» بقلم ✍️ د. فراج خليل الصعيدي
(أستاذ الچيولوجيا بهيئة المواد النووية)
يوافق اليوم السبت ١٧ رمضان ذكري غزوة بدر الكبري (يوم الفرقان) .. ومن باب وذكر نتوقف قليلا مع أسباب الغزوة ومقدماتها ومجرياتها ونتائجها وعوامل انتصار المسلمين فيها ..
* تاريخ حدوثها: يوم الجمعة – ١٧ رمضان – عام ٢ هجرية.
* سببها المباشر : إعتراض المسلمين لقافلة تجارية لقريش قادمة من الشام ، يقودها أبوسفيان بن حرب ، بقصد الاستيلاء عليها عوضا عن أموالهم التي استولي عليها القرشيون في مكة.
* ملخص الأحداث:
١- خرج المسلمون لاعتراض قافلة قريش بقيادة أبو سفيان
٢- علم أبو سفيان (ذو الفطنة والدهاء) بأمر المسلمين فعمد إلي فعلين متوازيين:
أ- أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلي مكة يستغيث ، فوصل في أشنع هيئة تثير الذعر لكي يستفزهم للخروج لاستنقاذ أموالهم قائلا اللطيمة اللطيمة ، الغوث الغوث.
ب- غيّر طريق القافلة واتخذ طريق البحر الأحمر.
٣- لما نجا أبو سفيان بالقافلة واطمأن أرسل إلي قريش ألا تخرجوا فقد نجونا ، ولكن أبا جهل رفض وقال والله لا نرجع حتي نرِدَ بدرا فنقيم فيها ثلاثا ، ننحر الجزور ونسقي الخمر وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا بعدها أبدا .
٤- علم رسول الله ﷺ أن القافلة قد نجت ، وعلم أيضا بخروج قريش لملاقاته فماذا يفعل؟؟ .. لو رجع للمدينة ستقول قريش أن المسلمين لما سمعوا بخروجهم فروا .. ولو استمر النبي ﷺ وحارب قريشا فهو لم يخرج أصلا لحرب ولكن لاعتراض قافلة .. فلم يكن عددهم ولا عتادهم يناسب عدد وعتاد قريشا ، فعمد إلي استشارة أصحابه .. فتكلم أبو بكر فأحسن وتكلم عمر وأحسن ثم تكلم المقداد بن عمرو (من المهاجرين) فقال: “يارسول الله امض لما أمرك الله ، فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسي اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن نقول لك إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون …. ” ، فسُرّ رسول الله ودعا له ، وأخذ رسول الله يقول أشيروا علي أيها الناس ، أشيروا علي أيها الناس . ففطن الأنصار أن رسول الله يريد أن يعرف رأيهم بالتحديد .. فقام سعد بن معاذ زعيم الأنصارفقال “يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله”. فسر رسول الله بذلك سرورا شديدا… والسؤال هنا : لماذا أصر رسول الله على أن يعرف رأي الأنصار تحديدا؟؟ .. لأنهم كانوا قد بايعوه علي أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهلهم ولكن في المدينة ، أما والآن فهم في بدر (خارج المدينة) فهم في حلّ من هذه البيعة .. ورغم علم رسول الله أنهم لن يتخلفوا عنه إلا أنه أصر على أن يسمع موقفهم .. انظروا إلى عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يفطن إلى كل صغيرة وكبيرة .. وهو سيد أهل الوفاء.
٥- المعركة:
أ- بعد أن اطمأن رسول الله ﷺ إلى موقف أصحابه وجاءته المعلومات بأن عدد المشركين ٩٥٠ رجلا (ثلاثة أضعاف عدد المسلمين وكان عدد المسلمين نحو ال ٣٠٠ رجلا) نزل عند ماء بدر.
ب- الحباب بن المنذر (صحابي وكان خبيرا بالمكان) فقال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل. أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟؟؟ فقال رسول الله ﷺ “بل هو الرأي والحرب والمكيدة”، فقال “يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتي نأتي أدنى ماء من القوم فننزل ثم نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون” .. فطن رسول الله أن هذا هو الصواب (هنا تتجلي عظمة القائد في مشورة أصحابه) فأمر بتنفيذ المشورة ..
ج- بدأت المعركة بالمبارزة :
– حمزة بن عبد المطلب (عم النبي) قتل شيبة بن ربيعة.
– علي بن أبي طالب (ابن عم النبي) قتل الوليد بن عتبة.
– عبيده بن الحارث بن عبد المطلب (ابن عم النبي) أصيب فأعانه حمزة وعلي فقتلا عتبة بن ربيعة .. ثم استشهد عبيدة متأثرا بجراحه ..
* هنا ملاحظتان مهمتان ..
ملاحظة١ : أراد النبي أن يُخرج للمبارزة أقرب الناس إليه ، حتي لا يقال أن النبي يقتل أصحابه فيما لو كان خرج غير أهله.
ملاحظة ٢: لماذا خرج عتبه ابن ربيعة وأخيه شيبة وابنه الوليد بن عتبة بالذات من دون قريش؟؟ .. لأن عتبه في الأساس في مكة كان يرفض الخروج للحرب ، حتي لا يقتل الرجل اخيه أو أبيه أو ابن عمه ، فاتهمه أبو جهل بالجبن .. فأراد عتبة أن ينفي عنه هذه التهمة فخرج هو وأخيه وابنه للمبارزة .. وعتبة هذا هو والد هند زوجة أبو سفيان.
د- التقي الجيشان .. أخذ رسول الله ﷺ في الدعاء والابتهال و التضرع الي الله (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) .. ورغم أن الله وعد نبيه احدي الطائفتين أنها لهم (القافلة أو النصر) ، وها هي القافلة قد نجت فلم يبق الا النصر ، ورغم ذلك اجتهد النبي ﷺ الي الله في الدعاء حتي بان بياض ابطيه .. وقد قاتلت الملائكة مع المسلمين (قيل قتالا حقيقيا وقيل معنويا لتثبيت قلوب المؤمنين).
هـ – إنجلت المعركة عن نصر ساحق للمسلمين ، قتل من المسلمين ١٤ ، بينما قتل من المشركين ٧٠ وتم أسر ٧٠ آخرين .
و- سمي يوم بدر ب يوم الفرقان لأنه تفريق بين الحق ، والباطل. وأطلق علي من حضر معركة بدر من الصحابة اسم (البدريين) ، وأصبح لقب البدري وساما على صدورهم ، وقال عنهم قائدهم رسول الله ﷺ “لعل الله اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم”.
٦- نتائج معركة بدر:
أ- نتائج معنوية : العزة والقوة للمسلمين وأكسبتهم الهيبة في قلوب أعدائهم ، بل في قلوب العرب جميعا.
ب- نتائج مادية: غنائم ضخمة للمسلمين ، قتل ٧٠ من المشركين وأسر ٧٠ آخرين منهم. أمر رسول الله ﷺ بدفن قتلى المشركين وحسن معاملة الأسري .. واستشهد من المسلمين ١٤ ودفنوا في ميدان المعركة.
٧- عوامل انتصار المسلمين في بدر:
أ- قيادة حكيمة واعية .. سيدنا رسول الله ﷺ .. الصبر ، الشجاعة ، الشوري ، الحث والتشجيع.
ب- قوة الايمان .. الاستعداد للتضحية بكل غال ونفيس في سبيل قضيتهم العادلة.
ج- الروح المعنوية العالية ..فلا يكفي التسليح والتنظيم الجيد للنصر ولكن لابد من رفع الروح المعنوية.
ملاحظة أخيرة : المسلمون حينما خرجوا إنما خرجوا لاعتراض قافلة ولم يخرجوا لحرب ، لذلك لم يكونوا مجهزين تجهيزا كاملا ، لا عتاد ولاعدة .. فلما ثبتوا وصبروا .. نصرهم الله …. لذلك قال الله تعالى {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} (آل عمران) ، وقال {وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} (الأنفال) … رضي الله عن أهل بدر أجمعين ؛ وصلى الله وسلم وبارك على معلمهم سيدنا رسول الله .. النبي الأمي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .