افتتح الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر بالأقصر، فعاليات ملتقى الأقصر لنقد الشعر العربي، في دورته الثانية، إذ جاءت الدورة الأولى للملتقى في شهر مارس من عام 2023م، ويضم الملتقى هذا العام أربعة وعشرين شاعرا وناقدا، يتحاورون حول (تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية الحديثة )
رحب القباحي بالحضور من ضيوف الملتقى وجمهور بيت الشعر، مشيدا بجهود دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، التي أطلقت قبل عامين مسابقة الشارقة لنقد الشعر العربي استجابة لمبادرةصاحب السموالشيخ الدكتورسلطان بن محمدالقاسمي حاكم الشارقة في إطلاق هذه الجائرة لسد الفراغ القائم في ضعف المتابعات النقدية للإبداع الشعري الكثيف و المتنوع ، و حرصا على إثراء الخطاب النقدي الدائر حول النص الشعري العربي، بآفاقه المتعددة، وجمالياته المتجددة، ومستقبله النيّر العريض، مساعيَ وطموحا.
وأشار القباحي إلى أن موضوع( تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية الحديثة)، هو موضوع جائزة الشارقة لنقد الشعر هذا العام، وأكّد أن اختيار بيت الشعر بالأقصر لهذا الموضوع، كان سببا من أسبابه تحفيز النقاد المصريين والعرب على المشاركة في تلك المسابقة المهمة، فضلا عن أهمية الموضوع بالنسبة لراهن الشعر العربي، الذي انفتح مبدعه على عديد من الأشكال الفنية الأدبية فضلا عن الأشكال الفنية غير الأدبية في مختلف الفنون الأخرى.
انتقلت بعد ذلك فعاليات الملتقى إلى الجلسة النقدية الأولى، والتي قدّمها الشاعر محمود حسن وابتدأت بالورقة البحثية التي قدمها د. شريف الجيار، أستاذ النقد الأدبي وعميد كلية الألسن بجامعة بني سويف، وحملت عنوان (تجليات التجريب الأجناسي في القصيدة المصرية المعاصرة- نماذج معاصرة) وأشار الجيار إلى أنه عنى بالمعاصرة: القصيدة العربية من سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، وقد تلاشت النزعة الغنائية في تلك القصيدة، في مقابل بروز أوضح للموضوعية، بالتداخل مع فنون أخرى كالمسرح، والقص، والسينما وغيرها، الأمر الذي دعى الناقد الإيطالي كروتشيه إلى القول بموت الأنواع الأدبية، لا الموت الذي يعني النهاية، إنما الموت الذي يعني حياة تلك الأنواع متداخلةً.
واتخذ الجيار تطبيقا لمقولة تداخل الأجناس، نموذجين شعريين، هما المجموعة الشعرية (ترنيمات شاعر قبل الرحيل) لمحمد الشحات، والمجموعة الشعرية(أكتب بالدم الأسود) لحسن عامر، وقد تناول الجيار البناء الملحمي في قصيدة محمد الشحات، فضلا عن الفلسفة الصوفية والبعد السيكولوجي، والقصيدة القصة، محللا ذلك عبر مظاهر عدة لتداخل الأجناس في النص الشعري، كما تناول تقنية القناع في مجموعة (أكتب بالدم الأسود) لحسن عامر، الذي رأى أنه يدور في مجموعته هذه حول مقولة رئيسية مستلهمة من الروائي والفيلسوف اليوناني نيكوس كازنتزاكيس، مفادها البحث عن حرية الإنسان، وعن الكيفية التي يمكن أن يعيش بها محتفظا بكرامته، وقد صدّرت هذه المجموعة الشعرية أزمة الرأسمالية العالمية، وما استتبعته من مشاكل العولمة التي سحقت البسطاء.
بعد ذلك انتقلت المنصة لتقديم الناقد د. أحمد الصغير، أستاذ الأدب العربي المساعد، بآداب الوادي الجديد، والذي حملت ورقته البحثية عنوان (تداخل الأجناس الأدبية-تقنيات السردية) بادئا طرحه بعدة تساؤلات عن ماهية الأجناس الأدبية، وعما يثمر عنه تداخل الأجناس داخل القصيدة، وهل يمكن البحث عن نوع أدبي هجين يتولّد بتداخل تلك الأجناس؟ وقد حدد الصغير الإطار التاريخي لتطبيقات بحثه على الشعر العربي منذ عام 2000م إلى عامنا الحالي، وناقش حضور أدوات وعناصر سردية عدة مثل الحدث والراوي والشخصيات، ضاربا أمثلة بقصائد لشعراء مثل حسين القباحي وعزت الطيري وفتحي عبد السميع وأشرف البولاقي وغيرهم، ثم توقف بالتفصيل أمام حضور (عنصر الرواي) في القصائد الشعرية موضوع الدراسة، إذ تتبع حضور الراوي في مجموعات شعرية مثل (تفكيك السعادة) لمؤمن سمير، و(الآخرون) لحسين القباحي، و(على ظهر دراجة في الهواء) لعبيد عباس، و(فراشة في الدخان) لفتحي عبد السميع، ونصوص مختلفة للبولاقي وحسن عامر والحسين خضيري، كما تتبع ظواهر سردية مثل (تعددية الزمن وأشكال المكان) داخل القصائد، وانتهى الصغير إلى الحضور القوي والبارز للتقنيات السردية في القصيدة الشعرية العربية في الألفية الثالثة.
ثم فتح الشاعر محمود حسن مدير الندوة، باب المداخلات للجمهور، فاشتبك مع طرحي الناقدين، جمهور بيت الشعر ورواده، ومنهم الشاعر والدكتور النوبي عبد الراضي، والشاعر عبيد عباس، كذلك بعض النقاد المشاركين منهم الدكتور محمد سليم شوشة، والدكتور محمد عبد الباري، وغيرهم، وقد كان النقاش حول الأطروحتين البحثيتين جادا مستحثًّا الناقدين على الإدلاء بمزيد من الإجابات الموضحة لدقائق ورقتيهما البحثيتين.
وعقب انتهاء الجلسة النقدية الأولى، بدأت الأمسية الشعرية الأولى، إذ قدم الشاعر محمود حسن، الشعراء: فتحي عبد السميع ومحمد عرب صالح، ومحمد السيد إسماعيل، وقد تفاعل جمهور بيت الشعر والضيوف الحضور تفاعلا كبيرا مع قصائد الشعراء التي نمّت عن اختيارات مقصودة يغلب عليها تقنيات سردية وقصصية تتواءم وموضوع الملتقى.