بقلم : طارق أبوالوفا
منذ ولادة العلوم الإنسانية، رأينا علماء الاجتماع يتحدثون عن الحقوق، أما المشرعون فيصنعون القوانين، وهذا هو التقسيم الطبيعي لاستغلال كل الخبرات في مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الانسان، وهو كذلك، تجسيد للحلم بمجتمع واضح تمامًا يتسم بالشفافية، ويخضع لقواعد واضحة ومحددة. غير أنه، وبنظرة أكثر عمقًا، يتأكد لنا أهمية هذه العلاقة الواضحة والمتفاعلة بين القانون والمجتمع، فالمجتمع هو الذي يسند القانون ويجعله مطاعًا بين الناس، والقانون هو الذي ينظم قواعد السلوك والأخلاق في المجتمع، إذ يمنحها الشرعية والعقلانية وصفة الطاعة والإلزام، بحيث يكون القانون قادرًا على إدارة شئون الدولة والمجتمع وتصريف أمور الأفراد على اختلاف الشرائح الاجتماعية التي ينحدرون منها. وهكذا يبدو أن طبيعة الأشياء تجعل من التشريع المنفذ الرئيسي لعلم الاجتماع القانوني، كما يمكن أن يَأخذ علم الاجتماع التطبيقي ـــــ المطبق على التشريع ـــــ اسم علم الاجتماع التشريعي.
وإذا كان الاهتمام بالسعادة قد أخذ حظه بداية من خلال علم الاجتماع، وكان التشريع ـــــ كما ذكرنا ــــ هو المنفذ الرئيسي لعلم الاجتماع، فقد تدخل المشرع في العديد من الدول ليفتح للسعادة بابًا تلج منه الى الدراسات القانونية، حتى أصبحت صرخة سان جاست (Saint-Just) في عام 1793 بتعبيره الشهير بأن ” السعادة فكرة جديدة في أوروبا”، شيئًا من الماضي، لأن السعادة ــــ وبعد مرور قرنين على هذه المقولة ــــ لم تعد فكرة ولم تعد جديدة، لكن يبقى السؤال: هل أصبحت بالفعل حقا؟
في الحقيقة، لقد سبق صرخة سان جاست وصاحبها وأعقبها إعلانات ودساتير تناولت بين نصوصها وللمرة الأولى النص على السعادة، بل وكان أسبق هذه النصوص ظهورًا ـــــ إعلان الاستقلال الأمريكي ـــــ أكثرها وضوحا في نصه عليها ضمن طائفة الحقوق، ليس هذا وفقط، وإنما أوردها ضمن الحقوق الشخصية غير القابلة للتصرف، ثم تعاقبت الدساتير بعد ذلك في إدخالها لهذا المصطلح الجديد، وإن كانت نصوصها وفلسفاتها قد تباينت في نصها عليها من حيث فرديتها أو جماعيتها، ومن حيث كونها حقًا أم غاية وهدفًا، بل وتباينت النصوص التي جعلتها حقًا، بين من ربط الحق فقط بفكرة إتاحة الفرصة والظروف الملائمة للساعين للوصول اليها، وبين من جعلها حقًا في ذاتها يجب على الدولة أن تقوم بتحقيقه وتلتزم بذلك، وكل ذلك يرجع بلا شك إلى الأيديولوجيات والظروف التي أحاطت بالفترة الزمنية التي وضعت فيها هذه النصوص.
وأيًا ما كان الأمر، فقد مثلت هذه النصوص البذرة والأساس الذي جعل دراسة السعادة من قبل القانونين ــــ وتحديدًا من زاوية كونها أحد حقوق الانسان ــــ أمرًا مشروعًا، وبابًا مفتوحًا يلج من خلاله الباحث القانوني، في محاولة لتحليل مصادرها القانونية التي وردت فيها ضمن نصوص الإعلانات والدساتير، غير أن الأمر لا يكتمل إلا بتحليل وبيان طبيعة هذه السعادة الواردة في طيات هذه النصوص…. يستكمل