لم أصدق ماذكره لي أحد الشعراء الأصدقاء من إحدى محافظات الصعيد عن الحالة الصعبة والمرعبة التي وصل إليها شاعرصديق من نفس المحافظة.
مرعب فعلا ماسمعته .. مرعب ومحزن وقاس.. شاعر يبحث عن قوته في أكوام القمامة التي يقوم بجمعها لإعادة تدويرها..باع مكتبته بالكيلو، وهام على وجهه في شوارع مدينته بعد أن أعيته الحيلة،وهزمه الفقر والمرض ،وانهار نفسيا.
أعرف هذا الشاعر طبعا منذ ثلاثين عاما، أعرفه فقيرا ومكافحا ومتعففا، واعذروني إن أنا حجبت اسمه ، له أسرة وأولاد وابنة في الجامعة، ولايصح أن أسبب لهم حرجا أمام أهل مدينتهم الصغيرة.
وبدون الدخول في تفاصيل فقد كان هذا الشاعر يعمل في التربية والتعليم وأحيل للتقاعد بعد بلوغه السن القانونية، وكلنا يدرك طبعا أن المعاش الضئيل الذي يحصل عليه لايكفيه وأسرته أسبوعا واحدا، فضلا عن أن فرصة العمل الوحيدة المتاحة له في مدينته هي جمع القمامة لإعادة تدويرها.. الورق والبلاستيك وكده.. وهي مهنة ، فضلا عن أنها لاتليق بشاعر، لاتجلب له أكثر من عشرين ثلاثين جنيها في اليوم.. هل هذا يصح؟
إنها مأساة حقيقية يتعرض لها هذا الشاعر البسيط الذي لم يجد من يساعده أو يتبنى قضيته ويسعى لدى أي جهة للوقوف إلى جانبه، وحتى عندما حاول أحدهم وأرسل مقالا إلى إحدى الصحف الثقافية يتناول فيه مأساته، رفض رئيس تحريرها نشره بحجة أنه يتعارض مع معايير النشر، لاأدري عن أية معايير يتحدث الرجل، ولاأدري من علمه إياها؟ ألا يعرف أن هناك معايير إنسانية؟ كان يمكنه أن يحذف اسم الشاعر صاحب المأساة وينشر المقال،وحتى إذا لم ينشره لأن أحدا أوهمه بهذا الاختراع الذي يخص مايسمى بالمعايير، كان يمكنه، لو رق قلبه يعني،أن يرسله لوزيرة الثقافة ويطلب منها التدخل لانقاذ الشاعر، وأثق أنها كانت ستبادربالوقوف إلى جانبه ، لكنه اكتفى برفض نشر المقال وليذهب الشاعر والشعراء جيعا إلى الجحيم.. كيف طاوعه قلبه ومعاييره؟
المأساة لاتخص هذا الشاعر وحده بل تخصنا جميعا، وتسيئ إلينا جميعا، ويمكن لأي منا أن يتعرض لها، لاقدر الله، وبالتالي، وبدون الدخول في أي موضوعات إنشائية، أو اللجوء إلى صياغات لغوية معتبرة، أطالب وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني بالوقوف إلى جانبه، وحصوله على منحة تفرغ استثنائية، ويمكن لهيئة الكتاب أن تنشر له ديوانا أو كتابا،كما أطالب اتحاد الكتاب- لاأعرف إذا كان عضوا فيه أم أنه لم ينل هذا الشرف الرفيع- بالعمل فورا على علاجه وإدخاله إحدى المصحات لأنه في حاجة إلى علاج ورعاية بشكل لايقبل التأجيل.
أنا حزين أن أكتب هذه المناشدات.. ولله الأمر من قبل ومن بعد!