فى عام 2018 سعدت جدا بدعوتى لمهرجان المسرح العربي الذى تقيمه سنويا الهيئة العربية للمسرح فى دولة عربية ، و كانت تلك الدورة بتونس الخضراء مع عدد من المسرحيين المصريين للمشاركة فى فعالياته،إضافة لكونى المحكم المصرى ضمن ثلاثة محكمين من من مصر و المغرب و تونس فى مسابقة التأليف المسرحى لنصوص مسرح الطفل السنوية و التى تقيمها الهيئة العربية و كانت عن الخيال العلمى، و زادت سعادتي أكثر حين علمت أنني سأدير جلسة مهمة عن سلطة المؤلف المسرحي و معارفه ضمن المحور الفكرى للمؤتمر، فهناك أزمة حقيقية تواجه المؤلف المسرحي دون باقي الكتاب فى مصر و العالم العربي.
و ظل يراودني سؤال كبير، لماذا حلم كل كُتّاب مصر فى ستينيات القرن الفائت بالكتابة للمسرح ؟ ما الذى كان يعطيه المسرح من قوة جعلت نجيب محفوظ و يوسف إدريس و صلاح عبد الصبور ،رموز الرواية و القصة القصيرة و الشعر فى مصر يتجهون للكتابة المسرحية وقتها ، فحقق صلاح عبد الصبور التفوق من خلال المسرح الشعري و حاول يوسف إدريس أن يشكل ظاهرة تخص مسرحه ، وصفها بالمسرح المصري رغم التراب الملقى عليها الآن بفعل فاعل، و لم يحقق -فى تصورى- نجيب محفوظ إنجازا يضيف له شيئا أمام مقدرته الروائية الفذة و الكبيرة و العالمية و الحمد لله أنه قد عدل عن تلك الفكرة و إلا ضاعت منا نوبل و ظل يعانى من الصنايعى المفصلاتى / الدرماتورجاتى / المعداتى – سامحنى يا يسرى حسان فى العامية- للنصوص الأجنبية و التى يطلق عليها أنه مؤلفها أو كاتبها مسرحيا و معدها أو الدراما تورجى بتاعها و الغريب أنه لا يعلم أن دراماتورجى بالفرنسية تعنى كاتب مسرحى ؛ و أسماء أخرى ما أنزل الله به من سلطان !!
من هنا كان السؤال الثانى، لماذا تراجعت قوة و تواجد المؤلف المسرحي حتى صار عدم تواجده على لافتات المسرحيات أمرا عاديا و لا يمثل أية تساؤلات أو مخاوف من أحد ، و استبدل وجوده بأسماء أخري، بدلا من – تأليف- إلى ( الدراماتورج، و كتابة مسرحية، و إعداد و إخراج، و رؤية مسرحية ) ترى ما هى الأسباب التى أدت إلي هذا التراجع الذى شارك فيه المسرحيون فى مصر المحروسة و تبعهم بعض المسرحيين العرب كنموذج متكرر فى بعض البلدان العربية ؛ و أرى أن بعض أسباب ذلك تكمن فى الآتى:
1- قلة السلاسل الأدبية التى تنشر النصوص المسرحية و قلة العدد المنشور فيها سنويا .
2- انحسار عدد المسابقات التى تهتم بالنص المسرحى فى مصر و غياب أقواها مثل محمد تيمور للإبداع المسرحى و التى كانت تشرف عليها رشيدة تيمور و الهناجر و هيئة الكتاب ، و قدمت تلك المسابقة عددا من المؤلفين المسرحيين المصريين و العرب على الساحة الآن.
3– تأخر الاعتراف بالمؤلف المسرحى حتي يعرض أعماله على خشبة المسرح و نموذج ذلك نقابة المهن التمثيلية ، فعدد الأعضاء بشعبة التأليف المسرحى قليل بالمقارنة للشعب الأخرى
4- تراجع المسرح الشعري كسلطة قوية للنص المسرحي لأسباب كثيرة ،لدرجة أن جائزة الدولة التشجيعية في مصر لم تجد نصا تمنحه الجائزة عام 2017 و مازال الغياب مستمرا.
5- ارتباط المسرح لدى المشاهد المصرى بفكرة الكوميديا التي تقدس الخروج على النص و ليس الكوميديا التى تبدأ من أسباب الخطأ الكوميدي .
6- بزوغ نجم المخرج/ الدراماتورج لأسباب شخصية أو مادية مرتبطة كثيرا بمكافأة المؤلف إضافة لمكافأته كمخرج حتى- معذرة للعامية الرائعة يا يسرى – تتعشى .
7- دعوة المخرجين فى مسرح الهواة للبعد عن تنفيذ النصوص الجديدة فلا ميزانية للشراء رغم عشرات الآلاف التى تصرف بلا طائل حقيقى ، و عليهم أن يألفوا النصوص التى يريدونها مجانا و جايز تضرب و يبقى مؤلف و مخرج و شاعر و ديكوريست و أشياء أخرى .
8- تراجع و إهمال الدرس الأكاديمي الذى يهتم بالنص المسرحى فى كليات الآداب و فى الأكاديميات الفنية التى تهتم بالمسرح إلا من بعض الأساتذة الذين يؤمنون بأن النص المسرحى أدب يجب دراسته – للحديث بقية هنا تحديدا- فالنص المسرحى واقع بين شعبة الأدب و الفنون يا ولاداه!! فأساتذة الأدب فى كليات الآداب يعتبرونه فنا و على الطالب الذى يريد دراسة المسرح أن يذهب لأكاديمية الفنون حيث يجب دراسته و أساتذة الأكاديمية يعتبرونه أدبا و على الباحثين العودة لكيات الاداب -قسم اللغة العربية و المسرح- ثانية !!
8- رفض دور النشر الخاصة و بعض الدور العامة مثل المؤسسات الصحفية نشر النصوص المسرحية بحجة أنها لا توزع .
9- إهمال الدوريات ؛ من جرائد و مجلات لنشر النصوص المسرحية ؛فقد كنا نرى نصوصا فى إبداع الدكتور عبد القادر القط ، و فى مجلة آفاق المسرح فى الثقافة الجماهيرية قبل أن تتوقف.
10- توجه العديد من كتاب المسرح للدراما التليفزيونية فقل عدد كتاب المسرح، و الغريب أن أسماء مهمة مثل أسامة أنور عكاشة قد عادت للكتابة المسرحية فى مرحلتها الأخيرة، فقدم مسرح الدولة بمصر له عددا من المسرحيات المهمة.
11- سيطرة فكرة الشلة و المجموعة المتبادلة للمصالح على كثير من الأعمال التى تقدم فى عدد من المؤسسات التى تنتج المسرح ، فيجب أن يكون انتاج النص من النصوص المجازة لدى المؤسسة و البعيدة عن منطق المصالح الشخصية، و قد استطاع الدكتور أسامة أبو طالب أن ينفذ ذلك فى المهرجان الأول و الأخير للكاتب المسرحى المصرى عام 2005 بعد أن تم قراءة ما يزيد عن 100 نص مسرحى و اختار حوالى 15 نصا تم تنفيذها ، و المضحك أن بعض المخرجين العام الفائت قد تقدموا بمشاريع لأعمال مسرحية – فى مكان ما- لم يكتمل تأليفها مثلما يحدث مع الأعمال الرماضية – الخالدة الذكر- التى تبدأ التصوير قبل أن تكتمل كتابتها !!
و أخيرا، أعتقد أن حل هذه المشكلات سيؤدى فى تصورى إلى عودة قوة المؤلف المسرحى مرة أخرى و وجوده ثانيا على الساحة المسرحية قبل أن يتلاشي، و للحديث بقية لطرح الأمنيات و الحلول.