»» المرأة في عرفان ابن عربي لها مكانة متميزة باعتبارها رمز للجوهر الأنثوي في الوجود
»» شهد سلطان العارفين بالكمال الروحي للمرأة باستطاعتها الوصول إلى مراتب الولاية الروحية وبالترقي في مراتب الطريق الصوفي
تقرير ✍️ د.خالد محسن
بعد مناقشات علمية مستفيضة ورصينة بجامعة العريش حصلت الباحثة آلاء محمد شحاته علي درجة الماجستير في درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية والتصوف ،بتقدير ممتاز مع التوصية بطباعة الرسالة وتداولها مع الجامعات الأخري.
جاءت الرسالة تحت عنوان” مكانة المرأة في تصوف ابن عربي ، دراسة تحليلية ذوقية”
تكونت لجنة الإشراف والحكم والمناقشة من د. مجدي إبراهيم أستاذ الفلسفة الإسلامية ووكيل كلية دار العلوم جامعة أسوان ” مشرفا وعضوا” ،د.أحمد الجزار أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف والمفكر المعروف والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة المنيا”رئيسا ومناقشا”
، د.نڤين إبراهيم ياسين أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنصورة،” عضوا ومناقشا”.
شهد المناقشة كوكبة من أساتذة الفلسفة والباحثين من بينهم د.محمد شاهين أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب حامعة قناة السويس، ود. أحمد مرتاح مدرس الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة العريش،وعدد من أصدقاء وأقارب الباحثة.
تقول الباحثة في مقدمة الدراسة أن الجدلُ حول المرأة وحقوقها بشكل عام اتخذ صورا متبيانة، اختلفت حدة ماهيته باختلاف الثقافات والمجتمعات الإنسانية، فالمرأةُ هي أساسُ الحياةُ والإبداع باعتبار أن الأنثى هي أصلُ الخصوبةِ وحفظُ النوع الإنساني، إذ لولا وجودها ما وُجدت أسرةٌ ولا مجتمعٌ لأنها أساسُ بناء الأسرة وتكوينها وهي التي ترتكز عليها أسس الأخلاق والتربية التي يتلقاها المجتمع.
وأضافت الباحثة: بالرغم من تكريم الله عز وجل ورسوله “صلي الله عليه وسلم” للمرأة، إلا أن البحث يناقش إشكالية أنها فقدت قيمتها مرة أخرى من لدن بعض المجتمعات العربية الإسلامية المتشددة والتي مازالت تنظر لها نظرة وحشية متدينة، وأصبح دورها مختلفا تماما عن دور الرجل، وتم استبعادها فكريا، فدورها الأساسي في الحياة هو الانجاب وتربيه الابناء فقط، وليس لها حقوق تمتلكها وعقلها قاصر، ورأيها باطل..
وتابعت: ومن ثم لا يكادُ يوجد قديماً بين مفكريِ الإسلام وفلاسفته، أحدٌ تكلم برقي وتحضر عن قيمة المرأة حتى جعلها مساويةً للرجل بل فضلها عليه في مواضعَ عدة سوى الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي فالكثير منا ربما لا يعلم مواقفه وأفكاره العظيمة بما يتعلق بالمرأة والتي جعلته متميزاً عن سابقيه بتصوفه الفلسفي، فقد قدّم لنا منهجيةً ذوقيةً مدافعاً عنها بوصفها كائناً إنسانياً وليس أنثى فقط، كما استطاع أن يُعيد للمرأة مكانتها وكرامتها.
كما أشارت الباحثة إلي ان المرأة لاتظهر في حياة ابن عربي مجرد شيء عابر فحسب، بل ذكر في فتوحاته المكية بعض النساء اللاتي لهن أثر في مسيرته الحياتية بداية من والدته، وأخواته، وزوجته، والنساء الصوفيات أيضاً اللاتي أفاد منهن علماً وخلقاً في سيرته الصوفية.
وقد عرفنا أيضا من تجربة ابن عربي مع المرأة ،بأنه عاش حبا روحيا مع فتاه تدعي نظام، فهي كانت الدافع ليكتب ديوانه الشعري “ترجمان الاشواق” الذي بس فيه حبه الروحي.
ووفقا للدراسة فقد أعطي ابن عربي قيمة المرأة ورفعها لمقام الرجل، بل وفضلها عليه في أكثر من موضوع بتأويله للنصوص الدينية كالقرآن والسنة، في كتابه “فصوص الحكم” وبالأخص فص حكمة فردية في كلمة محمدية عندما تحدث عن المرأة بحكم كينونتها مساويةً للرجل في الإنسانية بالرغم من اختلافهما في الدرجة “والتي ينبغي فهما بأولية الرجل في الوجود فحسب، أما الذكورة والأنوثة عارضان، ومن ثم فكرة الأنوثة لديه مفادها أن الشيء لا يعرف إلا بنقيضه، ويترتب على ذلك أن الوعي بالذكورة لا يقوم إلا بمشاهدة الأنوثة.
وأخير اعطي ابن عربي للمرأة الحق في الولاية الروحية والتي تختلف عن الولاية الخاصة بالنبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه عن طريق الأدوار التي أدتها داخل الطريق الصوفي، وأصبحت مقصدا للاستفادة الروحية، ليصل الأمر بناء الأضرحة التي شيدت لتخليد ذكراها المقدسة وإقامة بعض الطقوس والممارسات للتبرك والشفاعة بها، وبهذا أعاد سلطان للمرأة قيمتها ،ومن حقها أن تنال الصفات والمراتب التي ينالها الرجل حتى في الولاية الصوفية.
• وجاءت أهم النتائج التي توصلت إليه الدراسة بعد رحلة طويلة مع ابن عربي علي النحو التالي:
أولاً: كانت دعوة ابن عربي ظاهرة جداً في هذا البحث الصوفي إلى المساواة بين الرجل والمرأة، انعكس ذلك على مبدأ وحدة الوجود باعتبار الإنسانية واحدة والفصل بينهما عارض في الدرجة والتكليف.
ثانياً: المرأة في عرفان ابن عربي لها مكانة متميزة باعتبارها رمز للجوهر الأنثوي في الوجود، فأختصها الله وحدها برحمها الولود الذي ينجب أفراد البشرية وأصبحت خليفة الله في الأرض في استمرار الحياة وإعمار الكون.
ثالثاً: انفرد الشيخ الأكبر عن غيره من فلاسفة التصوف بمحاولته الكشف عن قيمة المرأة باستعماله صيغة تاء التأنيث في أصل الخلق، فالذات الإلهية والصفات والعلة مؤنثة، وبالتالي أصبح الرجل بين مؤنثين تأنيث ذات الحق التي ظهر عنها وبين امرأة صدرت عنه، وأيضا بين تصوره الصوفي عن أهمية التأنيث في الحديث النبوي عندما تقديم النساء على الطيب والصلاة، لذا المرأة هي الأنوثة السارية في العالم.
رابعاً: المرأة في عرفان ابن عربي هي الأنوثة السارية في الوجود والقابل لتأثيرات الفعل الإلهي الإيجادي فيه لأنها محل الإلقاء والتكوين، كما انها واسطة الرجل إلى عبوديته وسبيله لمعرفة ربه بمحبتها التي هي أصل العلاقة بين الله والرجل والمرأة.
خامساً: شهد سلطان العارفين بالكمال الروحي للمرأة كما هو الحال عند الرجل باستطاعتها الوصول إلى مراتب الولاية الروحية وبالترقي في مراتب الطريق الصوفي وذلك استناداً لحديث الرسول عن استشهاده للكمال النسائي وايضاً لشهود الحق فيهن أتم وأكمل.
سادساً: تبدو أذواق ابن عربي ظاهرة جداً في رموزه وإشاراته خلال أشعاره الأمر الذي يؤكد علاقة الشعر بالتصوف، والتجربة الصوفية بالتجربة الأدبية الشعرية، فلكل متصوف له تجربته الصوفيةِ التي ينزع إليها وفق تملكه إياها واتصافه بها كذلك الشاعر له طبيعتهِ الفنية التي لا غنى عنها. فالصوفي والشاعر يمتلكان قلبٌ ممتلئ بقوة تجربته فيما يقول أو يفعل.
سابعاً: رمز الشيخ الأكبر للمرأة بالجمال ، فمحبة النساء جزء من المحبة الإلهية، ورمز من رموز تعينات الجمال الإلهي، باعتبار حب المرأة الإنسان لله لا يتحقق إلا في الحب الروحي، وبالتالي حب الرجل لها عين حبه لله وعشق إلهي وإرث نبوي، فكان حبه للمرأة يعد نقطة ارتكاز لفكره وخاصة في نظريته في الحبِ الإلهي.
وكل هذا يدركه فقط من تذوق آثار ابن عربي الفكرية ومصنفاتهِ الفلسفية ذات الأثر العميق في الحياةِ الروحية في الإسلام على التعميم.