استدرجه ليلا.. ذبحه بسكين.. ووضعه فى برميل
الشيطان لعب بدماغه .. حرق الجثة ورماها فى النيل
المتهم: “ضربني على قفايا .. وشتمنى بألفاظ وحشة”
كتب – عبدالرحمن أبوزكير :
“آخرة المعروف الضرب بالكفوف”.. مثل شعبي عرفناه منذ قديم الأزل، للتعبير عن المواقف التي يصنع فيها المعروف والإحسان في غير أهله، وربما ترتبط قصة ذاك المثل مع أعرابي شهم، حيث يُحكى أن جماعة من العرب خرجت للصيد، فعرضت لهم أنثى الضبع فطاردوها، وكان العرب يطلقون عليها “أم عامر”، وكان يومها الجو شديد الحر، فالتجأت “الضبع” إلى بيت رجل أعرابي، فلما رآها وجدها مجهدة من الحر الشديد، ورأى أنها استنجدت به مستجيرة، فخرج شاهرًا سيفه، وسأل القوم: ما بالهم؟ .. فقالوا: طريدتنا ونريدها، فقال الأعرابي الشهم الذي رق قلبه على الحيوان المفترس: إنها قد أصبحت في جواري، ولن تصلوا لها ما دام هذا السيف بيدي، فانصرف القوم، ونظر الأعرابي إلى “أم عامر” فوجدها جائعة، فحلب شاته، وقدم لها الحليب، فشربت حتى ارتدت لها العافية، وأصبحت في وافر الصحة.
وفي الليل نام الأعرابي مرتاح البال فرحًا بما فعل للضبع من إحسان، لكن أنثى الضبع بفطرتها المفترسة نظرت إليه وهو نائم، ثم انقضت عليه، وبقرت بطنه وشربت من دمه، وبعدها تركته وسارت.
وفي الصباح حينما أقبل ابن عم الأعرابي يطلبه، وجده مقتولًا، وعلم أن الفاعلة هي “أم عامر أنثى الضبع”، فاقتفى أثرها حتى وجدها، فرماها بسهم فأرداها قتيلة.
وقد أنشد أبياته المشهورة التي صارت مثلاً يردده الناس حتى وقتنا هذا:
ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله ِ ** يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ امِّ عامر ِ
أدام لها حين استجارت بقــــــربهِ ** طعاماً وألبان اللـــقاح الدرائــــــر ِ
وسمـَّـنها حتى إذا مـــــا تكاملـــتْ ** فـَـرَتـْهُ بأنيابٍ لها وأظافــــــــــــر
فقلْ لذوي المعروفِ هذا جزاء منْ ** بدا يصنعُ المعروفَ في غير شـاكر ِ
وما فعلته “أم عامر” مع ذاك الأعرابي الشهم، فعله “عبدالحميد.أ.ي.ا” الشهير بـ ” الضبع ” أيضًا، ويبدو أن لاسمهما صلة بالخسة والندالة، بعدما تنكر المذكور لفعل المعروف الذى صنعه معه – عديله – الموظف بهيئة السكة الحديد في محافظة قنا، بعد أن تعامل معه بكل نبل، يستضيفه في منزله من حين لآخر، ويقف بجانبه إذا ضاقت به الدنيا، وما إن لجأ إليه طالبًا إقراضه مبلغًا من المال لتجاوز ظروف مالية صعبة، لم يتوان للحظة عن مد يد العون، ويمنحه المبلغ المطلوب.. ولم يكن يعلم أنه سيدفع حياته يومًا ما ثمنًا لهذا المعروف، بعد أن تنكر له “الضبع” وقابله بمكر وقلب أسود مثلما فعلت “أم عامر” مع الإعرابي.
نعم .. لقد فعل “الضبع القناوى” بصاحبه، مثلما فعلت “أم عامر” بالإعرابى الذي أكرمها وأنقذها من الموت، فبعد أن أقرض موظف هيئة السكة الحديد بقنا – عديله – الذي يمتلك مصنعا داخل المنطقة الصناعية بكلاحين قفط، مبلغا من المال ليسدد ديونه، أنكر الأخير هذا المعروف وكان الجزاء أن استدرج الرجل الذي مد له يده، وتخلص منه بطريقة وحشية .
تفاصيل الواقعة التى ترصدها “المساء” كشفها بلاغ تلقته مباحث مركز شرطة قوص بمحافظة قنا، بتاريخ ٢١ / ٧ / ٢٠٢٢ ، بالعثور على جثة متفحمة داخل برميل صاج محكم الغلق بجوار مرشح المياه على شاطئ نهر النيل أمام قرية الحمر والجعافرة بدائرة مركز قوص، فانتقلت على الفور قوة أمنية برئاسة النقيب محمد الشامى معاون مباحث مركز قوص إلى محل البلاغ.
ونظرا لما تمثله الواقعة من تعد سافر على النفس البشرية المكرمة من الله سبحانة وتعالى، وبناء على توجيهات اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، وباستخدام أحدث وسائل التتبع والكاميرات وفحص الغائبين الذين تتناسب مواصفاتهم نوعا وسنا مع الجثة المعثور عليها، وتحليل البصمة الوراثية DNA لفحص حالات الغياب المشتبه فيها، وبعد إجراء التحريات الجادة تم التوصل إلى شخصية المجنى عليه وتبين أنه يدعى “عبدالباسط.أ.أ.أ” ٥٥ سنة موظف بالسكة الحديد، ومقيم بقرية الكراتية بدائرة مركز قوص.
وبتكثيف التحريات التى أمر بها اللواء محمود توفيق وزير الداخلية تم التوصل إلى أن مرتكب الواقعة -عديل- المجنى عليه المدعو “عبدالحميد.أ.ي.ا” وشهرته عبدالحميد الضبع، ٤٥ سنة حاصل على ليسانس دراسات إسلامية، وصاحب محل زيوت بمحل إقامته بقرية العربات التابعة لناحية البحرى بدائرة مركز نقادة، ويمتلك مصنع صغير بالمنطقة الصناعية بكلاحين قفط.
وباستدعاء زوجة القتيل المدعوة “هبة.ف.ح.خ” تعرفت على جثة زوجها واتهمت المدعو عبدالحميد الضبع، بقتله،
وبعد استئذان النيابة تمكنت قوة أمنية من ضبطه، واعترف بارتكاب الواقعة وقام بتمثيلها بحضور فريق من النيابة العامة.
اعترافات المتهم
وفى التحقيقات التى تابعها وأشرف عليها المستشار طارق بكر المحامى العام لنيابات قنا، وتولاها محمد ضاحى رئيس نيابة قوص الجزئية بسكرتارية عادل محمود رئيس القلم الجنائي بنيابة قوص الجزئية، وبسؤال المتهم حول تفاصيل ارتكابه الواقعة محل التحقيق أجاب قائلا: “اللى حصل أنا كنت بأمر بضائقة مالية من فترة قبل عيد الأضحى واتصلت ب “عبدالباسط” لأن فى علاقة مصاهرة بينا وهو “عديلى” وطلبت منه يدخل معانا شريك فى المصنع بتاعى مقابل أنه يديني فلوس علشان أسدد بيها الفلوس اللى عليا وقالى بعد العيد تتسهل إن شاء الله.. وبعد كده رنيت عليه قبل العيد بيومين ويوم الخميس ٣٠ / ٦ / ٢٠٢٢ قلت له عملت ايه فى الموضوع اللى قلتلك عليه قالى إن شاء الله بعد العيد تجيلى ونروح مع بعض المصنع. قولت له “تمام”.. وبعد العيد ماخلص رنيت عليه وقالى اصبر عليا شوية لحد ما جهز الفلوس واظبط أمورى .. وبعد كده رنيت عليه يوم الأربعاء الموافق ٢٠ / ٧ / ٢٠٢٢ علشان أشوف عمل ايه قالى تعالى بكره ونروح مع بعض المشوار بتاعنا قولت له خلاص هيجيلك بكره البيت.. قالى متجيش البيت علشان المشاكل .. قلت له خلاص هستناك على رأس الشارع بالعربية وأنت عارفها، قالى خلاص تمام.
أضاف المتهم : صحيت تانى يوم ورحت بالعربية بتاعتى أنا وواحد سواق اسمه “محمود.أ.م”، ورنيت عليه قلت له أنا تحت .. قال لى نازلك علطول وبعد كده ركب معايا العربية وطلعنا على المصنع فى “مركز قفط” أول ما وصلنا السواق مشى وبعد كده دخلنا المصنع ورحت جبت أكل من بره المصنع ورجعتله، وبعد كده قعدت افرجه على المصنع.. وطلعنا فوق جنب المعدات على سلم حديد وبعد كده وإحنا طالعين حصلت بينا مشادة كلامية راح ضربني على قفايا بالقلم قلت ليه عملت كده، وبدأ يشتمنى بألفاظ مش كويسة .. وبعدين أنا قلت له خلاص خلاص ، وتعال اشغلك المكنة وأفرجك عليها ، بس هو مبطلش شتيمة فيا، روحت أنا اتضايقت من كلامه وزقيته لورا فوقع على راسه من على السلم ودماغه اتخبطت على السلم ومات على طول.
وأضاف المتهم في أقواله: بعد كده معرفتش أعمل ايه، وقعدت قباله شوية وبعد كده جبت برميل حديد وحطيته فيه وبعدها جبت شوية جاز علشان أحوش بيهم الدم من على السلم، وبعد ما حوشت الدم من على السلم كبيت عليه شوية جاز وولعت فيه النار علشان أخفى آثار الجريمة، بعد كده سبته وقعدت بره المصنع حوالى ساعة ورجعت لقيت النار طفيت ورحت قافل البرميل بالغطا بتاعه وبدأت اطلع البرميل برا المصنع علشان أنا ليا سمعة فى السوق .. وأنا واقف برا المصنع جه واحد اسمه “عثمان” خفير قالى ايه البرميل ده ؟ .. قلت له ده برميل هروحه البيت.. قالى هتاخدوا على ايه؟ قلت له أى عربية أو توتوك هيعدى هاخدوا وأروح، وبعدها بشوية جه عيل صغير معرفش اسمه سايق موتوسيكل قالى ازيك ياعم عبدالحميد قلت له: أنت مين يا ولدى؟ قالى أنا اعرفك من زمان قلت له يا ولدى خدنى معاك لحد الكوبرى على النيل بتاع قوص، قالى ماشى، وقولت لعثمان الغفير: ارفع معايا البرميل ده حطوا قدامى على الموتوسيكل ومشيت أنا والولد الصغير ونزلني على كوبرى محور قوص علشان استنى عربية رايحة نقادة، وبعد ما الولد سابنى ومشى أنا رميت البرميل من على الكوبرى، وبعدها مشيت شوية لآخر الكوبرى وركبت عربية وروحت البيت.. وتانى يوم الصبح روحت الورشة بتاعتى فى قرية العربات بالبحرى قامولا فى مركز نقادة ، وبعد ما فتحت الورشة روحت أجيب فطار قابلني واحد وقالى في عربيتين حكومة فى بيتك.. فرنيت على مراتى قولتلها مين اللى عندك قالتلي الظباط بيسألوا عليك و عطتنى الظابط وقالى تعالى على المركز علشان عايزينك قولت له حاضر ، وأول مارحت ليه جابونى النهاردة على النيابة .. وهو ده اللى حصل.. وبسؤاله عن علاقته بالمتوفى أجاب: هو عديلى واخد أخت مراتى”.
تحريات المباحث
وكشفت تحريات النقيب محمد الشامى معاون مباحث مركز قوص، أن سبب الجريمة أن المتهم كان يمر بضائقة مالية واقترض مبلغ مالى من المجنى عليه وعجز عن سداده فقرر التخلص منه وقام باستدراجه إلى المصنع وقام بغلق أبواب المصنع واعد سكين حديدي كبير الحجم وقام بفصل التيار الكهربائى عن المصنع لتعطيل الكاميرات الموجودة بالمكان من الداخل والخارج وطلب منه الدخول إلى المصنع للتعرف على المكان ثم طلب منه الصعود إلى برج حديدي خاص بالمعدات المستخدمة فى المصنع وقام بدفعة من على السلم حتى سقط أرضا وإنهال عليه بالسكين طعنا وضربا حتى أيقن انه فارق الحياة، وقام بوضعه داخل البرميل إلى خارج المصنع ووضعه علي دراجة بخارية والقائه فى محور النيل بقوص.
تقرير الطب الشرعى
فجر تقرير الصفة التشريحية لجثة المجنى عليه الذى أعده الدكتور وليد رجب أمين، مدير منطقة قنا للطب الشرعى، والمقيد تحت رقم ٢٠٢٢٠٤٧١٠٠٠٠٥١٩ أن الجروح الثمانية المشاهدة بالمجنى عليةهظاهريا وما أحدثته تشريحيا بالرأس والعنق هى إصابات حيوية حديثة وذات طبيعة قطعية وقطعية غائرة وطعنية وقطعية رضية وقد حدثت من جسم أو أجسام صلبة ذات حافة حادة أيا كان نوعها، وهى جائزة الحدوث من الأداة المنوه عنها فى مذكرة النيابة عبارة عن سكين حديدي كبير الحجم ذات نصل حاد.
وعقب إنتهاء تحقيقات النيابة العامة، أمر المستشار طارق بكر المحامي العام بنيابات قنا الكلية بسكرتارية أحمد فتحي، بإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز سلاح أبيض سكين دون مسوغ قانوني. وتضمنت قائمة أدلة الثبوت التي أعدها حازم ابوعقيل وكيل النيابة بنيابة قنا الكلية؛ ملاحظات النيابة العامة من بينها قيام المتهم بإجراء معاينة تصويرية مثل فيها المتهم ارتكابه الواقعة بمسرحها
وبعد تداول القضية داخل أروقة المحكمة، التى استمرت لعدة حلسات ، وفى الجلسة السابقة بدأت الوقائع بقيام جبريل العقيصي كبير حجاب محكمة استئناف جنوب الصعيد بالنداء علي المتهم فأجاب بنعم .. وقام المستشار أحمد حسن غلاب رئيس محكمة الجنايات بمواجهته بقرار الإحالة فأنكر الاتهامات الواردة في القرار.. وفى نهاية الجلسة أصدرت المحكمة حكمها – حضوريا – باحالة أوراق المتهم “عبدالحميد.أ.ي” إلى فضيلة المفتى لأخذ الرأي الشرعي فى إعدامه، وحددت جلسة ٢٨ من نوفمبر الجارى للنطق بالحكم.
أصدر الحكم المستشار أحمد حسن غلاب رئيس المحكمة، بحضور المستشارين تامر الأمير الطاهر وياسر عرفة عارف الرئيسين بالمحكمة، وبأمانة سر أحمد جمال مدير الإدارة الجنائية بمحكمة استئناف جنوب الصعيد ومحمد عبدالوهاب ومحمد صلاح العدوى مدير تنفيذ الأحكام بنيابة قنا الكلية وجبريل العقيصى كبير حجاب محكمة استئناف جنوب الصعيد.