هى الحياة حين ترضى عنك تمنحك أناسا يشكلون معك الكثير من أحداثها و أماكنها و أفراحها و حتى أحزانها التى تصير بعد ذلك ذكريات ربما منحت بعض راحة عند تذكرها رغم الألم، تعطيك أشخاصا محبين لك، يسيرون معك حتى نهاية الرحلة التى تزيد ألما حين يتركوك وحيدا و يغادرون فجأة .
لا أستطع أن أحدد أول مرة قد رأيت فيها الكاتب الصديق و الأخ إيهاب الوردانى أمين صندوق اتحاد كتاب مصر الراحل و معه الشاعر محمد الدش ، ربما كانت فى عام 86 على ما أعتقد ، كنت و قتها طالبا فى الصف الأول الجامعى بتربية طنطا قسم انجليزى، قد يكون اللقاء الأول فى نادى أدب الحزب الوطنى الذى كان يديره الناقد على خليل أو بقصر ثقافة غزل المحلة حيث يوجد القاص سامى عبد الوهاب أو نادى أدب حزب العمل و الشاعر الراعى نشأت الشريف أو بقصر ثقافة المحلة بمحب و الأستاذ المعلم عبد الحفيظ صقر أو بنادى أدب حزب التجمع و الصديقين ربيع عقب الباب و مختار عيسى،أو بمركز شباب الساحة مجدى الحمزاوى و محمد أبو قمر أو فى مجلة الرافعى حيث فاروق خلف و محمد العزونى و الناقد أحمد عزت سليم ،أو عند الكاتب الكبير الذى كان يحبه جدا و يعطر فمه دائما بأستاذية جار النبى الحلو ، أختلفت الأماكن التى جمعتنا لكنها لم تفرقنا رغم إختلاف اتجاه و إيدلوجية كل واحدة منها ، جمعتنا المحبة و الهدف المشترك نحو تحقيق الذات الأدبية و الفرح الطفولى الغامر لنجاح أى أحد من مجموعتنا ، مجموعة دلتا التى شكلت جماعة رؤى الأدبية بعد ذلك و بدأت تنسج لنفسها طريقا فى مديتنا الصغيرة الكبيرة بحكم تواجدها و إنجازاتها و تأثيرها فى الاقتصاد و الصناعة و الرياضة و الثقافة المصرية.
صار لمجموعة كتاب المحلة الجدد من ساكنى المدينة فى جيلنا عدة قرى مهمة يذهبون إليها أسبوعيا أو كل أسبوعين على الأكثر؛مجول الوردانى و الدش،سامول فريد و الفقى و الشافعى،القيصرية فراج و لطفى مطاوع،صفط تراب العزونى و أبو حجر و سامى عبد الوهاب ؛كان كتاب المحلة من جلينا يحبون تلك القرى و يذهبون إليها و لا يفضلون واحدة عن الأخرى.
تحولت المحلة لهم أيضا إلى قرية كبيرة بأبنائها جار و مختار و عقب الباب و الحمزاوى و أبو قمر و محمد أمين و الشريف و عساكر و جابر و ناصف و المطارقى و عيسى و محروس و زكريا و السيسى و محارب صارت المدينة البارة بتفاصيل تعاملها الإنسانى الذى لم يختلف كثيرا عن القرية.
بدأت مجموعة جديدة تتشكل و تود أن تفعل شيئا جديدا و مختلفا ، كان الوردانى فيها ضلعا كبيرا و رقما مهما جدا فى معادلة النجاح فى كثير من المشاريع الأدبية البسيطة و كنا نراها وقتها عظيمة ،كان لدية خبرة حياتية، ربما أكتسبها قبل كثيرين منا،كان بالنسبة لى أراه فى مقام الأخ الكبير المحب دائما لأخيه الصغير الذى يحاول أن يتعلم من كل شيء و يكتسب الكثير من المعارف بسرعة من خلال المشاركة و التنقل و القراءة و البحث ، لم أشعر مرة به منافسا أو مصارعا،بل كان طول الوقت مساندا رغم أننا أختلفا فى بعض مفاصل الحياة و بعض المواقف و بعض الأشخاص لكننا لم نختلف على المحبة الكبيرة و الاحترام لبعضنا البعض .
أتذكر أول مجلة ماستر جمعتنا و جمعت جيلنا كله ،كانت مجلة دلتا التى كان يدير تحريرها مع الشاعر فراج مطاوع بعد مشوار لم يكن طويلا مع بعضنا لكنها استطاعت أن ترسم صورة جيدة لإنسان قادر على الإدارة بحنكة و دربه،فكانت بعدها مجلة غزل التى رأس تحريرها و خرجت من شقته بمجول ،ثم تكونت جماعة رؤى الأدبية التى أصدرت ما يزيد عشرين كتابا للأصدقاء،كان إيهاب أحد أضلاعها المهمين و مديرها الفاعل الذى يتولى الكثير من أمورها .
كان لصدور مجموعته على باب ناعسة فرح كبير لصدور أول مجموعة قصصية متميزة بدارسة للدكتور يسرى العزب رحمه الله رحمة واسعة،كان صدورها بمثابة فرح يشبه أفراحنا بالضبط،أتذكر يوم الإحتفاء بها فى قريته مجول و الذى يشبه احتفال القبيلة بمولد شاعر بها ،ثم توالت أعماله السردية التى كان لها طعم مختلف و متميز فى صناعة الجملة السردية الخاصة به و التى تستطيع دون مبالغة أن تميزها عن باقى الجمل السردية فى مدينتنا التى كانت تتميز بمذاق سردى مختلف عن باقى السرد فى الوطن كله ،كانت جملة شعرية حافلة بطاقة لغوية ،تبدأ و تؤخر أقسام الجملة حين تعطى مؤشرها الخاص بها، لم تكن القرية -مجول- فى قصص إيهاب الوردانى ككل القرى التى نعرفها لكنها كانت قرية كونية تضع الدش على أسطحها و تتعامل مع الميديا و الحاسب و مفتوحة على العالم لتنهل منه كل جديد،حتى اننى سمعت عن كتاب ونقاد و مصطلحات جديدة كانت تميزه و تخصه و يتعامل معها،كان دائم البحث عن كل جديد فى الأدب و النقد وخاصة فى المغرب العربى .
لم أتقدم لشيء إلا و كان يعرفه،كنا معا واحدا،نجحت فى دورتين فى مجلس إدارة اتحاد الكتاب بمؤازرة كبيرة منه و بعد إخفاق عدة دورات سابقة كانت لنا-معا- كاشفة لهذا العالم الانتخابى الغريب فى القاهرة و الأقاليم فى واحدة من أكبر كيان للكتاب فى مصر،و رغم أننى كان لى رؤية مختلفة عنه فى المجموعة التى ستساندا من أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب فى القاهرة لتأسيس فرع اتحاد الكتاب فى محافظة الغربية إلا أنه لم يقف فى سبيل إنشاء الفرع من أجل تحقيق رؤيته،بل ساند جهودى و جهود الزملاء فى هذا الطريق،ووقع معى طلب التأسيس الأول للفرع مع ما يزيد عن عشرين عضوا و دفع بحماس حتى تم تأسيسه و تأثيثه، و أذكر أنه كان يود لى مع عدد كبير من الزملاء أن أتولى موقعا من مواقع أعضاء مجلس إدارة الفرع لكنى فضلت ألا أكون غير العضو الخامس بلا مناصب، و تولى أستاذنا الشاعر الكبير فاروق خلف رئاسة الفرع و الدكتور محمود الحسينى نائبا له .
و يسبقنا الوردانى إلى لقاء الله و دار الحق و نبقى نحن – حتى الآن- فى دار الباطل، و لن يتبقى منه و منا بعد ذلك إلا الكلمة التى نتركها و أعتقد أن الوردانى ترك كلمة و كتبا سردية و نقدية و قصصا للأطفال جديرة بالقراءة و تستحق أن نحتفى بها و منها مجموعة على باب ناعسة ديوان قصص 1993، و مجموعة الإرث ديوان قصص 1999 و العجز والرؤية كتاب نقدى 2000، مفهوم القص وإشكاليات البناء كتاب نقدى 2006، و الرجفة والجمر نصوص 2017 ، وأحمل وطنا يشبهني نصوص 2018 ، ثمة حارس يفزعه الوقت ديوان قصص 2018 و نخلة الهيش رواية، و له تحت الطبع؛تبدلات المعنى كتاب نقدي، فصول البراري رواية، إلى حيث أنا رواية، هذه الأعمال هى التى يجب أن نضعها فى مكانها التى تليق به، لو كنا نقدر حقا حق الكلمة الجيدة، تحية لروحه المحبة الصادقة للإبداع الأصيل.