✍️أحمد رفاعي آدم (أديب وروائي)
منذ أسبوعين تقريباً تعرض اللاعب البرازيلى فينيسيوس جونيور والذي يلعب في صفوف نادي ريال مدريد الأسباني لهتافات عنصرية شرسة من قِبَل جماهير نادي فالنسيا أثناء المباراة التي جمعت الفريقين في الدوري. ولك أن تتخيل قساوة الموقف وأنت ترى بأم عينيك آلاف الأشخاص يهتفون ضدك ويصفونك بالقرد.
لقد كان مشهداً عنصرياً بامتياز إن دلَّ فإنما يدل على قلوب تحجرت وجفَّت منابع الرحمة والعقلانية فيها.
ولتطرح سؤالنا؛ لماذا تنتشر العنصرية بالذات في أوروبا وأمريكا؟ وأين تكمن جذور تلك العنصرية المقيتة؟! ببساطة الإجابة على السؤالين واحدة!
بنظرة متفحصة لتاريخ أوروبا السياسي والعلمي نكتشف أن مَولِدَ العنصرية صاحبَ فترة التوسعات الإمبريالية الأوروبية والأمريكية في أفريقيا وأستراليا والأمريكتين أي تقريباً في القرن التاسع عشر.
إن تاريخ الأفكار البيولوجية الأوروبية حول العِرق طويل ومعقد ولكن يمكن بسهولة إدراك أنه في بداية القرن التاسع عشر انتشرت أفكار وراثية أو عنصرية جديدة في أوروبا وذلك -للأسف- مع ظهور علم التشريح المقارن، الذي قدَّم أدلة على وجود اختلافات جسدية مفترضة بين الجماعات البشرية.
وقد أخبر القرآن الكريم بتنوع البشر في محكم تنزيله وعرَّف فضل ذلك ونفعه في تعارف البشر وتعاونهم وإكمال بعضهم بعضاً، حيث قال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة الحجرات:13]. فالحكمة من خلق الناس شعوباً وأجناساً تظهر في تعارفهم وتكاملهم وتراحمهم حيث يكون اختلافهم رحمة ،بينما على الجانب الآخر حاول علماء البيولوجيا والأنثروبولوجيا الأوروبيون إثبات أن هذا الإجراء يمكن استخدامه لترتيب الأجناس البشرية في تسلسل هرمي مع وجود السكان الأصليين الأستراليين والأفارقة وغيرهم من الشعوب الأصلية في الأراضي الواقعة تحت السيطرة الإمبريالية الأوروبية في القاع، والأوروبيين أنفسهم -على نحو غير مستغرب- في القمة!
وقد بلغ التطرف الأوروبي وقتها عند بعض علمائهم درجةً خطيرة حين اعتبروا الأعراق الأدنى أقرب إلى القردة من تلك الأعلى. وهذا بيت القصيد؛ عرفتم الآن لماذا هتفت جماهير فالنسيا ضد اللاعب البرازيلى (الأسمر) ووصفوه بالقرد؟ إنها العقدة الأوروبية القديمة التي ترى أنهم الجنس الأرقى ومن غيرهم يقبع في القاع.
ونحن لسنا في حاجة لنؤكد أن أمثال تلك الحجج البيولوجية على عِلَّتها كانت ولا زالت ذريعة للعنصرية، كما أنها تؤيد كافة أنواع الحجج السياسية بما في ذلك الاستعمار وتبرير امتلاك العبيد والتدخل في الشئون الداخلية لبعض الدول!..وللحديث بقية.