»»
بقلم ✍️ د.محمد يحيى بحيري
(مدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة مدينة السادات )
يتندر البعض منا بإعتباره من أنصار هذا الفصل أو ذاك من فصول السنة،وبينما تجد البعض من أحباء الشتاء الأوفياء تجد البعض الآخر من أشد انصار الصيف المخلصين.
وبين هؤلاء وأولئك ينتشر المزاح والفكاهات المسلية التي ترسم البسمة على الشفاه وتشيع جوا من الطرافة والتسلية، فلا يكاد يقترب الفصل من فصول السنة إلا وتجد صفحات وسائل التواصل تضج ما بين متهلل جذلان وبين متحسر حزين يكاد يعد الايام على بداية هذا الفصل وانتهائه، و لا يخلو الأمر من مباراة في تفاخر كل فريق بفصله الذي (يشجعه) والتغني بجمال الجو فيه وفي التهويل من صعوبة مناخ الفصل المقابل والتندر على مشجعيه الآخرين، بل وتجد أنصار الفصل وهم يضعون ايديهم على قلوبهم متمنيين أن يجىء مناخ فصلهم المحبوب بما يرفع رأسهم و يشعرهم بالانتصار امام المنافسين وألا يضعهم عرضة للتندر وللسخرية من هؤلاء الخصوم المتربصين!.
ولكن في السنوات القليلة الماضية وبعد هذه الموجات المتتالية من التطرف المناخي، وجد كل فريق نفسه في وضع لا يحسد عليه فلا الصيف هو صيفنا الذي تربينا عليه ولا الشتاء هو الشتاء الذي نعرفه، فقد أتت ثمار التغير المناخي الموجعة بأسرع مما كان في الحسبان وانشغل الفريقان عن بعضهما البعض بحرارة الصيف القياسية وببرودة الشتاء القارسة.
لقد أصبحت جمل مثل “الطقس غير المسبوق” و “موجة لم يُشهد لها مثيل منذ زمن بعيد” تتكرر على مسامعنا بإستمرار بحيث اصبحت هذه الجمل الغير معتادة أمرا مألوفا و معتادا في مفارقة تستحق التأمل. لقد كشر التغير المناخي عن أنيابه بشكل حاد وأصبح المناخ يخضع لتغيرات قاسية وتقلبات غير متوقعة بصورة مستمرة على مدار السنوات الماضية بصورة يُخشى منها أن يصبح هذا التقلب والتطرف المناخي هو النمط الجديد للمناخ حول العالم.
وبعد أن كان البعض يضعون مصطلحات التغير المناخي والاحتباس الحراري في خانة التنظير والترف الفكري، فرضت هذه المصطلحات نفسها في خانة الضرورة الملحة ،وصارت متداولة على ألسنة الجميع حتى البسطاء ومحدودي الثقافة..
هذه التغيرات المناخية لا يقتصر تأثيرها على الشعور بعدم الراحة وبالتعب من درجات الحرارة المتطرفة، بل تمتد إلى آثار خطيرة على المحاصيل الزراعية وعلى الزيادة الكبيرة في استهلاك الطاقة للتدفئة ،أو للتبريد كما تمتد إلى التحديات الصحية على كبار السن والأطفال وغيرها من التحديات الجديدة.
إن ظهور هذه الآثار التي لطالما حذر منها علماء البيئة تدق ناقوس الخطر من باقي الآثار بالغة الخطورة التي يحذر من حدوثها العلماء على المدى البعيد إذا استمر هذا التغير المناخي مثل ذوبان جليد القطب الشمالي وارتفاع منسوب مياة البحار و المحيطات.
إن المسؤلية تفرض نفسها على كل سكان العالم في مواجهة التغير المناخي وتبدأ من مراعاة الاشتراطات البيئية في مختلف الأنشطة بداية من أبسط الأفعال والسلوكيات. فهذا التغير المناخي قد حدث نتيجة تراكمات كثيرة لأفعال صغيرة مضرة بالبيئة حول العالم وعلى مدار سنوات طويلة، لذلك فإن مواجهة هذه المشكلة تحتاج بالمقابل لتضافر الكثير من الافعال والجهود المتراكمة من كل سكان هذا الكوكب.
نتمنى من كل قلوبنا أن يعود المناخ كما كان بإذن الله تعالى وأن يبقى قدوم الفصول مناسبة لفرحة انصار الصيف واحباء الشتاء وأن يظل الفريقان في حالة (التعادل الايجابي) التي لطالما استمتعنا بها !.