»»
بقلم ✍️ د.عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس -كلية التربية بنين بالقاهرة- جامعة الأزهر)
عندما نبدأ بإنتاج وتحليل وتنظيم معلومة ثم نسوقها في صورة خدمة أو سلعة بغرض الاستفادة منها؛ فإن ذلك يعبر عن صناعة معلوماتية في صورتها البسيطة؛ لذا أضحى الاهتمام بصناعة المعلومات أمرا يرتبط بتلبية احتياجات ومتطلبات وتطلعات الأفراد والمجتمعات، ومن ثم تُعد معيارًا للتغلب على ما يواجه العالم بمجتمعاته المختلفة من تحديات ومشكلات، وهذا ما أكد ضرورة دعم وتمويل المعلومات بما ساهم في تدشين الاقتصاد الحر.
ويتميز الاقتصاد المعلوماتي باعتماده المستمر على ثمرة النتاج البحثي المتواصل، وأنه يستهدف تنمية رأس المال البشري والمادي، ومن ثم يشكل أحد مصادر الثروة والسلطة، ولا تعوقه حواجز، ويتسم بالعالمية والإتاحة والتنوع؛ حيث يلبي احتياجات ومتطلبات وتطلعات مختلف الشرائح والطبقات، ومن ثم فهو غير قابل للاحتكار؛ لأنه يتخطى الحدود المكانية والزمانية والعقلية، وبالطبع يحتاج لإدارة تكاملية تتسم بالشمولية لتحقق غايات الدولة الكبرى.
ويعد توافر البيئة الابتكارية في شتى المجالات متطلبا رئيسا لتحول الدول للاقتصاد المعلوماتي؛ حيث تنشأ المشروعات القائمة على تقنية المعلومات وفق أساليب ابتكارية وتحت معيار خبراتي يربط المعلومات بالإدارة التقنية التي تواجه كافة المتغيرات بصورة مستمرة، ولا تدع مجالًا للصدفة لما يمكن أن يعرقل تلك المشروعات وتطورها بشكل مستدام.
ومن هنا يتوجب عقد الشراكة الفاعلة بين المؤسسات البحثية التي تمتلك آليات وطرائق استثمار المعلومات المرتبطة بالتطبيقات التقنية المتقدمة مع المؤسسات الإنتاجية التي تعمل بشكل متواصل نحو تطوير المناخ الداعم للابتكار وربطه بالمناخ الاجتماعي المناسب الذي يحول الصعوبات لمنح فرص تحقق من خلالها المؤسسات الريادة والتنافسية بصورة متناغمة.
ويصف الواقع الحالي صورة الاقتصاد المعلوماتي في أنه يمثل المورد الفاعل ضمن الموارد الاقتصادية المتعددة، باعتبار أنه يوظف بشكل إجرائي في المجالات المختلفة وقطاعاتها الخدمية والاستثمارية، ومن ثم فقد صار عاملًا رئيسًا في تحقيق جودة الحياة؛ فبواسطته تتحسن مستويات المعيشة وتكون الثروات وتُخلق فرص العمل وتزداد الإنتاجية؛ لذا يؤدي دورًا مهمًا في النمو الاقتصادي لدول العالم قاطبة.
كما يُعد الاقتصاد المعلوماتي موردًا فعالا يوازي المصادر البشرية والمادية؛ فقد اتجه العالم من التركيز على حجم القوة الفعلية العاملة والمقدرات المادية نحو هذا النمط من الاقتصاد: الذي أصبح يشكل القوة الرئيسة التي تعول عليها الدول المتقدمة في نهضتها واستمراريتها الريادية؛ حيث إن النظم التي كان اهتمامها منصبا على الإنتاج المادي تحول إلى الاقتصاد المعلوماتي في المجالات المختلفة.
ونظرًا للاستفادة المتنامية للمعلومات وتأثيرها المباشر في مستوى الإنتاجية ومعاييرها فإنها تعتبر مورد رأسمالي للدولة تستخلص منه المهارات البشرية الابتكارية لتؤدي تغييرات غير مسبوقة في الجانب الاقتصادي على وجه التحديد؛ لذا تقاس الإنتاجية بحجم المعلومات كمدخلات في المنظومة الاقتصادية بصورها المختلفة، وهذا ما عظم من القيمة المضافة لتلك المعلومات.
ويقوم الاقتصاد المعلوماتي في الجمهورية الجديدة على نظام قومي؛ حيث أعدت له الشبكات التي تساير التطورات الحالية والمستقبلية؛ بالإضافة لبنية تحتية تتسم بالحداثة ودقة التصميم، ما يسهم في التخزين والاسترجاع والتوظيف والتقويم المستمر، بما يؤدي لنتائج مرغوب فيها ذات مردود اقتصادي غير مسبوق، يتسق مع ماهية القيمة المضافة لتلك المعلومات.
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن جهود الدولة المصرية تجاه تنمية القطاع المعلوماتي أضحى جليًا؛ إذ بات الاهتمام واضحًا ببراءات الاختراعات وحاضنات الأعمال ودعم آليات التسويق الرقمي وتنمية الموارد البشرية في المهارات التقنية لتمتلك المهارات المؤهلة لدمج التقنية بالعمل، ناهيك عن تحفيز الشراكات مع القطاع الخاص الداخلي والخارجي لجذب الاستثمارات في المشروعات التقنية بتنوعاتها، كما لم تغفل دور المؤسسة البحثية وتفعيل شراكته مع المؤسسات الاقتصادية.
وجدير بالذكر أن قطاع المعلومات المصري تغير بشكل ملاحظ في الآونة الأخيرة بفضل اهتمام القيادة السياسية به؛ حيث قُدمت الحوافز في صورتها المادية والمعنوية من أجل الوصول للاستخدام الأمثل للمعلومات واستثمارها في التغلب على ما تواجه الدولة من صعوبات وتحديات ومشكلات ترهق المؤسسات والأفراد على السواء؛ لذا أيقنت القيادات المؤسسية أهمية المعلومات على الجانب الاقتصادي لبناء الجمهورية الجديدة، ومن ثم حرصت على إدارة المعلومات بأسلوب علمي وفني يتيح الاستخدام الفعال لها في التنمية المستدامة للوطن، ويوفر الفرص المستمرة للعمل، ويستثمر العقول صاحبة الفكر المستنير في مجالات الدولة المختلفة.
وتقوم السياسة الوطنية للمعلومات بمصرنا المجيدة على حصر الاحتياجات عبر التنسيق المقنن بين المؤسسات والجهات المعنية بهذا الأمر؛ بغية التعامل الآمن لها، ويبدو ذلك واضحًا في ظل القوانين والتشريعات التي تنظم التعامل والتداول المعلوماتي بما يحقق الأهداف الوطنية العليا للدولة، وبما يحدد مقومات الاستخدام والاستثمار المرتبط بالسياسة العليا، ولا ينفك ذلك عن تضافر المؤسسات الوطنية وفق منظومة كبرى ترعاها الدولة وتعمل على صيانتها بشكل مستدام.
وقد أضحى التبادل المعلوماتي أمرًا حتميًا في الاقتصاد العالمي قاطبة؛ فما من دولة يمكنها الانعزال بما تمتلكه من معلومات لها مردود اقتصادي، لكن يمكنها فرض حماية فكرية مع العمل على تعظيم تلك المعلومات من خلال مخترعات وصناعات متوالية ومتجددة تفي بمتطلبات وأحلام الفرد على مستوى عالمي، وعلى الدول تسهيل الوصول للمعلومات التي تمكن قطاعات الإنتاج من العمل الابتكاري والباحثين من تقديم القيمة المضافة لتلك المعلومات بمزيد من البحث والدراسة الممولة من قبل المؤسسات الإنتاجية والدولة على السواء.
وتؤدي الدولة دورًا مهمًا في حماية خصوصية المعلومات؛ ليصبح تداولها على نطاق عالمي ذات ثمرة مرجوة لمؤسسات الدولة مع الأخذ في الاعتبار حقوق الملكية الفكرية على مستوى الفرد والمؤسسة والدولة؛ إذ يمكنها التعامل مع الشركات العالمية متعددة الجنسيات وفق بروتكولات تضمن الحقوق لكلا الطرفين دون إفراط ولا تفريط.
وباعتبار أن المؤسسة الجامعية رافدًا رئيسًا للاقتصاد المعلوماتي؛ فإن ما يقع على عاتقها من مهام يجعلها توجه الخريطة البحثية نحو الاستثمار في مجالاته المختلفة، وتنمي مهارات المبتكرين بصورة مقصودة عبر برامجها وما يتمخض عنها من أنشطة، وتعقد الشراكات التي تضمن من خلالها التبادل المعلوماتي على نطاق محلي وعالمي، وتستكشف ما يجول في خواطر المجتمعات والمؤسسات بتنوعاتها المختلفة، ومن ثم تضع من الحلول ما يسهم بقوة في التغلب على المشكلات الاقتصادية المتواترة؛ لتحدث التنمية الاقتصادية المستدامة.
وعلى أية الحال يتوجب على المؤسسة الجامعية توجيه أنظار منتسبيها نحو الاقتصاد المعلوماتي، حيث ينبغي إقناعهم بأن التنمية الاقتصادية مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا المفهوم وأن المسافات لا تمثل معوقا في إحداثها، كونها تتوافر للجميع وعلى الفرد أن يتخذ قراره الصائب للعمل بها، إيمانًا بأن كل فرد يمكنه الابتكار والانفتاح على المنظومة العالمية؛ فقد باتت الحدود متلاشية، وضروب الاستثمار مشجعة ومنفتحة، وقيامه يعتمد على المعلومات.
ولا مناص من توكيد وتعميق ماهية الاقتصاد المعلوماتي عبر تنمية الفكر تجاه المعرفة التي يكتسب من خلالها المتعلم المهارة ويصل لمستوى الابتكار المنشود بعد تدريب وتشجيع وتوافر بيئة حاضنة، وشراكة منفتحة الحدود بين المؤسسة التعليمية الجامعية ومؤسسات العمل بمختلف تنوعاتها؛ بغية تطوير المعرفة وتنميتها من خلال النظام المعلوماتي التقني الفائق السرعة والحداثة، وهذا ما يشكل العلاقة الارتباطية بين النشاط الاقتصادي والنظام المعلوماتي بما يساعد في نموهما في الاتجاه المرغوب.
وبالطبع فإن آليات العمل الجامعي الداعم لقطاع الاقتصاد المعلوماتي قائم على عمليات البحث كقاطرة أساسية للتنمية والتطوير، ولا ينفك ذلك عن التوعية المباشرة لأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين والاقتصادين لتزداد خبراتهم وترتقي أفكارهم بما يزيل الحواجز بين المؤسسات الاقتصادية والتعليمية، وبما ينعكس بصورة مباشرة على الاقتصاد السوقي؛ لتصبح المنافسة قائمة، وتظل الابتكارات الذاتية والجماعية محل تقدير واهتمام ورعاية، كونها أحد سُبل إشباع الاحتياجات لدى الجنس البشري بأسره.
حفظ الله بلادنا، ومكن لها أمر رشد، ووفق قيادتنا الحكيمة لسبل الخير والإعمار.