✍️ أحمد رفاعي آدم ( آديب وروائي)
بينما يغط كثير من البشر لا سيما في بلادنا في سباتٍ عميق من التفاهة واللامبالاة والمادية البحتة واللاأخلاقية واللاإنسانية هناك حياة تحتضر وعوالم تنقرض وكوارث تطرق الأبواب. إن كل المؤشرات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على هشاشة الحياة.
ماذا لو كانت البشرية في طريقها إلى الانقراض كما حدث وانقرضت الديناصورات منذ قرابة ٦٥ مليون سنة كما تُرجِّح الدراسات؟ أليست الأوبئة والتغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة والحروب والأسلحة الفتاكة والكوارث الطبيعية معضلات تنخر كالسوس في عصب الكوكب وحياتنا عليه؟ .
ما يدعو للسخرية والحسرة في آن أن تعلم أن علماء الدول المتقدمة يفنون أعمارهم بحثاً في مثل تلك القضية الشائكة بينما تبلغ أقصى أمانينا صورة “سيلڨي” أو نزهة شبابية أو سهرة أمام شاشة التلفزيون أو الحاسوب أو الموبايل. أليس من المفروض أن نتحمل مع البشرية مسؤولية البحث العلمي وأن نضطلع بدورنا فيخرج من عندنا باحثون متخصصون ينخرطون بعزم وعلم في مهمة التفكير الكارثي؟.
لا شك أن عالم اليوم على بعد خطوة أو أكثر من الفناء.. كل ما يحدث الآن على ظهر البسيطة يشير إلى كارثة وشيكة قَلَّ من يعيها أو ينشغل بها. إنها الحقيقة التي تغفل عنها الأدبيات العربية رغم انشغال كثير من علماء الغرب بها فيما بات يُعرف بالتفكير الكارثي ونظريات نهاية العالم وما بعد نهاية العالم والتي تناولتها كثير من أفلام السينما الأمريكية. (على الأقل شاهد بعضنا فيلماً أو أكثر عن نهاية العالم).
لقد انشغل العلماء بقضية الانقراض الجماعي بما فيها الجنس البشري على مدى القرنين الماضيين ورغم اختلافهم على الطريقة التي قد تنتهي بها الحياة على كوكب الأرض إلا أنهم اتفقوا فيما يشبه الإجماع على حتمية وقوع كارثة (بيولوجية أو جيولوجية أو كونية أو نووية) تفضي بالعالم إلى الهلاك. والمثير للدهشة والرعب في آن أن معظم تلك الأسباب منطقية وقابلة للحدوث وقد شهدناها (ولكن بدرجة منخفضة حتى الآن) بأعيننا في العقود الأخيرة. فما وباء كورونا وإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي إلا أمثلة حية على ذلك. وهل يمكن أن نعمي أبصارنا عما يدور اليوم في روسيا “وهي دولة نووية”؟!
وقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى مثل تلك الإرهاصات عند الحديث عن مقدمات يوم القيامة وأشراط الساعة الصغرى والكبرى. فالكون برُمته على الحافة بين الاستقرار أو غير الاستقرار، وأن احتمالية انهياره موجودة وقائمة، وهو ما أكده العلماء في العصر الحديث بالحرف الواحد دون زيادة أو نقصان بما يتطابق مع ما أورده القرآن الكريم قبل أكثر من 14 قرناً.
واقرأ في القرآن ؛ “وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ”، (سورة الحج آية 65)، “وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ”، “وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا”، “وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ”، “وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ”، “يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ”، “وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ”، ” وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ”.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن من علامات الساعة الكبرى طلوع الشمس من مغربها، وهو ما قد يحدث (حسبما يفسر العلم) بانفجار كوني عظيم يخل بالنظام الشمسي ويتسبب في تغيير نمطية الشمس ومسارها الأزلي. (الله أعلم).
(طبعاً كل ذلك من قَبيل التفسيرات العلمية البحتة لكن يبقى كل شيء بيد الله عز وجل الذي يقول للشيء كن فيكون دون الحاجة لأسباب).
إذن هناك عديد من الشواهد على أن الحياة والعالم بأسره يوشك أن ينتهي بكارثة طبيعية أو بشرية.
نظرة سريعة إلى ما يحدث الآن في شتى بقاع الأرض كفيلة بإثبات ذلك.
حرب روسيا وأوكرانيا (أو بمعنى أدق حرب روسيا ضد أمريكيا وأوروبا) والتي ربما تُعد في المستقبل القريب حرباً عالمية ثالثة. الحروب المدمرة في المشرق العربي ،ومن أمثلتها: (اليمن وسوريا وليبيا).
نزاعات المياة ،ومن امثلتها(تركيا والشام/ إيران وأفغانستان). أمثلة حية من واقعنا المعاصر على صراعات جبارة قد تُستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها القنبلة النووية المدمرة التي قيل عند أول تجربة لها في صحراء خورنادا ديل مويرتو في ولاية نيو مكسيكو الأميركية: “لن يكون العالم بعدها كما كان من قبل”!
إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنه مع بداية العصر الذري تغير العالم إلى الأبد من نواحٍ عديدة. الآن أصبح شبح الإبادة الكارثية الذي كان مجرد خيالاً في أذهان الأدباء والعلماء والسياسيين في العقود السابقة حقيقة واقعة قابلة للحدوث في أي لحظة غضب خارج عن السيطرة.
وأختم بما قاله المُنَظِّر الألماني “كارل ياسبرز” في كتابه “القنبلة الذرية ومستقبل البشرية”:
(في الماضي، كانت هناك أفكار متخيلة عن نهاية العالم. لكننا الآن نواجه الاحتمال الحقيقي لوقوع هذه النهاية. إن الواقع المحتمل الذي يجب علينا من الآن فصاعداً أن نأخذه في الاعتبار -وأن نأخذ في اعتبارنا أنه وفق الوتيرة المتزايدة للتطورات الجارية قد يحدث في المستقبل القريب- لم يعد يمثل نهاية تخيلية للعالم). جديرٌ بالذكر أن الرجل كتب ذلك قبل حرب أوروبا وروسيا الحالية بسنوات كثيرة.