محمد أبو العلا السلامونى كاتب و مفكر مسرحي كبير من حيث القيمة العالية كأحد رموز الكتابة المسرحية في جيل السبعينيات، له رؤية تميزه عن غيره من الكتاب حين يؤمن بقضية يظل يدافع عنها حتى الرمق الأخير، و ما كان دفاعه عن مطبوعة مجلة المسرح حتى لفظ روحه إلا نموذجا لأسلوب حياته فى الكتابة المسرحية و الدرامية، لم يكن أبو العلا السلامونى يكتفى بعمل واحد ليعبر عن قضيته لكنه كان يظل وراء تلك القضية حتى تصل بالطريقة و الكيفية التى تشبعه و تقنعه و تسعده فى النهاية، و ما كانت مسرحية “هكذا تكلم داعش” إلا واحدة من النماذج المسرحية التى كتبها السلاموني ليعبر عن قضية إرهاب الجماعات التى توهم الناس بتدينها الزائف و تلصق بنفسها لقب الإسلام و هو منها بالطبع براء، يريد السلاموني منذ العنوان أن يخبرنا بلغة الخطاب الداعشي، لغة الخطاب الكاشفة عن طريق القول ثم الفعل المؤسس عليه في النهاية، لغة الإرهاب الذى يضرب أوصال الدول المستقرة و يحولها إلى جماعات متشرذمة لا دور لها فى النهاية إلا إضعاف الدول العربية و الاسلامية نفسها، تلك الدول التى يجب أن تقف في وجه المستعمر و المغتصب للأرض العربية و المقدسات الاسلامية و المسيحية في فلسطين، و المضحك المبكي أن تلك القضية لم تعد تمثل شيئا في ضمائرهم بل سكنت الهامش منذ ظهرت داعش و أخواتها في المنطقة العربية.
و مسرحية “هكذا تكلم داعش” واحدة من الأعمال المسرحية المهمة التى تكشف حقيقة تنظيم داعش، تدور المسرحية حول مناقشة الفكر الذى أوصل العالم العربي والإسلامى لحالته الحالية من السوء،وخاصة الفكر الداعشي المنحرف عن صحيح الإسلام السمح، هذا الفكر الذى شوه الصورة الصحيحة له،وذلك من خلال الرؤى المتطرفة والمنحرفة التى زرعت بذور الإرهاب فى العالم الإسلامي و بعض الدول العربية بعد أن غسلت بعضا من أفكار الشباب فى الكثير من العالم،ترصد المسرحية أصول هذا الفكر ومناقشته جيدا بمنطق يثير الدهشة و يجعل القارئ يقف ضده من خلال أحداث وشخصيات المسرحية المكتوبة بشكل جيد جدا و بحرفية و متعة رجل مسرحي من طراز فريد يعرف أبعاد الكتابة و أبعاد الخشبة جيدا، أستاذ قدير يعرف ما يجب أن يقدم و ما يجب أن يحذف .
تدور مسرحية” هكذا تكلم داعش” حول الخليفة الداعشي الذى يخطف أحد أصدقائه المسرحيين(ماجد) و زوجته الممثلة المسرحية (قصواء) وذلك بحجة أن يقوم صديقه بإخراج عمل مسرحى يعبر عن الدول الإسلامية فى العراق والشام،وكان هدف الخليفة الذى كان مهتما بالمسرح قبل ذلك أن يستعيد حبه القديم من قصواء التى فضلت عليه ماجد وتزوجته،ويرفضان-ماجد وقصواء- فى البداية و لكنهما يجاريانه لكشف وفضح زيف هذه الأفكار،يبدأ الكاتب من خلال المشاهد فى مناقشة وفضح فكر الخليفة من خلال حواره معه ومع شخصية الشيطان التى شابهت شخصية شيطان فاوست، فتكشف زيف فكر المخدر الداعشى الذى أعتمد على الهوس الجنسي للشباب، هذا الهوس الذى يمنيهم بسبعين من الحور العين بعد الموت ليسهل عليهم قتل النفس مقابل وهم يزرعونه فى داخل نفوس و عقول هؤلاء الشباب،و ذلك بعد مقابلة فتيات جميلات جدا مثل عيناء التى تمثل حور العين فى الدنيا،وبعد ذلك يرمى الخليفة الداعشي الجميلة عيناء فى طريق ماجد لكى يفسد العلاقة بينه و بين زوجته قصواء، وتفلح-عيناء- فى البداية ولكنهما يهربان فى النهاية معا بعد أن تراجع نفسها و بحجة تفجير مسرح كبير فى مصر على أمل أن يترك الخليفة قصواء، لكنهما يواجهان تهمة ازدراء الأديان فى مصر لأنهما قدما عرضا مسرحيا فى الأوبرا أكد على أن ماجد سيختار قصواء و عيناء سوف تختار حبيبها مازن ولن يختارا الحور العين. ويهربان ثانية للعراق ويقبض عليهما البغدادى، وتقام محاكمة للثلاثة ويحكم عليهم بالموت إلا إذا وافقت قصواء أن تتزوج الخليفة لمدة يوم واحد،وترفض قصواء وتفضل الموت وكذلك ماجد وعيناء.
استطاع الكاتب محمد أبو العلا السلاموني أن يقيم صراعا دائما بين الخليفة و الشيطان فى جهة و ماجد و قصواء فى جهة أخرى، استطاع أن ينقل الصراع من جهة لأخرى،كما حدث أن انتقلت عيناء من معسكر الخليفة لمعسكر ماجد، فأقام صراعا داخليا بين قصواء ونفسها وماجد حين استطاعت عيناء أن تسيطر على ماجد،وكاد أن يصبح داعشيا.
استطاع هذا الصراع فى المسرحية بين الشخصيات أن يقدم بوضوح الصراع الفكرى الذى تناولته المسرحية خلال مشاهدها، فجاءت الشخصيات واضحة المعالم،مبنية بشكل جيد جدا،من لحم و دم كما يقولون،وتميزت شخصية قصواء بقوة كبيرة استطاعت أن تقهر الخليفة الذى اتخذ من المرأة سلاحا قويا لتجنيد الشباب من كل مكان فى العالم، فيستخدم الكاتب السلاح نفسه لقهره.
وتميزت المسرحية بحوارات متدفقة نابضة بالحياة تعبر عن الصراع وتنقله دراميا دون تطويل رغم طول بعضها على لسان بعض الشخصيات فى بعض مواضع ولكن ذلك كان لضرورة فنية و درامية.
واستطاع الكاتب محمد أبو العلا السلاموني أن ينتقل بنا عبر التاريخ لعرض مواقف يراها تؤسس للفكر الداعشى منذ الفتنة الكبرى ومرورا بالدولة الأموية والعباسية ، و وقوفا عند الحشاشين فى المنطقة نفسها ومناقشة أفكار الصباح الإرهابية و استخدام الحشيش و غسل رؤوس الشباب بفكرة الحور العين بعد شرب المخدر، ثم يقف الكاتب كثيرا عند اللحظة الحاضرة التى هى أساس العمل.
و برحيل السلاموني نفقد في مصر و العالم العربي أحد أهم كتابنا المسرحيين الكبار الذين ساهموا و شكلوا وعيا مسرحيا مختلف، أشعر بالفخر أنني أحد المنتمين لتلك المدرسة التى كان الرجل أخر مشايخها؛ هذه المدرسة التى تأخذ من القضية سندا و زادا أساسيا في أعمالها و تعرف أن للمسرح كلمة يجب أن تقال، لا شك أننا اليوم نفقد شيخنا الكبير في مصر فى تلك المدرسة دون ولي واضح للعهد و أعتقد أننا سننتظر طويلا حتى يأتي شيخ جديد في ظل تلك المعطيات الجديدة التى تتحسس رأسها و تنفخ طويلا في الزبادي و تحدق كثيرا في الفراغ .