»»
بقلم ✍️ أ.د عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة- جامعة الأزهر)
يقوم التعليم في مكنونه على مسلمة تعديل السلوك لدى المتعلم في الاتجاه المرغوب فيه، بل هناك ضرورة لتكراره، حتى تُكتسب خبرة التعلم، ومن ثم تزيد ثقة الطالب بنفسه وتقديره لأستاذه، والواقع التدريسي يشير عبر مفرداته إلى معضلة فحواها أن الطالب لم يعد صبوراً مثابراً متحملاً، كما كان من ذي قبل؛ نتيجة للتسارع التقني الذي يعيش زخمه، ومن ثم يفقد تركيزه لفترات طويلة؛ لذا توجب ضرورة البحث عن آليات تساعد في إيجاد مناخ تعليمي فعال يقوم على معايير وتخطيط مسبق يقتنع بمكنونه من يقوم بالتدريس، ويجني ثماره طلابهم، بمرحلة تعليمية تؤهل خريجيها لامتلاك مهارات سوق العمل المحلي والإقليمي والعالمي؛ ليتأكد لدى القائمين على العملية التعليمية بمراحلها المختلفة التزامهم بما تنادي به الدولة المصرية الحبيبة بتحقيق تنمية مستدامة في مجالات العلم والعمل؛ لتحقيق غاية تسعى إليها المجتمعات قاطبة، وهي امتلاك مفردات جودة الحياة.
ويتطلب المناخ التعليمي الفعال توافر بيئة فيزيقية مكتملة من حيث مناسبة مكان التعلم لخصائص الطلاب، وطبيعة المهام التي تؤدى بها، مع توافر الإضاءة والتهوية والمواد والأدوات والوسائل والتقنيات اللازمة لتحقيق أهداف التعلم؛ فيلزم القيام ببعض الأنشطة توافر عدد من المتطلبات، والتي في مقدمتها تجهيز مكان التنفيذ سواء بمكان الدراسة، أو بالمعمل، أو الورش، أو أي مكان يرتبط بالمؤسسة التعليمية تراه مناسبا.
وفي ضوء ذلك ينبغي على الأستاذ تنظيم البيئة الفيزيقية بما يفي باحتياجات عمليتي التعليم والتعلم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مراجعة الإضاءة والوصلات الكهربية اللازمة لتشغيل الوسائل التعليمية أو الأجهزة المعملية أو التقنيات التكنولوجية، كذلك تنظيم عمل المجموعات وترتيب أماكنهم، والتأكد من فعالية المواد وعمل الأجهزة والتقنيات، وغير ذلك من الأمور التي تساعد على إنجاز مهام الأنشطة التعليمية المخطط لها سلفاً، وبما لا يدع مجالاً للشك فإن ذلك يعين كل من الأستاذ وطلابه الشراكة في إدارة الموقف التدريسي على نحو يسهم في إنجاز الأهداف التعليمية المستهدفة.
وتتضمن صورة المناخ التعليمي الفعال الجانب السيكولوجي للطلاب، والذي يراعى من قبل الأستاذ في تعامله معهم واحترام آرائهم وتقدير جهودهم، وبث الطمأنينة فيما بينهم، بما يشجعهم على المشاركة الإيجابية، ويحسن من العلاقات الاجتماعية، ويزيد من مهارات التواصل الكلي فيما بينهم، كما يقوي الثقة بالنفس لديهم؛ لذا ينبغي على الأستاذ أن يحفز طلابه لمعايشة أحداث التدريس بغية اكتساب خبرات جديدة وربطها بما لديهم من خبرات سابقة، وهذا ما يؤدي إلى كسر الرهبة التي تعتري بعض الطلاب، والتي قد تصل إلى حد الخوف أحياناً في تعاملهم مع أستاذهم في الموقف التدريسي؛ حيث ينتاب البعض منهم، شعوراً أو اعتقاداً بأن الأستاذ لا يسمح بمجادلته أو الرد عليه أو المداخلات التي قد يشوبها الخطأ من ناحيتهم؛ وذلك يجنبهم الإقبال على المشاركة وتفضيل الاستماع أو الانصات لأستاذهم، وأحياناً يصل الأمر ببعضهم إلى الهروب أو الانسحاب من المناقشة والحوار؛ لذا ينبغي السماح لهم بالتعبير عن أراءهم وتخلصهم من التمركز حول ذواتهم.
وتكتمل صورة المناخ التعليمي الفعال بتهيئة الجانب المعرفي لدى الطلاب لاستقبال الخبرات الجديدة دون توتر أو تعارض بين ما يمتلكه الطلاب من خبرات وما يود الأستاذ إكسابه لهم؛ لأن ذلك يؤدي بداية إلى صراع معرفي يسهم بالتبعية إلى إخفاقهم في تحقيق الهدف المرتقب الوصول إليه، ومن الملاحظ أن المناخ التعليمي في جملته إما أن يسمح للطالب ببذل جهد واضح في ضوء طبيعة المهمة التي يكلف بها وأن يستقبل من أستاذه الرسالة متمعناً تفاصيلها، وإما أن يعزف عن المشاركة أو لا يعير رسالة أستاذه الاهتمام المطلوب؛ لذا لابد أن يتأكد الأستاذ قبل وأثناء التدريس من توافر مؤشرات المناخ التعليمي الإيجابي والداعم لتحقيق أهداف موضوع التعلم، ولا شك أن ذلك يتطلب تخطيطاً مسبقاً لبعض مكوناته، ومراجعة مستمرة لبيئة التعلم، ليعمل على الحد من الصعوبات أو التحديات التي قد تواجهه بصورة إجرائية، بأن يوفر البديل مثلاً عند صعوبة توافر متطلب ما، وعليه نستطيع القول بأن المناخ التعليمي الفعال يعد مكون رئيس من مهارة إدارة الموقف التدريسي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل الأستاذ.
ويعد معرفة الأستاذ بالتوجيهات التي تسهم في مقدرته على التدريس الفعال أمراً مهماً؛ حيث يؤدي ذلك إلى نجاحه في إدارة الموقف التدريسي وفق مفرداته الداعمة، والتي منها ضرورة الالتزام بالجدول الزمني، والحرص على تجنب الأعمال الروتينية التي تحدث الملل في نفوس طلابه، والسيطرة على المشكلات الطلابية مبكراً، مع التأكيد على العدالة في جميع الأمور، ومراعاة الفروق الفردية بين طلابه، ومشاركتهم في وضع قواعد النظام، اللازمة لضبط الموقف التدريسي، وتجنب التمييز والعقاب الجماعي، والمغالاة في العقاب أو حتى الثواب، إلى غير ذلك من الأمور التي تعمل على تكوين مناخ تعليمي يتسم بالفعالية.
وتتباين المشكلات التي قد تحدث خللًا متوقعًا في توافر المناخ التعليمي الفعال؛ فمنها ما يكمن في جمود المحتوى التعليمي الذي قد ينتج عن تعدد المهام الملقاة على عاتق الأستاذ، وبالتالي ندرة مطالعته لكل ما هو جديد عبر بنوك المعرفة الرقمية، مما قد يؤدي إلى ثبات الجانب الأكاديمي لديه، وضعف مواكبة أهداف المادة المتعلمة لمتطلبات سوق العمل المحلي والعالمي، ولا مناص هنا عن مزيد من مطالعة مصادر ومراجع علمية حديثة أجنبية وعربية ذات صلة بالمادة المتعلمة، ومن ثم ينبغي التأكيد على وظيفية المعرفة المقدمة من خلال محتواها العلمي.
ومن المشكلات التي قد تحدث خللًا متوقعًا في توافر المناخ التعليمي الفعال صعوبة الربط الوظيفي بين أجزاء موضوعات المادة وبين المواد الدراسية وبعضها البعض؛ حيث يتأتى من صعوبة الربط بين جوانب التعلم المعرفية والمهارية والوجدانية لدى الطلاب من قبل الأستاذ، ومن تجاهل حصر أوجه الغموض بين ثنايا موضوعات المواد الدراسية ودعمها بتغذية راجعة مخطط لها مسبقاً؛ بالإضافة إلى مشكلات الأداء التدريسي وفي صدارتها ضعف الاهتمام بإثارة الدافعية لدى الطلاب مما يحد من جذب انتباههم باستمرار نحو موضوع التعلم أثناء الموقف التدريسي، ويعمل على حدوث إشكالية في إدارته، والتي منها التسرب الفكري أو السرحان أو الانشغال مع الغير أو إشغال الغير، أو التسبب في إحداث قلاقل.
ولا مناص من مراجعة الأستاذ لعوامل جذب الانتباه، كطرح أسئلة على الطلاب دون تحديد من الذي سيجيب عنها، وجعل عملية الاختيار عشوائية، وهنا يعتقد كل طالب بأنه مستهدف فينشط فكره ليصل للإجابة عن السؤال، أو ينتبه لإجابة أحد أقرانه الذي وقع عليه الاختيار، ليقارن إجابته بالإجابة الصحيحة، أيضاً طلب تفسير لبعض المواقف، أو الأحداث، أو الأفكار المتناقضة، والمرتبطة بموضوع التعلم يعمل على جذب الانتباه، والتنويع في مهارات التدريس بمعنى أن ينتقل الأستاذ من الإلقاء إلى المناقشة والحوار أو العرض العملي أو تقديم تغذية مرتجعة لسؤال يصعب الإجابة عنه، إلى غير ذلك من الأداءات التدريسية المتميزة.
ويقع الطلاب في إشكالية واضحة عند تباين الرأي حول قضية ما، تتمثل في التعصب والحدة في التناول قد تنتهي بصدام، ومن ثم ينبغي أن نتدارك خطورة الموقف، وتوجب على الأستاذ التذكير بقواعد المناقشة والحوار التي لا بد أن يراعيها، كما توجب القناعة بأن الديمقراطية تقتضي قبول الآخر، وأن الاقتناع ينبغي أن يقوم على أدلة لا خلاف عليها، ويرتبط بذلك مسألة خروج بعض الطلاب عن الأعراف أو القوانين والقواعد واللوائح المتعلقة بسلوكياتهم؛ حيث إن التغاضي عن الأخذ بها وتطبيقها على جميع الطلاب بعدالة، يعد دعوة صريحة للفوضى والارتجال ويشجع على ارتكاب المزيد من الأخطاء والمخالفات، وينتقل ذلك دون مواربة إلى إدارة الموقف التدريسي.
وحري بالذكر أن الموقف التدريسي بالبيئة الجامعية لا ينفك عن صورته المتعارف عليها لدى أعضاء هيئة التدريس، والتي قطعا لا تسمح بالفوضى والارتجال؛ فهناك الممارسات التي يؤكد عليها القائم على إدارة الموقف التدريسي، والتي يحث من خلالها طلابه بأهمية تبادل الاحترام، والتعاون، وتقدير الجهود، وتقبل الآراء والأفكار مع تجنب نقد أصحابها، وإمكانية البناء على تلك الآراء والأفكار، وتشجيعهم على المشاركة بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بمواعيد اللقاءات التدريسية أو التدريبية وجدولها الزمني، وهذا ما يتيح الفرصة كاملة لأن يمارس الأستاذ أدواره المنوطة به، وكذلك طلابه، وبالتالي تتحقق نواتج التعلم المرتقبة.
ويتفق التربويون على أن التدريس ينبغي أن يؤدي إلى تنمية مهارات التفكير العلمي لدى الطلاب وفق المجال التعليمي النوعي، ومن ثم فإنه لا مناص عن المناقشة والحوار وفق أسس وقواعد وآداب معلنة تضبط سيرها وتحقق فعاليتها، وتساعد على الاحترام، وتسهم في تبادل الخبرات، وتعمل على إشاعة مناخ من الديمقراطية، وبالتالي تذوب الرهبة وتزيد المشاركة الطلابية، وفي المقابل يتم تصوب المعتقدات الخطأ نحو المناخ التعليمي القائم؛ حيث يتوارث الطلاب معتقد سائد يتمثل في ممارسة الأستاذ الحزم والشدة المفرطة التي يستخدمها في الموقف التدريسي تجاه أي سلوك أو تصرف يكون بقصد أو بغير قصد قد يصدر عن الطالب، ولا يتقبله أستاذه؛ لذا بات ضروريا دحض مثل هذه التصورات الخطأ، وذلك بالعمل على إيجاد مناخ اجتماعي ونفسي يوصف بالإيجابي، ويتسم بالمودة والرحمة والتسامح، بما يضمن بالضرورة تكوين الاتجاهات الإيجابية لدى الطلاب نحو مادة التعلم والقائم على تدريسها.
وفي ضوء ما تقدم يصعب حصر مقومات المناخ التعليمي الفعال؛ إلا أن لها مؤشرات وممارسات يؤديها أستاذ المادة لا تنفك عن ضرورة تجنبه القيام بالأعمال الروتينية، وحرصه على الالتزام بالجدول الزمني، وتبنيه لفكرة العدالة الناجزة، ومن ثم السيطرة المبكرة على المشكلات، ومراعاة الفروق الفردية، والتأكيد على المشاركة الطلابية، ويتوجب على الأستاذ أيضا أن يتأكد من مناسبة البيئة الفيزيقية، ويهتم بتوظيف التقنيات الرقمية مع تمكنه من الجانب الأكاديمي للمادة.
وبات ضرورياً على الأستاذ التنبؤ بردود أفعال الطلاب، والعمل على تفعيل مهارات التواصل الكلي، ومن ثم الاهتمام باستفسارات وتساؤلات الطلاب، وتحديد مسؤولياتهم، مع الأخذ في الاعتبار تجنب تعميم العقاب الجماعي، والتمييز بين الطلاب، والتأكيد على أهمية موضوع التعلم، مع ضرورة الالتزام بوقت بدء فعاليات التدريس وانتهائه، وتحليه بالثبات الانفعالي، والذي يظهر تقبله لاستجابات الطلاب، وتجنبه المغالاة في العقاب والثواب.
ويؤهل المناخ التعليمي الفعال الأستاذ في إقامة فعاليات تدريسية ثرية بعيداً عن النمطية والتقليدية التي تورث في نفوس الطلاب الملل والعزوف؛ لذا يتوجب عليه امتلاك مهارات التدريس الفعالة، والتي تسهم في تعزيز مقدرته على إدارة الموقف التدريسي بكفاءة واقتدار متلازمين، ولا ضير من أن ذلك يرتبط بالمحافظة على قواعد العمل في البيئة التعليمية والمتفق عليها مسبقاً مع الطلاب؛ لضمان إشاعة مناخ يوصف بالنظامي، يؤدي حتماً إلى فاعلية البيئة التعليمية، وتحقيق الأهداف المرتبطة بموضوع التعلم، والاعتراف بتعدد المشكلات التي تقف حائلاً في الحصول على مناخ تعليمي فعال.. ودي ومحبتي.
[email protected]