»»
بقلم ✍️أ.د عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة -جامعة الأزهر)
يتضمن الذكاء الاصطناعي برامج احترافية تقنية تحاكي العقل البشري، وتستهدف القيام بمهام دقيقة وفق مدخلات معيارية ومسارات منظمة تساعد بصورة مقصودة في تنمية أنماط التفكير المختلفة لدى الفرد، ومن ثم تمكنه من اتخاذ القرار بصورة صائبة؛ لذا تكمن فلسفة الذكاء الاصطناعي في معالجة المعلومات بغض النظر عن حجمها وطبيعتها بآلية تحقق هدف معين.
ويشير الذكاء الاصطناعي إلى ما يمكن أن تؤديه الآلات والحواسيب الرقمية المطورة من مهام تضاهي أو تشابه العقل البشري؛ إذ تتطلب مهارات وسلوكيات ذكية بكفاءة عالية قد تشمل الاستنتاج والاستنباط والإدراك؛ بالإضافة إلى الاستفادة الوظيفية من الخبرات السابقة، ومن ثم تستطيع أن تقدم هذه الأجهزة وتطبيقاتها خدمات متعددة في العديد من المجالات العلمية والمهنية والتعليمية.
وبرغم من أن الذكاء الاصطناعي أحد علوم الحاسب المستحدثة؛ إلا أنه تمخض من تمازج ثورة النظم التقنية الحاسوبية مع مبادئ المنطق والرياضيات والنظريات النفسية؛ حيث استهدف في مكنونه الفهم العميق لطبيعة التفكير البشري؛ ليحاكي الذكاءات المتعددة لديه وقد يتفوق عليها؛ ليتمكن من حل مشكلات بعينها واتخاذ قرارات وفق معلومات وبيانات وخبرات سابقة محددة.
وتتنوع أنماط الذكاء الاصطناعي لتشمل الأجهزة والآلات التفاعلية المطورة التي تؤدي وظائف بعينها كأجهزة ديب بلو (حاسوب عملاق من إنتاج شركة IBM)، والذكاء الاصطناعي ذو الذاكرة المحدودة كأنظمة القيادة الذاتية، وهناك الذكاء الاصطناعي القائم على ّ نظرية العقل؛ إذ تتفهم الآلة المشاعر الإنسانية، وتتفاعل وتتواصل بصورة وظيفية؛ بالإضافة إلى نمط الذكاء الاصطناعي الذي يستهدف الوعي الذاتي، وهذه مرحلة متقدمة، تستهدف الاستغناء عن العنصر البشري شيئا فشيئا؛ ليؤدي المهام التي تصعب على الإنسان القيام بها.
وفي مجالنا التعليمي تتوافر العديد من التطبيقات والبرامج المرتبطة بالذكاء الاصطناعي؛ لتقدم الخبرات التعليمية بصورة وظيفية للمتعلم؛ كي يتمكن من اكتساب مفرداتها في مجالاتها المختلفة (المعرفية والمهارية والوجدانية) وفق إرشادات واضحة تساعده بأن ينغمس في أداء ما يوكل إليه من مهام تعليمية؛ ليبدي استجابات متنوعة يتم تقييمها وتقديم تغذية راجعة فورية فاعلة حيالها، كما تقدم له مسارات تتسم بالإثرائية تؤدي بصورة مقصودة إلى تعميق خبرات التعلم لديه؛ ليصل إلى مرحلة الابتكار، وتحثه لمزيد من التعلم وحب الاستطلاع العلمي.
ويُعد المحول Chat GPT أحد التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي؛ فبواسطته يستطيع المتعلم أن يستغله في الترجمة، وتنظيم لغة الحوار، وترتيب وترابط النصوص، وتلخيص محتوى معرفي ضخم، كما يمكنه الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بموضوعات لها تجارب أو خبرات سابقة ومن ثم إمكانية صياغة أسئلة من محتوى ما؛ بالإضافة إلى أنظمة الدردشة، وكتابة مقالات وفق ما يقدم له من متغيرات؛ حيث يعمل على تحسين مخرجاتها قدر المستطاع، كما يمكنه وضع الارشادات التلقائية للبرمجيات التي تستخدم في العملية التعليمية، وعليه يمكن القول بأن هذا المحول يوفر الوقت والجهد، ويلبي الاحتياجات التعليمية.
وعبر موقع Netex Learning أحد التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي يمكن إضافة الوسائط المتعددة لمحتوى تعليمي ما بصورة منظمة ومتسلسلة على المستوى الخط أو الشبكي بشكل فاعل؛ حيث يتيح للمتعلم أن يستعرض خبرة التعلم، ويقوم بالمهام المطلوبة منه، مع إمكانية الاستعانة بالأدوات المساعدة في هذا الموقع، ويسبق ذلك مقدرة المعلم على التخطيط الرقمي لموضوع درسه وفق ما يتبنى من استراتيجيات تناسب خصائص المتعلم وطبيعة المحتوى المقدم، وبالموقع مزايا التواصل الفعال عبر المؤتمرات المباشرة التي يمكن أن يعقدها المعلم مع المتعلم ويقدم له التعزيز أو التغذية الراجعة عن أدائه، ناهيك عن لغة الحوار الفعال والتقييم الذاتي، والملاحظة المباشرة من قبل المعلم وتمكنه من تحليل ممارسات المتعلم بصورة ميسرة؛ ليتمكن من رصد الصعوبات التي قد يتعرض لها، ومن ثم يتمكن من معالجتها بشكل فوري.
وننوه إلى أن هناك العديد من المنصات التعليمية الرقمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي؛ حيث يمكنها أن تتعرف على ما لدى المتعلم من قدرات مرتبطة بالسلوك وآليات التفكير التي يمتلكها، وطرائق تفاعله مع المهام والوظائف المنوطة به وتفضيلاته التعليمية والثقافية، وميوله العلمية، ومن ثم يمكنها من رسم محددات الشخصية لهذا المتعلم بصورة تتسم بالدقة، وعلى مستوى تقويم الفرد يمكن إجراء الاختبارات بتنوعاتها ومجالاتها؛ لتشخص مستوى المتعلم، وتتعرف على مدى تقدمه العلمي بصورة دقيقة.
وتؤدي المنصات التعليمية الرقمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مهمة غاية في الدقة؛ حيث تصمم مهام الأنشطة التعليمية بشكل احترافي وفق قدرات المتعلمين، وتتابع تقدمهم في الممارسة، وتقد لهم التغذية الفورية حال تعثرهم، وتركز على تنمية الجانب الوجداني من خلال تقديم بعض القيم التي تصقلها بالعديد من الخبرات التي تحث المتعلم على مزيد من العمل والجد والاجتهاد، وتنمي لديه مهارات البحث والتقصي، والالتزام بالمنهج العلمي في البحث عن حلولٍ لمشكلات وقضايا متنوعة يتعرض لها.
ونود الإشارة إلى أن التخوفات الزائدة من سيطرة الذكاء الاصطناعي على سوق العمل واحتلاله للوظائف التي يؤديها العنصر البشر باتت أمرا باليا؛ لأن هذا النمط من العلوم تستند في فلسفة عملها على العقل البشري المبتكر بطبعه، ومن ثم فمسارات تطويره، وآليات تقدمه يصعب أن تتعدى حدود العقل البشري، وفي خضم العملية التعليمية يمكن للمعلم أن يطور من ممارساته التعليمية في مستويات التخطيط والتنفيذ والتقويم الرقمي؛ ليستطيع أن يستثمر بشكل فاعل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتعددة والمتنوعة.
والمعلم القادر على استخدام وتوظيف تطبيقات الذكاء الرقمي يستطيع أن يتخذ من القرارات ما يثرى الموقف التعليمي، برغم ما قد يواجه من تحديات أو صعوبات قد تتعلق بالمتعلم أو بالمحتوى التعليمي وما يتضمنه من خبرات متنوعة؛ إذ توفر له هذه التطبيقات المزيد من البدائل والحلول الإجرائية التي من شأنها أن توجد المناخ التعليمي الفعال لطرفا العملية التعليمية.