مضي الليل إلا قليلا والظلام مخيم علي الكون بأكمله ، والكواكب غافلة بين أحضان السحب ، والفضاء بحر خضم مترامي الأرجاء ساكن الصفحة ، والغيوث كضفائر طفلة صغيرة متشابكة خيوطها بين السماء والأرض وبيت سوزان لا يغيب عن مخيلتي إنه بيت صغير لا يري فيه الداخل غير مصباح ضئيل متهالك لا يخرج منه سوي بقايا جمرات حمراء متكفنة بردائها الأبيض ، قد يري الناظر علي ضوء هذا المصباح بضع صور علي الجدران كاشباح مائلة ، ومنضدة عارية ، فإذا أدار الواقف نظره رأي أسرة متهالكة أخذت الأرض من أحشائها مأخذها، قد اضجع فوقها ثلاثة أطفال كأفراخ بين الأعشاش، وعلي مقربة تجلس سوزان تلك المرأة الشاحبة اللون تجلس باكية راكعة ساجدة تبتهل وتدعو الله تعالي بصوت خافت متهافت أن يرزقها الله رزق أبنائها بعد أن توفي زوجها في حادث .
يالها من ليلة مرعبة هبت الريح هبوبا عظيما كادت أن تعصف بهذا البيت القديم المتهالك ، فطار قلبها فزعا ورعبا وخيل إليها أن هذه الريح العاتية أوقعت السقوف والجدران ، فظلت تردد
(( ربي إني مسكينة لا سند لي في هذه الحياة وهؤلاء الأطفال عاجزون صغارا لا يستطيعون تقويت أنفسهم فاحفظهم لي واخذت تردد
ما أغبي شقاءنا نحن الفقراء
إننا في هذه الحياة لا عاصم لنا من مخاطر الحياة ، فكم من فاسد يحاول إنتزاع ارزاقنا من بين فساد تلك الأمواج الثائرة الفارغة افواهها كالذئاب الجائعة تحاول ابتلاع كل شئ حولها
هنا هدأت الريح وتناثرت خيوط الصباح ونهضت من مكانها إلي قوت يومها وتركت اطفالها في حفظ الله وخرجت سوزان وكان المطر شديدا وقطرات المطر تنحدر من جبينها علي خديها الشاحبين كأنها تزرف دموع الحزن علي فراق عزيز واخذت تحادث نفسها وهي في طريقها.
(( نعم أنا فقيرة معدومة لا أملك رغيف خبز في بيتي ولكن ما زنب صغاري أيموت الفقراء انترك أطفالنا تموت جوعا أين العدل ايموت اطفالي كمدا وجوعا ))
ووصلت سوزان إلي مكان عملها وجلست وكان بإنتظارها جار يحبها حبا شديدا ولكنها لا تعلم ذلك
سوزان ماذا بك وما هذه الدموع ؟
ماذا تريد مني اتركني وارحل
احمد ماذا تريد منا هذه الحياة ألا يأتي يوما نأخذ قسطا من الامها وقسوتها؟
سوزان انا أحبك واتيت اليوم كي أصارحك انا احبك
ماذا تقول
أحبك نعم أحبك
سوزان أنا قضيت ليلتي بجوار بيتك ليلة أمس وخارت قواي من صوت العاصفة وخفت عليك حبيبيتي.
أحمد انا فقيرة معدمة أعيش تحت رحمة المصادفات وربما تأتي علي وعلي أطفالي أيام لم نجد فيها ما نتقوت به ما ذنبك.
سوزان أنا متألم لألمك أشعر أن أنفاسك تقرع باب جوانجي كل ساعة وليلة فلا ترفضي طلبي
واخذها احمد من يدها وتسوقا سويا وذهب معاها إلي أطفالها وقال لها أذهبي إليهم واحمليهم برفق إذهبي حبيبتي وثقي أن الله سيملأ علينا بيتا خبزا وبركة ونعيما ببركة هولاء الملائكة الصغار فتهلل وجهها بشرا وسرور
ثم ضحكت ورضيت واملت وحمدت