»»
بقلم ✍️ د.خالد محسن
لن يبلغ البناء يوما تمامه، إذا كنت تبني وغيرك يهدم، ولن تكتمل جمال الهوية البصرية الحضارية لأرض الكنانة، إذا كان هناك من يصر علي الاستخفاف بمقدرات ومنجزات الوطن، ولايعبأ بتشويه وتخريب ومحو كل إنجاز وإبداع!..
وقد أثار مشهد تعليق أحد الجزارين بمدينة نصر لذبائح عيد الأضحي على عمود “المونوريل” بمدينة نصر الاشمئزاز والاستهجان بعد نشره بمختلف منصات التواصل.
ورغم تحرك الجهات التنفيذية سريعا لغلق محل الجزارة وتشميعه وتحرير عدة مخالفات قانونية من بينها إشغالات طرق بصورة غير مشروعة وتخريب منشآت عامة، لكن المشهد كان صادما وموجعا وترك علامات استفهام كثيرة حول هذه السلوكيات الشاذة، وغياب الرقابة الصارمة التي تمنع هذا الفعل من الأساس !.
ورب ضارة نافعة، أو قد تكون سببا لتصحيح المسار فمشاهد هذا العدوان البيئي، والتلوث البصري يتكرر بنسخ الكربون بصور أو بأخرى في معظم أرجاء مدن المحروسة، ويتطلب من الأجهزة المعنية وقفات حازمة للحفاظ على مكتسبات الوطن.
هذه الصورة المؤلمة أعادت للأذهان مشهد تشويه وتكسير مقاعد وبلاط “ممشي مصر” العام الماضي بكورنيش النيل وتدمير بعض عناصر تصميمه ووحداته الجمالية الفائقة، تكسير زجاج بعض المحلات التجارية وإتلاف بوابته، وتحطيم معدات الإنارة، واقتلاع الزهور والأعمدة المخصصة لإضفاء طابع جمالي للممشى، والتي أنفقت الدولة علي إنجازه ما يقترب من 700 مليون جنيه في مرحلته الأولي من 15 مايو إلى قصر النيل ومن إمبابة إلى كوبري الساحل، كما أنه من الإنجازات الكبيرة التي حققتها الدولة المصرية لتحسين الصورة والهوية البصرية لإضفاء إطلالة بديعة، مشاهد خلابة على نهر النيل.
وللجريمة صور أخري كما فعل بعض المغرضين من قبل بتشويه متعمد وكتابة وحفر عبارات مسيئة علي كوبري “تحيا مصر” علي جزيرة الوراق، والذي يعد أعرض جسر “ملجم ” علي مستوي العالم !.
كما امتدت الأيادي الآثمة لتشويه بعض ميادين تماثيل رموز وعظماء مصر ، والأمثلة لهذه التجاوزات والأفعال المشينة في وطن المحروسة لا تعد ولا تحصى، كمحاولات تشويه تمثال نجيب محفوظ بميدان سفنكس بالزمالك، وتمثال أحمد شوقي بمنطقة الدقى، وتمثال أحمد عرابي بالشرقية وأم كلثوم بالمنصورة، وأيضا تكسير مقاعد حديقة الأندلس بالإسماعيلية، عدة مرات لمصلحة بعض أصحاب الكافيتريات والمقاهي المواجهة للحديقة، تحت سمع وبصر الأجهزة المحلية بالمدينة، وغيرها من الأمثلة في مختلف أرجاء محافظات مصر.
علي المستوي القانوني اتصور أن بلادنا لديها ما يكفي لمواجهة هذه التشويه اللاحضاري،
لكن هناك ضرورة لمراجعة بعض التشريعات الحالية، وسن المزيد من القوانين التي تغلظ عقوبات هذا التعدي السافر.
وقبل اللوئح والقوانين تبقي قضية إيقاظ الوعي العام وغرس روح الانتماء والولاء هي الفيصل، ويبقي سلوك المواطن، تعزيز ثقافة حماية المرافق وصيانتها هي الركائز الأساسية لحماية مقدرات الوطن ومشروعاته الحضارية، وهي حتمية وطنية لا تقبل الجدل والمزايدة.
وفي تقديري أننا بحاجة لإعادة النظر في كيفية تطوير فكرة التربية الإيجابية عبر روافدها المختلفة، التي تضمن تعزيز قيم الانتماء للوطن والمحافظة على مرافقه ومكتسباته، وثرواته. فالمواطن شريك أصيل في كل أصول الوطن وبنيته التحتية.
وللصورة وجه مشرق لا ينبغي تجاهله، فهناك دعوات ومبادرات مجتمعية وشبابية لتجميل الشوارع وحماية الهوية البصرية. ومن أمثلتها ما دشنه مبادرة حى العجمى فى الإسكندرية قبل عدة أشهر بعنوان “أنا متطوع”، والتى تهدف لمكافحة التلوث البصرى الناتج عن استغلال الحوائط والأسوار فى الإعلانات المخالفة، حيث قام فريق القادة الاجتماعيين من طلاب جامعة الإسكندرية أعضاء وحدة التطوع، بتنفيذ مشروع خدمة عامة، مستهدفين دهان الأسوار والبلدورات ضمن مشروعات وحدة التطوع بالجامعة.
وهناك مقترحات أن يتضمن التدريب الصيفي ومشروعات التخرج لطلبة كليات الفنون الجميلة وكليات الهندسة وكليات الفنون التطبيقية وكليات الزراعة والمدارس الفنية ولجميع التخصصات
برامج تجميل للشوارع والميادين والاسوار وأكشاك الكهرباء بمحافظة شمال سيناء مقابل مصروف يومي أو درجات لأعمال سنة.
كما اقترح بعض المبدعين تغطية الأعمدة الخرسانية للمونرويل ولمعظم المحاور بنقوش الحضارة المصرية قديما وحديثا، مع تركيب
شاشات دائرية 360 درجة، تعرض أفلاما وثائقية وإرشادية وتوجيهيه، ومعين الإبداع الحضاري لن ينضب أبدا.
إن مكافحة التلوث البصري من أهم التحديات البيئية المعاصرة، ولن تتحقق فكرة الصداقة والمواطنة البيئية، والتنمية المستدامة إلا بتكاتف المواطنين والحرص علي تنمية الاتجاهات الإيجابية، والسلوكيات الراشدة لحماية إنجازات الجمهورية الجديدة.