»» بقلم ✍️ أ.د مها عبد القادر
(أستاذ أصول التربيةكلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
تبذل الدولة المصرية وقيادتها الرشيدة جهودا متواصلة لنشر التعليم وبناء قدرات أفراد المجتمع في جميع مناشط الحياة المختلفة، وتكمن أهمية تعليم الكبار ومحو الأمية في أنهم أكثر الطرق المناسبة للإسراع بالتنمية وتحقيق الاستدامة المعني بها فئة الكبار العاملين، ومن لديهم القدرة على الإنتاج ولديهم الرغبة في التعليم أو حرموا منه لظروف متعددة.
ويتسم تعليم الكبار بالمرونة والتنوع، وله صور متعددة ومستويات مختلفة؛ ومن ثم يساعد الأفراد في مواجهة التحديات التي يفرضها عالم سريع متغير؛ فهو يستهدف إتاحة الفرصة المتكافئة للتعلم أمام الأفراد الذين لم ينالوا القسط الكافي من التعليم لأسباب متباينة، كذلك يستهدف تكوين المجتمع المتعلم الذي يقوم على اكتساب المعارف واستعمالها وتجديدها، وهذا يعني إتاحة الفرصة أمام الجميع للوصول إلى المعرفة وصولا إلى توليدها وإنتاجها.
وتعد الأمية مشكلة قديمة ومتراكمة وتتشابك مع مشكلات مجتمعية أخرى، وتزداد معدلاتها بين الفئات ذوي الظروف الصعبة وخاصة النساء؛ ومن ثم كان توجه القيادة السياسية لحل هذه المشكلة حلا جذريا في تعبئة جهود الدولة لكافة قطاعاتها وأجهزتها الحكومية وفق مسلمة أن النفقات التي تنفقها الدولة لمكافحة الأمية لا يتساوى مع ما يمكن أن تفقده على المستويات السياسية والاجتماعية إذا استمرت الأمية بين أفراد المجتمع.
والسعي للوصول إلى ترقية الحالة الإنسانية باطراد في المعرفة، والتي تعد سبيل بلوغ الغايات الإنسانية في العصر الراهن، وأداة لتوسيع خيارات البشر وقدراتهم للتغلب على الحرمان المادي وغاية تسهم في بناء مجتمع مزدهر وبالتالي تعمل على تحقيق التنمية المستدامة وتؤدي إلى جودة الحياة.
ونظرًا لخطورة مسببات المشكلة وتراجع المسار التنموي على التعليم بصورة عامة، وفي ضوء حرص الدولة على تعليم الكبار ومحو أميتهم؛ فقد دشنت مشاريع تنموية وتم التشجيع على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة وتطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات الأساسية من تعليم وصحة ونقل والإسكان؛ حيث تعد هذه المسائل من أهم أولوياتها القومية، والتي تنعكس بشكل إيجابي على تعليم الكبار.
كما حرصت الدولة خلال السنوات الماضية على إيجاد حلول لمواجهة مشكلة الأمية التي تتجاوز مجرد تعليم القراءة والكتابة؛ لتشمل تنمية الوعي وتعليم المهارات؛ فالأمر لم يعد قاصرًا على محو الأمية الهجائية، بل شمل محو الأمية الرقمية والثقافية والاجتماعية، وتوفير التعليم الأساسي والمهني للكبار، والذي يمكنهم من تحسين فرصهم بالعمل زيادة الدخل.
ولقد وضعت الدولة خطة استراتيجية لإعلان مصر خالية من الأمية بحلول عام 2030، ولتحقيق (الهدف الرابـع) من أهداف التنمية المستدامة والذي شمل ” ضمـان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع”، كما تم إدراجها ضمن رؤية مصر 2030، فقد نص دستور 2014 في مادته الخامسة والعشرين على أن تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار، مع الالتزام بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية خاصة الجامعات المصرية وذلك وفق خطة زمنية محددة.
وركزت الدولة المصرية في جهودها على محو أمية المواطنين في القرى الأكثر فقرًا والمناطق النائية وأصحاب الظروف الصعبة، والتي استهدفتها مبادرة حياة كريمة، فأطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملة محو أمية مليون مواطن، بالتنسيق مع الهيئة العامة لتعليم الكبار والأزهر الشريف والجامعات المصرية وتضافرت الجهود بكل المؤسسات لتقليص نسبة الأمية؛ فساعد موظفون وطلاب الجامعات والمعلمين بالمدارس على محو أمية المواطنين؛ حيث نظمت حملات توعوية وتثقفية لتشجيع المواطنين على الالتحاق بالمدارس والمراكز التعليمية كما توفر دورات تدريبية وورش عمل للكبار.
وكثفت مبادرة حياة كريمة بتوجيهات القيادة السياسية جهودها لتنمية الريف المصري كأيقونة للجمهورية الجديدة؛ لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين، بهدف تحسين النواحي التنموية والاقتصادية والإنسانية وتقديم خدمات أفضل للمصريين، واطلقت منصة رقمية لبث مواد تدريبية لمعلمي محو الأمية وتعليم الكبار، وإتاحة فرص عمل للشباب الخريجين في مشروعات وبرامج محو الأمية بنظام التعاقد الحر، ووضعت الهيئة العامة لتعليم الكبار منهجا يلائم ذوي القدرات الخاصة “نتعلم لنكون”، كما تم فتح فصول خاصة بهم، والاهتمام بتدريب المعلمين والموجهين والفنيين بهيئة تعليم الكبار للإشراف والمتابعة على برامج محو الأمية، والعمل على زيادة عدد المعلمين المتخصصين في محو الأمية تعليم الكبار.
وشاركت الجامعات المصرية بصورة جادة في تدريب الطلاب على كيفية تعليم الكبار، وإكسابهم المهارات اللازمة للتعامل مع هذه الفئة، وإنشاء تخصصات جديدة في كليات التربية تحت مسمى ” تعليم الكبار”، وأصدر المجلس الأعلى للجامعات قرارًا بإلزام طلاب الكليات النظرية بمحو أمية عدد من الأفراد تحدده كل كلية كشرط أساسي للتخرج.
وتم توقيع بروتوكولات تعاون بين الهيئة العامة لتعليم الكبار ومنظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية التي تقوم بمشروعات تستهدف التمكين الاقتصادي والاجتماعي للأفراد بعد حصولهم على شهادة محو الأمية، وإدراج شهادة محو الأمية صادرة من الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، كمتطلب لاستخراج رخصة قيادة، والحصول على عمل، وقد ثمنت وقدرت جهود الدولة عالميًا؛ حيث فازت الدولة المصرية بجائزة اليونسكو عام 2021 ضمن أفضل سته دول طبقت أفضل برامج لمحو الأمية.
ووضعت القيادة السياسية مجموعة من المنطلقات التي تقوم عليها سياسات تعليم الكبار ومحو الأمية لتحقيق الأهداف المنشودة، منها التوجه المستقبلي المستمد من تراث الأمة الفكري والحضاري، والوعي بمكانة الأفراد الكبار ودورهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتوجه الإنساني لأهداف التعليم وبرامجه، ووضع القواعد والأسس العلمية لتنفيذها، والسعي نحو تحقيق ديمقراطية هذا التعليم، ودوام استمرارية تنفيذ وتطوير مجالاته وبرامجه.
وتفعيلًا لماهية الحكم الرشيد الذي تصبو إليه المجتمعات؛ فقد تم تعزيز التعليم لجميع المواطنين وتحقيق الوحدة واحترام حقوق الإنسان وبناء مجتمع خال من جميع أشكال التمييز واللامساواة وتعزيز حب الوطن والمواطنة بين أفراد المجتمع القادر على إنجاح أي برنامج وطني، مع فهم أفضل للمشكلات وتمكين الأفراد والفئات المهمشة والضعيفة من الوصول إلى فرص جديدة، وتعلم أنماط سلوك مستدامة، تكسبهم مهارات تنافسية؛ ليكونوا قادرين على التكيف مع التحديات المهنية واحتياجات سوق العمل
وفي خضم الاهتمام والرعاية غير المسبوق من قبل القيادة السياسية؛ لملف تعليم الكبار ومحو الأمية؛ حيث يشكل واجباً قومياً وضرورية اقتصادية، ويعد بمثابة الطريق للانتفاع بالمعرفة المتراكمة، وتسخير العلم والتكنولوجيا لتحقيق الهدف الأسمى وهو التنمية الشاملة واستدامة الموارد، مما يجعلنا ندرك أهمية هذه الجهود؛ حيث تعزيز مكانة الدولة عن طريق التنمية والاستثمار، والحافظ على الأمن والأمان والسلام والاستقرار؛ فرؤية وفكر وبناء الجمهورية الجديدة يستهدف مواجهة التحديات والقيام بالمسئوليات، مستفيدة من تجارب الماضي متطلعة نحو مستقبل مشرق مزدهر.
حفظ الله جمهوريتنا الجديدة وقيادتنا السياسية الرشيدة وحقق آمال وطموحات شعبها العظيم.