بقلم ✍️ أ.د.مها عبدالقادر
(أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
أضحت الشائعات تنتشر بسرعةٍ فائقةٍ عبر التقنيات الرقمية وعلى الأخص مواقع التواصل الاجتماعي غير المنضبطة؛ إذ تسمح للفرد أو لمجموعاتٍ بنشر وتداول أخبارٍ لا ترتبط بالواقع الفعلي أو تشكل جزءً ضئيلاً منه، ومن هنا يمكننا القول بأن زرع الشائعات بين فئات المجتمع بغض النظر عن مستوى الوعي الثقافي، قد يرجع الأمر لندرة المعلومات حول القضية محل الشائعات، أو لأسبابٍ متباينةٍ يصعب تناولها بصورةٍ مفصلةٍ.
ولنا أن نتصور حجم الشائعات المغرضة المتداولة بصفةٍ يوميةٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال مروجين لا يمكن وصفهم إلا أنهم خونةٌ ومأجورين وينتمون لأجنادتٍ خارجيةٍ تسعى لتهديد السلم المجتمعي وتكدير الصفو العام ونشر الفتن بغرض التفرقة وتنامي الحقد والبغض بين أطياف المجتمع وتزايد الخلاف بين المجتمع ومن يقوم بإدارة شئون البلاد.
وبرؤيةٍ خاصةٍ تُعد الشائعات المغرضة سواءً على مواقع التواصل الاجتماعي أو بالوسائل التقليدية جريمةً ينبغي أن يُعاقب مرتكبها ومن يساعده على ترويجها أشد العقاب؛ نظرا للأثر البالغ الذي يؤدي إلى بث الزعر والقلق والخوف والتوجس من المستقبل، بل ويصل الأمر للإحباط وفقد الثقة بين جمهور المجتمع وحكومته، يضاف لذلك سلبياتٌ يصعب حصرها تنال من جهود وإنجازات الدولة وقيادتها السياسية على وجه الخصوص.
والأستاذ الجامعي وفق طبيعة دراسته التي تعتمد على المنهج العلمي والتفكير العقلاني والمَقدرة على الاستنباط والاستنتاج والكشف عن الواقع بآلياتٍ علميةٍ متباينةٍ، وتحريه الشواهد والدلائل قبل إصدار الأحكام، ومطالعته لكل جديدٍ على الساحة، ومن ثم يستطيع وببراعةٍ أن يدرب ويعلم ويوعي طلابه نحو مخاطر الشائعات وكيفية التصدي لها وتحري مصادر المعلومات واللجوء للمصادر الرسمية عند استقاء المعلومات التي تنهال عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعديل الاتجاهات يمكن أن يحدث من خلال أستاذ الجامعة الذي يمتلك مقومات التعديل في الاتجاه الإيجابي؛ إذ يتميز بثقافةٍ عميقةٍ تجاه القضايا التي تُعد محل جدال، وفي ضوء مسار المنهج العلمي وخطواته المنضبطة وتبنيه لاستراتيجياتٍ وطرائق متجددةٍ في الكشف عن أنماط الفهم الخطأ لدى طلابه؛ حيث يمكنه تعديل أو توصيف أنماط الفهم الخطأ التي اكتسبوها من مصادرٍ غير أصيلةٍ وتُوصف بأنها أوعيةٌ غير موثوقةٍ.
كما يمكن للأستاذ الجامعي أن يدرب طلابه على أسلوب وخطوات حل المشكلات التي تواجههم في الحياة العلمية والعملية والمعيشية؛ فتصبح طريقة تفكيرهم تعتمد بصورةٍ أساسيةٍ على التفكير الناقد والتأملي والاستنتاجي بما يُمكنهم من فحص وتحليل ما يُعرض من معلوماتٍ قد تشكل جزءً كبيراً منها شائعاتٌ مغرطةٌ تستهدف النيل من وطنهم وتسعى للتخريب وهدم المقدرات المادية والبشرية على حدٍ سواءٍ؛ إذ تستهدف تغييب العقول وتزييف الفكر الذي يؤدي إلى التطرف والمغالاة في تناول قضايا الوطن الشائكة.
وللأستاذ الجامعي مقدرةٌ لا يستهان بها على تعضيد النسق القيمي الذي يؤمن به المجتمع ويسير على هداه؛ حيث يستطيع أن ينمي بصورةٍ مقصودةٍ الجانب الأخلاقي لدى طلابه بأسلوب القدوة في سلوكيات التعامل وطرائق الحوار التي تقوم على آداب وأسس معلومةٍ، ومن ثم يعدل من سلوكيات طلابه في الاتجاه المرغوب، ويعالج السلوكيات غير القويمة عبر أسلوب القدوة والنمذجة فائقى التأثير.
ويستخدم الأستاذ الجامعي الخبير في مجاله دوما أسلوب المناقشة والحوار والإقناع والحجة مع طلابه؛ ليعودهم على النهج السليم، ومن ثم يتقبلونه ويحرصون على استقاء المعرفة والفكر الإيجابي منه، وهذا يتطلب من الأستاذ كقدوةٍ وخبيرٍ وموجهٍ ومرشدٍ أن لا يتبع أساليب الوعيد والتهديد ويجعل من التعزيز والتغذية الراجعة حجر الزاوية في تصويب الفكر وتقبل الآراء؛ كي لا يصنع حاجزا معنويا يمنع طلابه من التواصل المباشر معه، ومن ثم يلجأون لمنعطفات تزييف الفكر عبر المنابر المغرضة والكاذبة.
وتعضيد الولاء والانتماء لدى الطلاب واحترام رموز الدولة مهمةٌ رئيسةٌ للأستاذ الجامعي من خلال تدريسه لطلابه؛ فيحرص على تعميق مفهوم ماهية الدولة والحفاظ على مقدراتها وحماية وصيانة أرضيها، وهناك الممارسة الفعلية والعملية من خلال الأنشطة الابتكارية التي تساعده في أن يحقق هذه الأمور، ومن ثم يُحصن طلابه ضد ما يُثار من شائعاتٍ معاديةٍ للدولة تحمل الكذب والأفتراء والبهتان بصورٍ شتى بتنمية الوعي لديهم وطرق الحصول علي المعلومات الصحيحة الموثقة من مصادرها الرسمية بالدولة.
حفظ الله جمهوريتنا الجديدة، وحفظ شبابنا حاملي لؤاء العلم والتنمية، ووفق االله الجميع لسُبل الخير والرشاد.