بدأت اليوم امتحانات الثانوية العامة، أوقل ، وعلى سبيل الدقة، مأساة الثانوية العامة، قبل أسبوع علمت أن لي ابنة في ثالثة ثانوي، كنت أظنها في الصف الثالث الإعدادي نظرا لحجمها الصغير، وسهرها حتى الفجر أمام التليفزيون لمشاهدة المسلسلات الهندية، لكني لاحظت أن زوجتي أعلنت حالة الطوارئ في البيت، سألت ماالذي حدث ؟ قالوا عشان مريم عندها امتحانات ثانوية عامة.. قلت أمورتي الحلوة بقت طعمة ولها سحرجديد!
أنا أساسًا ليس لي في مسألة التعليم ،المصري تحديدا، اعتبرها نوعا من الهرتلة، قناعاتي أن مصر ليس بها تعليم يعتد به، ولو كان الأمر أمري لاكتفيت بتعليم أولادي القراءة والكتابة، مع لغة أجنبية وشوية كمبيوتر، أو حتى تعليمهم الخياطة وشغل الكانفاة،وقلت لهم الله معكم.. شقوا طريقكم.
المهم أنني، ورغما عني، اصطحبت ابنتي إلى المدرسة لتؤدي الامتحان، مدرستها أساسا في سكتي إلى الجريدة، قلت أدعمها نفسيا وأمري لله، عندها امتحان دين وتربية قومية، ورغم ذلك كانت البنت وأمها وشقيقاتها في غاية التوتر ولم ينمن منذ ستة أيام لانشغالهن بتلخيص المادتين اللتين لايتم إضافتهما للمجموع أصلا.
أمام المدرسة التمست العذر لأسرتي الصغيرة، واكتشفت أننا أسرة مخها طاقق ولاتهتم بأولادها بالشكل المطلوب، تأكدت أن مافعلته أسرتي لايساوي شيئا أمام ماتفعله الأسر الأخرى، كل بنت جاية وساحبة عائلتها كلها وراءها، أمهات يزغردن،وأمهات يبكين بحرقة، وأمهات يرددن في وداع البنات: لاإله إلا الله محمد رسول الله.. سألت هل قامت الحرب فعلا ؟
شاهدت أيضا أمهات يحاولن تسلق سور المدرسة لإلقاء النظرة الأخيرة على بناتهن، وأفراد أمن يحاولون منعهن، حتى إن إحداهن أصيبت بإغماء من كثرة الشد والجذب والعياط، وطلبوا لها الإسعاف، وقبل وصول سيارة الإسعاف كانت أخرى قد سقطت من فوق السور فعلا،والغريب أنها سقطت فوق واحدة تالتة كانت تستعد للتسلق.. قلت رزق الإسعاف.. سبحان الله ياأخي.
ومن حوادث تسلق السور أن سيدة رشيقة وصلت إلى القمة بسرعة تاركة أولادها وزوجها يحاولون دون جدوى، بل ورفضت مساعدتهم ،الأمر الذي جعل الزوج يطلقها مدوية: روحي وانتي طالق!
استحق هذا المشهد السريالي أن أبقى قليلا، بقيت وتابعت ورميت ودني تجاه تجمع من حوالي عشرين سيدة، فوجئت بأنهن صديقات ومحترفات وقوف على أبواب المدارس انتظارا لبناتهن، كل منهن تعرف الأخرى جيدا، وكل منهن جاءت ببعض المأكولات لعمل إفطار جماعي على مقهى أم أشرف خلف المدرسة انتظارا لانتهاء اللجنة.
روت إحداهن كيف جاءت إلى المدرسة منذ السادسة صباحا، أقسمت أنها نزلت من الدور الثاني عشر على قدميها هي وابنتها وابنة خالتها وأم مينا البوابة، سألتها أخري: ليه الأسانسير كان عطلان؟ قالت لأ.. بس أضمن منين إن الكهربا ماتقطعش أو إن الأسانسير مايعطلش.. لازم أعمل حساب كل حاجة..طيب ليه الساعة ستة الصبح وموعد الامتحان تسعة؟ قالت برضو عشان أبقى في المضمون.. إشارة مرور تعطلني.. لجنة بتفتش الستات.. حادثة في الشارع قافلة الدنيا.. ثم إن البنت لازم تعيش الأجواء من بدري بدري.
ودارت أيضا بين السيدات محادثات حول طريقة التعامل مع مايسمى البابل شيت، وكيفية كتابة رقم الجلوس، والحلول التي يمكن اللجوء إليها لو ظللت البنت على حاجة ثم اكتشفت أنها خطأ. والغريب أن السيدات لم يجمعن على رأي واحد.. تعددت الآراء واشتدت الخلافات بينهن.. حتى إن إحداهن شدت أخرى من شعرها وطرحتها أرضا وسط الشارع.. ولم تملك ثالثة إلا أن ترقع بالصوت..وساعتها قررت الهروب حتى لاأتهم بالتحرش.
نداء عاجل إلى كتاب الكوميديا: أمامكم كنوز من الإبداع على أبواب المدارس.. اغتنموا الفرصة وأمتعونا الله يلعنكم.