر بنحو 303 تريليونات دولار العام 2021 وهو لا يقتصر على الديون الحكومية فحسب بل شمل الديون العامة والخاصة والتابعة للشركات، والأسر.
ولعل ذلك المستوى من الدين المرتفع شكَّل ارتفاعاً بمقدار 30% في نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الـ 5 الماضية، وهو كذلك قفزة أخرى في الدين العالمي القياسي لعام 2020، الذي بلغ 226 تريليون دولار بحسب ما أفاد به صندوق النقد الدولي في قاعدة بيانات الديون العالمية الذي مثَّل في وقتها أكبر زيادة في الديون لمدة عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية.
بيد أن ارتفاع الدولار وتراجع مبيعات السندات مؤخراً ساهما في خفض الدين العالمي بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2022 وفق ما جاء في تقرير جديد صادر عن معهد التمويل الدولى أشار إلى انخفاض النسبة العالمية للديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2022 إلى 343%؛ وذلك بتراجع من 303 تريليونات دولار مطلع 2022 إلى 290 تريليوناً في الربع الثالث من العام ذاته إلا أن ذلك الانخفاض لا يمكن التعويل عليه؛ إذ إنه في الوقت الذي انخفض فيه حجم الديون لبعض البلدان ارتفع نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، بفعل النمو الضعيف والإنتاج المنخفض.
– تزايد لافت بإجمالي حجم الديون في الدول المتقدمة: ويمكن إرجاع تلك الزيادات إلى تسجيل الاقتصادات المتقدمة ارتفاعاً حاداً في عجز المالية العامة وانهياراً في معدل الإيرادات الحكومية نتيجة الركود في الآونة الأخيرة، وإجراءات الإغلاق التي استهدفت احتواء كوفيد-19.
– تنامي حجم الدين في الأسواق النامية والناشئة: أشار تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي في مايو 2022 إلى أن إجمالي ديون الاقتصادات الناشئة خلال الربع الأول من عام 2022، بلغ نحو 98.7 تريليون دولار مقابل 89 تريليون دولار في ذات الفترة في 2021.
ورغم انخفاض حجم الدين الإجمالي لديون الأسواق الناشئة، وفق تقرير جديد صادر عن معهد التمويل الدولي في 22 نوفمبر 2022 من 98.7 تريليون دولار إلى 96.2 تريليون دولار فإن النمو الاقتصادي الضعيف أعاد نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوى لها عند 254%، وهو المستوى الذي سجلته في أوائل عام 2022.
– زيادة مخاطر تخلف الدول الفقيرة عن سداد الديون : دأب الاقتصاديون والمؤسسات المالية العالمية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في الفترة الأخيرة على دق ناقوس الخطر بشأن خطورة أزمة الديون حيث توقع البنك الدولي في عام 2022 أن نحو 12 دولة قد تواجه تخلفاً عن السداد خلال العام المقبل.
ويُشار في هذا الصدد إلى أن نحو 60% من البلدان النامية المنخفضة الدخل تعاني من ضائقة ديون أو معرضة بشدة لخطرها؛ ففي مطلع ديسمبر 2022، ذكر البنك الدولي أن خدمة الديون السنوية لأفقر دول العالم للدائنين الثنائيين الرسميين، بلغت 62 مليار دولار وهي زيادة بنسبة 35% عن عام 2021.
وتدين البلدان الفقيرة، وفق بعض الحسابات، بما يصل إلى 200 مليار دولار للدول الغنية وبنوك التنمية المتعددة الأطراف و الدائنين من القطاع الخاص.
ومن المتوقع خلال عام 2023 أن تتعرض البلدان النامية لأزمة ديون كارثية، ستتفاقم بفعل اندماج التضخم السريع مع تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع الدولار، وهو ما يعني أن جهود تخفيف الديون ستتعرض لتعثرات شديدة.
(محددات مؤثرة)
أشارت دراسة مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” إلى أن التوقعات بزيادة حجم الديون والتعثر في سدادها خلال 2023 تأتي انطلاقًا من بعض العوامل والمحددات الرئيسية التي يُتوقع أن تؤثر بدرجة كبيرة على مشهد الديون في 2023 أبرزها: زيادات مفاجئة في أسعار السلع أو الخدمات مقابل نقصان المعروض منها مما يخلق حالة من التراجع في النمو الاقتصادي لدى البلدان المقترضة وتراجع مقدرتها على السداد.
ومع تزايد التوقعات بحدوث ركود عالمي 2023 و الارتفاع الجامح في الأسعار سوف يعزف الناس عن الشراء بما يخلق حالة من الركود في حركة البيع والشراء إضافة إلى احتمال رفع أسعار الفائدة وتشديد سياسات البنوك المركزية.
(تداعيات محتملة)
وقد يدفع تفاقم معدلات الديون حول العالم، وعلى وجه الخصوص في البلدان الفقيرة والنامية خلال 2023 إلى عدد من التداعيات السلبية السياسية والاقتصادية مثل: تأجيج الاضطرابات المالية: وحدوث مزيد من العبء الاقتصادي على البلدان المتعثرة وانتكاسة في آفاق النمو بها و ربما يسفر العجز عن سداد المديونيات والتورط في مديونات جديدة عن اضطرابات داخلية في بعض البلدان و زيادة تدفقات الهجرة إلى الدول المتقدمة.
الجدير بالذكر أن “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” شركة استشارات عامة متعددة المهام تم تأسيسها في 20 يناير 2021 بأبو ظبى دولة الإمارات العربية المتحدة تضم مركز دراسات يعمل على متابعة وتحليل التطورات الجارية ذات الطابع الاستراتيجي من خلال نشاطات أكاديمية، كالمراصد الإعلامية والتحليلات السياسية والدوريات المتخصصة والمواقع الإلكترونية وحلقات النقاش.
وتتفاعل المؤسسة مع أنشطة “المجال العام” في أقاليم العالم ذات التأثير على المنطقة بهدف تقديم رؤية متوازنة حول واقع الشرق الأوسط وتوجهات الدول العربية الرئيسية خاصة الخليجية “عبر الأقاليم”.. كما تعمل على دعم عملية تشكيل السياسات وصنع القرار في المؤسسات العامة والخاصة داخل الدولة وخارج الدولة في إطار القواعد الحاكمة لعمل شركات المناطق الحرة.