»» بقلم ✍️ د.كمال فهمي
(أستاذ المناعةوالتحاليل الطبية كلية الطب جامعة الزقازيق)
لا شك ان مصطلح (الذكاء الصناعى) الذى ظهر مؤخرا يعبر عن نقلة كبيرة بل وكبيرة جدا فى استخدام التكنولوجيا فى أداء مهام عالية الدقة كان ينظر إليها دائما على انه من الصعب أن تقوم بها الآلة ولابد أن يقوم بها الانسان بما حباه الله من عقل وقدرة على التفكير والابداع .. ولكن فى مجال الذكاء الصناعى الآخذ فى النمو حاليا نجد الآلة سوف تصبح قادرة على التفكير والابداع وليس فقط تنفيذ أوامر البرمجة كما اعتدنا فى تكنولوجيا القرن العشرين.
بل والأكثر من ذلك نجد أن تكنولوجيا الذكاء الصناعى الحالية أصبحت قادرة على أداء ما لا يتمكن العقل البشرى من عمله او ربما عمله بسرعة مذهلة تجعل من الضرورة أن يتم الاستغناء عن العنصر البشرى فى الاعمال المختلفة أو على الأقل الإقلال منه إلى درجة كبيرة.
هل هذا التطور التكنولوجى نحو الآلة الذكية نعمة أم نقمة وهل من الحكمة الانطلاق فى هذا المجال أم وضع مكابح لكبح جموحه ؟
لا شك أن مثل هذا التقدم مثل أى تقدم فى اى مجال سابقا او لاحقا لا يمكن ان يخلو من أعراض جانبية سيئة أو ربما يكون لها خطورتها ولكن الواقع يؤكد أنه لا يمكن ايقاف عجلة العلم والتقدم التكنولوجى مهما حاولنا ومهما شعرنا ببعض المساوئ أو الخطورة .
أتذكر أن جيلنا ونحن فى المدارس فى مراحل التعليم الأساسى لم نكن نستخدم مطلقا الآلة الحاسبة لأنها ببساطة لم تكن دخلت مصر فى تلك الفترة ولذلك كان لدينا قدرات حسابية تفوق الجيل الحالى الذى تعلم باستخدام الالة الحاسبة وكان من بين ملامح الطالب المتميز فى جيلنا أن يؤدى عمليات حسابية معقدة بدون حتى استخدام مجرد الورقة والقلم وكان يطلق على ذلك (الحل بمجرد النظر).
وحين ظهرت الآلة الحاسبة حاولت وزارة التربية والتعليم منعها فى المدارس حتى لا تؤثر على القدرات العقلية ،ولكن تم الاستسلام فى النهاية وأصبحت الالة الحاسبة جزء لا يتجزأ من أدوات الطالب ،حتى ولو اضعفت قدراته الذاتية .. وهذا يؤكد ان التطور يشق طريقه مهما كانت المساوئ حيث مقابل هذه المساوئ هناك ايجابيات لا شك فيها من أهمها الدقة والسرعة.
وهذا يجعلنا نسأل هل تطور الذكاء الصناعى سيؤدى الى زيادة الغباء الطبيعى فى المجتمع بعد أن يتم الاعتماد على الآلة الذكية اعتمادا كليا؟
وهذا سؤال فى غاية الأهمية ويستدعى الاجابة عنه بعناية على مستويات عدة وإذا كانت الاجابة نعم فلابد من بحث الوسائل لمواجهة هذه المشكلة وهى مشكلة حقيقية خاصة فى ضوء ما نراه حولنا من ضعف اجيال الآلة الحاسبة حاليا فى اجراء العمليات الحسابية فى عقولهم واللجوء فورا للآلة الحاسبة كما تعودوا وربما سألت أحدهم ما هو حاصل قسمة ٣٠٠ على ٥٠ فلا يستطبع الرد إلا بالآلة الحاسبة وهذا جربته كثيرا على شباب حديث التخرج بمؤهلات عليا من كليات مرموقة.
هناك مخاوف حقيقية من تزايد الغباء البشرى مع تزايد ذكاء الآلة ،حيث هناك علاقة طردية بين الذكاء الصناعى والغباء الطبيعى واضعين فى الاعتبار القاعدة المعروفة فى مجال البيولوجى بان العضو الذى لا يعمل يضمر.
ولكن على كل حال لن توقف هذه المخاوف التقدم التكنولوجى وستتطور تكنولوجيا الذكاء الصناعى يوما بعد يوم وسوف يصبح لدينا قريبا إنسان آلى يتكلم مع البشر بلغات متعددة ويتحاور معهم ويستجيب لما يطلبه الانسان البشرى منه وقد يرفض الانسان الآلى الاستجابة ويرفض تنفيذ ما يطلبه الانسان البشرى منه لان وجهة النظر او الطلب الموجه إليه غير مقبول منطقيا وسوف يوجه الانسان الالى الانسان البشرى إلى القرار او الفعل الصحيح وربما ينفذه فورا دون الرجوع للانسان البشرى أو ارائه الغير مدروسة جيدا.
بالتأكيد سيكون العالم فى نهاية القرن الحادى والعشرين سيكون عالم البشر مختلفا تماما عما هو الآن من خلال تكنولوجيا الذكاء الصناعى الواعدة.
ولكن هل سيستغل الانسان هذا التقدم لصالح البشرية جميعها من خلال روح انسانية واخلاقية خلاقة ام سيتواكب مع هذا التطور مزيد من سيطرة قوى الشر البشرى التى تحكم العالم وتقوده .. وربما تقوده الى الهلاك وهى بذلك انما تمثل نوعا من انواع الغباء البشرى الطبيعى الذى قد يجعل محصلة الذكاء الصناعى هو الاستغناء عن مليارات البشر او قتلهم باى وسائل من اجل سيادة وسيطرة المليار الذهبى!.