بقلم :✍️ د. محمد يحيى بحيري
(مدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة مدينة السادات بالمنوفية)
أذكر جيدا كيف اعجبني هذا الكتاب الذي صدر من حوالي عشرين عاما و الذي يحمل عنوان “أعلام منسيون” للكاتب الكبير الاستاذ سامح كريم.
و لاتزال مقدمة هذا الكتاب ترن في أذني عن ظاهرة الأعلام المنسيين في حياتنا و كيف تندثر في صمت سير كثير من هؤلاء الاعلام وكيف يضيع في زحمة الحياة تاريخ كثير من هذه النماذج الوطنية التي كان لها بصمة كبيرة وانجازات مهمة في شتى النواحى الادبية والعلمية والاقتصادية وغيرها.
ويعود هذا السؤال يلح علي من الحين للآخر، وتتجدد المواقف التي تجعلنا نتسائل إلى متى سوف تستمر هذه الظاهرة في حياتنا الأدبية والعلمية ..ظاهرة الاعلام المنسيين.
فما أكثر ما يسمع الواحد منا عن عظماء ورواد كانت لهم انجازات عظيمة في شتى المجالات، و عندما يود ان يستزيد و يعرف أكثر عنهم وعن حياتهم وانجازاتهم يفاجأ أن كل ما تبقى عنهم هي بعض الاحاديث المتناثرة هنا وهناك وبعض الحكاوي والروايات التي افقدها الزمن والاهمال الكثير والكثير.
إن تاريخ كل مؤسسة ناجحة يحمل بين ثناياه قصصا لكثير من الاعلام و العظماء الذين مهدوا الطريق لمن جاء بعدهم وبذلوا وقتهم وحياتهم من أجل بناء هذه الصروح الثقافية او التعليمية او الاقتصادية او غيرها ،وكذلك في كل ميدان من ميادين الادب و الفكر والعلم هناك الكثير من اصحاب العقول الفذة الذين قدحوا اذهانهم و قدموا انتاجا ادبيا، أو علميا ضخما لا نزال نبني عليه ونستفيد منه حتى الآن.
إن سير هؤلاء الاعلام تحوي الكثير و الكثير من التجارب الناجحة والخبرات الهائلة والدروس المستفادة في الجوانب المهنية والحياتية و التربوية.
والمتأمل فيها يجد كنوزا لا تنتهي من التجارب النابعة من الماضي القريب الذي لا يزال ماثلا وراسخا في الواقع المُعاش الحالي ، إلى جانب ذلك، فإن توثيق حياة وسير هؤلاء الا
أعلام فيه قدر كبير من التكريم لهم وفيه رسالة شكر وعرفان ، فكأن هذه السير الموثقة شهادة تقدير واعتزاز بإنجازاتهم و بعطائهم المتفاني ،وهي في ذات الوقت رسالة للاجيال الجديدة بأن النابه والمجد والمجتهد سيظل عطاؤه محل تقدير وتوثيق و تكريم بينما اللاعب اللاهي، أو الباحث عن المصلحة الذاتية فلا يلوم إلا نفسه على الانزواء في دائرة النسيان.
إن هذا التوثيق لحياة الأعلام ليس غريبا ولا جديدا، فتراثنا العربي قد أعطى زخما كبيرا لأدب التراجم وادب سير الاعلام، كما كانت كتب التاريخ العربي ملأى دوما بتاريخ الأعلام فى شتى الجوانب العلمية والادبية والاقتصادية وغيرها ،ونجد كذلك في الثقافة الغربية اهتماما بالغ الاهمية بسير المعاصرين في شتى المجالات.
إن حل هذه الظاهرة متشعب وعميق يحتاج لجهود الخبراء وعلماء التاريخ ،وبداية الحل تكمن في الاهتمام بكتابة السير الذاتية من جميع النابهين والمتميزين وبالاهتمام المتزايد بأدب التراجم في رسائل الماجستير والدكتوراة في مجال التاريخ المعاصر و كذلك بتزايد الاعمال الفنية والإعلامية المختلفة التي تحكي وتوثق سير الأعلام المعاصرين.
و ختاما، ففي كل مجال من المجالات يوجد الكثيرين من الأعلام المخلصين الذين قدموا الكثير للوطن ومن حقهم علينا ان يكونوا على الدوام في قلب الذاكرة و على الألسنة وأن يكونوا دوما الأعلام الحاضرين الباقيين وليسوا ابدا الأعلام المنسيين.