أمره عجيب مجلس الثقافة الأعلى،يقيم ندوات ومؤتمرات وأمسيات، ويدعو إليها مثقفين ومثقفات من القاهرة والمحافظات،تاركا لهم أمر تدبير نفقات الطعام والمواصلات، ظنا منه أنهم ليسوا في حاجة إلى مكافآت، باعتبارهم متطوعين ومتطوعات، مع إن زمن التطوع عدى وفات.
وأمري عجيب أنا الآخر، فلا أعرف لماذا أحرص على الكتابة بهذا الشكل البائد، الذي انقرض منذ مئات السنوات، وأصبح من المخلفات،يبدو أنني شارب حاجات، أو يبدو أن لاوعيي يقول: المجالس مقامات، ولكل مقام مقال أو مقالات، ومنها لله الكيبوردات التي تجعل للكسيح عجلات،ولأرباب السوابق روايات، وللكفيف عوينات.. عيون يعني وصحتها في هذا المقام عيونا حتى لايشمت في الأستاذ أحمد سويلم رئيس لجنة الشعراء والشاعرات.
الشعراء والمثقفون عموما، أغلبهم على باب الله، وأغلبهم أيضا لايعنيه أن يشد الرحال من قريته أو نجعه في أقاصي الصعيد أو أعالي الفلاحين،ويقتطع من قوت عياله، المقطوع أصلا، حتى يأتي إلى المجلس ويلقي قصيدة في جمع غفير لايتجاوزعدده الأفراد العشرة، أو حتى العشرين إذا كان شاعرا في شهرة مؤلف أغنية ماتقولش إيه إديتنا مصر.
لجنة الشعر على سبيل المثال- وأنا عضو فيها ببركة دعاء أمي وصديقي شعبان يوسف وجارته أم وائل- لديها حماس وطموح أن تقيم كل ليلة أمسية شعرية، ولديها رغبة وإرادة أن تدعو إلى أمسياتها كل مبدعي مصر من إسكندرية حتى أسوان،لكنها تصطدم دائما بالإمكانات المادية، وبأن المجلس ليس لديه لارغبة ولاإرادة في تخصيص مكافآت لأولئك الذين يأتون من أقاصي البلاد للمشاركة في الأمسيات، مع إن أبسط حقوقهم أن تخصص لهم أجرة المواصلات، وتدبر لهم أماكن لائقة للإقامة في الفنادق أو حتى اللوكاندات، هذه أمور بديهية، لكن يبدو أن القائمين على المجلس لايعترفون بالبديهيات، أو لعلهم- وهذا هو الأرجح-لايقدرون قيمة الشعراء و دورهم، وأهميتهم، ويقولون ، في أنفسهم:” يحمدوا ربنا إنهم بيقولوا شعر في مجلس اللوردات”!
الذي أعرفه أن مجلس الثقافة الأعلى مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة،وأن مؤسسات الوزارة تخصص مكافآت للمشاركين في أنشطتها، صحيح أنها مكافآت هزيلة، ولاتكفي حتى حق الدخان، لكنها مكافآت والسلام، فهل المجلس بلا ميزانية مثلا، أم أن لوائحه وقوانينه لاتبيح صرف مكافآت للمشاركين في الأنشطة؟
الشعراء الذين يلبون دعوة اللجنة للمشاركة في أمسياتها ، يأتون استجابة لإلحاح القائمين على الأمسيات،ومراعاة لأصول الصداقة،والبعض يعتذر عن عدم الحضور، خاصة إذا كان من الأقاليم وسيكلفه الحضور أمولا، أولاده أولى بها.. ياريت نحترم الناس عشان الناس تحترمنا..الشاعر والكاتب والفنان قيمة كبيرة.. عاملوهم بما يليق بهم.
إذا كان المجلس غير مقدر لقيمة الشعراء والمثقفين،وإذا كانت الأنشطة الجادة لاتعنيه، فعليه أن يعمم منشورا إلى لجانه يقول فيه “مش عايزين أنشطة، وإذا كان ولابد تبقى ببلاش”..وليعلم هذا المجلس والقائمون عليه،أن زمن ببلاش مابقاش.