ليس معلوما بالتأكيد اسم صاحب القصيدة اليتيمة. بعضهم ينسبها إلى دوقلة المنبجي، والبعض الآخر ينسبها إلى غيره.
أما حكاية القصيدة فتعود إلى أن إحدى أميرات نجد وتدعى “دعد” اشترطت في من يرغب الزواج بها أن يكون شاعرا مفوها، ويكتب فيها قصيدة لم يكتب مثلها أحد من قبل، وتوافد الشعراء إلى بلاط والدها ينشدون فيها قصائدهم طمعا في الزواج بها وتولي حكم الإمارة النجدية.
وتقول الرواية إن شاعرًا مغمورا يدعى دوقلة المنبجي كتب هذه القصيدة التي لم يكتب غيرها أو لم يعرف له شعر غيرها، ولذلك سميت بالقصيدة اليتيمة، وفي طريقه إلى نجد التقى أعرابيا عرف قصته فسرق منه القصيدة وقتله، وعندما ذهب اللص القاتل إلى دعد وألقاها اكتشفت زيفه وطالبت بقتله باعتباره- كما قالت- قاتل زوجها.
في نصه المسرحي” باب عشق” لم ينشغل الكاتب إبراهيم الحسيني بالنقاش الدائر حول القصيدة ونسبتها، هو التقط الحكاية وسلم بأن كاتبها هو دوقلة المنبجي، وصاغ نصًا يتجاوز فكرة الجدل حول نسبة القصيدة، مهتما بطرح قضية الصراع على السلطة، وطارحا أسئلته حول إمكانية استبدال باب العشق بباب السيف، وماذا لو حكم الشعراء العاشقون العالم.
لم تكن هناك إجابات حاسمة بالطبع، فكاتب القصيدة لم ينل مراده وقتل قبل لقاء أميرته، وإن كانت الأميرة قد علقت فكرة الزواج وأعلنت نفسها ملكة بعد وفاة أبيها، منتظرة أن يتحقق حلمها ذات يوم، تاركة باب العشق موصدا لعل أحدهم يجتازه يوما ما.
الملاحظ أن الكاتب لم يتعامل مع الشعراء باعتبارهم منقذي العالم، فهم – كما جاء بالنص- ليسوا أنبياء، وهم كذلك، أو كثير منهم، طامحون إلى السلطة وساعون إليها، وإن ميزهم عن غيرهم أنهم حالمون.
بعيدا من ذلك فإن النص يبحث عن الحياة التي نحلم بأن نعيشها. الحياة التي نتخلص فيها من الساسة وألاعيبهم ومؤامراتهم وأطماعهم، ونستبدل بهم من يملكون القدرة على الحلم وإعادة صياغة العالم وفق تصور شاعري يوجهه القلب أكثر.وإن كان ذلك حلما بعيد المنال سنظل نطارده إلى أن تقوم الساعة.
إذًن فإن استدعاء قصة قديمة، له مايبرره، هنا والآن، فهي صرخة مبطنة ضد عالم تمزقه الصراعات والحروب، وتجعل من إنسانه مجرد ترس في آلة الحرب، مستنزفة قواه الروحية والنفسية، سواء جاءت الحروب في شكل تقليدي، أو في أية أشكال أخرى لم تعجز عقول مشعلوها عن اختراعها، فماذا لو وضعوا هذه الآلة جانبًا وتركوا أمر العالم لأصحاب الخيال وأنقياء الروح؟
هذا النص صاغه مسرحيا المخرج حسن الوزير، ويقدمه ، حاليا،على مسرح الطليعة بالقاهرة مازجا فيه بين التمثيل والغناء والرقص ليمرر رسالته الإنسانية بسهولة، بخاصة أنه يقدم بالفصحى، وإن جاءت اللغة بسيطة وسلسلة، واتسم العرض ببعض اللمحات الكوميدية العابرة والتي كانت في محلها، وهو مايشير إلى خبرة المخرج صاحب التجارب المسرحية اللافتة، تلك الخبرة التي مكنته من تقديم نص يتناول فكرة عميقة بشكل بسيط يتفاعل معه الجمهور ، على اختلاف خبراته، ولايتسرب إليه الشعور بالملل إلا قليلا.
ربما لو لجأ المخرج إلى التقليل من فترات الإعتام لنجا العرض من مزلق خطير وقع فيه، فكل هذه الإعتامات، عند تغيير المشاهد، تضرب الإيقاع في مقتل، نعم هي جاءت سريعة وخاطفة ولكن هناك حلولا إخراجية، بالتعاون مع مصممي الديكور والإضاءة والميكانيست، كان يمكن من خلالها الانتقال من هذا المشهد إلى ذاك بسلاسة أكثر دون الاضطرار إلى الإعتام.
الإعتام في حد ذاته ليس عيبا إذا كان ذي دلالة، أما كونه يستخدم فقط كقاعدة لتغيير المشاهد فهنا تكمن المشكلة، بخاصة أن مصمم الديكور( فادي فوكيه)لجأ إلى التعبيرية واستخدم الموتيفات بعيدا عن الكتل الكبيرة، ماكان يسهل تحريك الديكور واستبداله بسهولة وأثناء جريان المشهد.
باستثناء هذه الملاحظة، غير الشكلية، اهتم المخرج بفكرة التوازن بين التشخيص والغناء والرقص،والدمج بينها، وخلق مبررا لوجود كل منها، بخاصة أن بعض الأغاني ( أشعار درويش الأسيوطي، ألحان محمد حسني)لم تكن فاعلة في البناء الدرامي وجلبت لذاتها، لكن السياق برر، إلى حد ما، وجودها، كأن يغني دوقلة مثلا، وهو مالم نعرفه عنه. كان المبرر أن من قام بدوره( ماهر محمود)مطرب وملحن بالأساس، لكن ذلك يمكن تمريره باعتباره جزءا من استراتيجية المخرج الهادفة إلى عدم الإثقال على الجمهور، ومحاولة إنعاشه من وقت لآخر، فضلا عن براعة ماهر مطربا وممثلا.
أيضا اهتم المخرج بعنصر الصورة الذي ساهم الديكور في بنائه، فضلا عن رسم حركة الممثلين بدقة واستغلال الخشبة بشكل جيد في توزيعهم.
قدم العرض مجموعة من الممثلين الموهوبين: ماهر محمود ، هالة ياسر، فكري سليم، محمد صلاح، أحمد حسن، إسلام بشبيشي،مي زويد، خالد العيسوي، محمد أمين، محمد جاد، محمد دياب، دينا عوني،محمود جمال، وقامت بالغناء شيماء يسري وهي صوت واع ومدرب بشكل جيد. تصمصم الأزياء مها عبدالرحمن.
اللافت أن مسرح الطليعة تحت قيادة المخرج عادل حسان أصبح علامة خاصة مسجلة، ذلك أن أغلب الاختيارات تأتي بوعي وفهم لطبيعة وتوجهات مسرح” الطليعة” وهو مايتبدى في الحفاوة الجماهيرية والنقدية بأغلب عروضه.