✍️ إبراهيم الديب ” أديب وقاص”
اهوى بل مغرم بقراءة كتب الترجمة التي تؤرخ لحياة القادة والزعماء و الشخصيات البارزة التي ساهمت في صنع التاريخ وخلدها إياه في الوقت ذاته، هناك بعض الملاحظات أو بمعنى أصح وجهة نظر خلصت إليها بعد قراءة مجموعة كبيرة من هذه التراجم لعدد كبير منها على فترات متباعدة لكل فترة تاريخية منذ عصوره القديمة إلى الان نصيب منها.
وهذه النتيجة التي خلصت إليها من وجهة ، هي أقرب للأسئلة التي اطرحها على نفسي واناقشها معها ، ومن ثم محاولة الرد عليها، دون أن أدعي أنني اوفيت هذه الأسئلة حقها بالشرح والتحليل أو الإجابة المقنعة لنفسي قبل غيري ،أول هذه الأسئلة خاص ببعض تراجم الساسة والقواد، فكلما أوغلت في سطور هذه الترجمة وكأن كاتبها يتناول شخصية فوق مستوى البشر، يسرد قصص عن شخصية أسطورية لا تمت للواقع ولا لقوانينه بصلة، لتأكد أكثر كلما تقدمت في القراءة أن ما يتمتع به هذا القائد من صفات يفارق قدرات البشر وقوانين الحياة على الأرض، هنا وفي وسط هذا الحشد الأسطوري من الأحداث المفارقة للواقع تضيع شخصية البطل أو الزعيم الثائر بين سيرته الحقيقية وبين احداث التاريخ بعد أن اختلط الواقع بالأسطورة أعتقد أن من أراد أن يخلده قد جنى عليه بعد أن طمست شخصيته الحقيقية تحت ركام هائل من عمليات الشرح والإضافة والتمجيد ليفضي كل ذلك لاسطرتها .
لتضيع الحقيقة بين والتاريخ الحقيقي المعاش ، لا ننكر أن هناك من فلاسفة والتاريخ وعلماء الاجتماع من يدفعون باتجاه أن العباقرة على مدار التاريخ هم من يصنعونه فهم بمثابة القاطرة التي تجر خلفها كل عربات القطار بما لهم من استشراف المستقبل قبل قراءتهم العميقة للواقع ،فهم اقدر على الرؤية لحاجة مجتمعاتهم وامتهم،وممن يدفع في هذا الاتجاه في تعظيم الفرد الممتاز بقوة لدرجة تصل للعقيدة منها لوجهة النظر ،على سبيل المثال “توماس كاريل” وعباس محمود العقاد “المتأثر به في هذه النظرية التي جمعت بينهما عقيدة الاعجاب بالبطل الفرد الممتاز والاشادة بدوره في صنع التاريخ ودفعه إلى الأمام ،و لا يخفى على الكثير سر اعجاب العقاد بهذه النظرية لأنه يعد نفسه أحد أفراد هذه الزمرة البشرية من صناعه الممتازين اللذين ساهموا في تقدم .
تضخم هذه النظرية الفلسفية من دور الفرد الممتاز وتنسي أحيانا أنه يكون دوره ،أو رغبته توافقت مع أمنيات أمته وكانت هناك عدة أسباب متضافرة ورغبات تسكن النفوس منذ أمد بعيد تعمل تحت السطح في خفاء وتصادف وجاءت لحظة الانفجار في نفس الوقت مع رغبة هذا الثوري، أو الفرد الممتاز فيتماهى معها فتنسب له هذه الثورة وتحمل اسمه وتهمش بذلك عوامل اجتماعية تحمل في طياتها رغبات شعب وتحولات تاريخية آنت لحظتها شبه الحتمية بعد اختمرت في الماضي بداخل: عقول ونفوس تعمل تعمل بدأب متواصل وصبر على الوصول لهذه اللحظة في تاريخها التي تفجر احداث تحد تحولات جذرية لامتها يضاف لسجل شرف تاريخها فينسب كل ذلك لهذا الفرد الممتاز وأنه من صنعه وحده.
ليظهر هذا الفرد وكأنه صنع كل هذه التحولات الخطيرة العظيمة وحده كأنه جاء من خارج الزمان والمكان، يعمل في المطلق ليس ابن واقعه وسياقه التاريخي وترجمة لأحلام وآمال المجموع على أرض الواقع لا ننكر دور هذا الثوري أثناء قيادته والكاريزما التي يتمتع بها وحشده للثوار خلفه وتوحيد صفهم لتحقيق هدفهم المنشود.
هذه الشخصية الأسطورية كانت تصلح في الماضي للمجتمعات البدائية الرخوة اللينة التي تضطلع فيها المؤسسات بنصيب كبير في إدارة الدولة وبالمشاركة في الحكم أثناء ممارسة دورها المنوطة به،أما الآن فالفرد الممتاز أو والثوري والقائد العظيم بعد أن تعقدت هذه المجتمعات ،فالزعيم الآن أو الثوري هو حصيلة كل مؤسسات الدولة وكل من يساهم من المفكرين والسياسيين وعلماء الاجتماع بوجهة نظره في تخصصه ،وكل من يدفع بعجلة الحياة لتقدم البشرية، ومع ذلك أقرأ ترجمات معاصرة لزعماء في عالمنا الثالث وفي القرن الواحد والعشرين تختصر وتختزل الدولة في شخص حاكمها ،فمن وجهة نظري أنه لا يعيب الفرد الممتاز أو البطل أن يظهر من خلال الترجمة له يعاني من بعض الإنساني أ،وتردده في بعض الأوقات ،وأن يبدو أمام القارئ كبشر يعتريه اليأس، والفرح أثناء مسيرته، فهو إنسان قبل كل شئء ويقول الله سبحانه وتعالي “ونعلم ما توسوس به نفسه”.