يعد مسرح الطفل، واحدا من أصعب الفنون، التي تتطلب وعيا ومهارة من صناعها، وذلك على عكس ما يظن البعض من أن هذا النوع من المسرح سهل ويمكن تقديمه بأبسط الجهد أو أقله.
يزداد الأمر صعوبة ونحن نتعامل مع طفل الألفية الثالثة الذي تشبع من التكنولوجيا، ولم يعد من السهل جذبه أو إرضاء خياله إلا بواسطة أعمال فائقة الجودة، تحترم عقله ووضعيته الجديدة.
شاهدت، على مسرح الهوسابير عرضا للأطفال بعنوان” رابونزل بالمصري” تأليف وإخراج عمرو عاطف، بطولة النجمة حورية فرغلى، والفنان حسان العربي، والفنانة لبنى ونس، ومجموعة من الممثلين، للأسف لم أجد منشورا يتضمن أسماءهم.
سعدت بالتأكيد بوقوف الفنانة حورية فرغلي، على المسرح، لأول مرة في حياتها، وفي عرض يقدم للأطفال، وهي خطوة مهمة وجريئة منها، أرجو ألا تكون الأخيرة، لكن أرجو أيضا أن تدقق في اختياراتها القادمة، لأنها بالتأكيد مكسب للمسرح.
العرض يقدم إحدى قصص ديزني، ولا أعلم دلالة العنوان” رابونزل بالمصري” هل استخدام اللغة العامية جعله عملا مصريا خالصا، أم أن المقصود هو تقديم هذه الحكاية العالمية في مصر وبلغة أبنائها؟ كما أن العرض ليس تأليفا، فالقصة معروفة، وما قام به المخرج هو نوع من الإعداد وليس التأليف، نعم هو غير بعض الأحداث ولم يستعن بالقصة الأصلية بالكامل، لكنه بنى عليها وبالتالي فلا يعد الأمر هنا تأليفا على الإطلاق، وهذه أمور جوهرية يجب أن نلتفت إليها
قصة العرض عن ساحرة تختطف أميرة جميلة، بعد زواجها، وتحتفظ بها في أحد الأبراج، نظرا لارتباط وجودها ببقاء هذه الساحرة جميلة وشابة، وبعد عدة محاولات ينجح الزوج في تخليصها من الساحرة الشريرة ويعودان معا إلى قصر والدها لاستكمال حياتهما السعيدة، مؤكدين أن الحب قادر على صنع المعجزات.
من حسنات العرض التداخل مع الأطفال وإشراكهم في تسيير الأحداث عن طريق طرح بعض الأسئلة عليهم، أو نزول الممثلين إلى الصالة، وغيرها من الوسائل التي تجذب الطفل إلى العرض، وتشعره أنه مشارك فيه.
ساعة ونصف تقريبا من التمثيل والحكي والغناء والاستعراض، استغرقها العرض، وهي في ظني مدة طويلة نسبيا في عرض يقدم للطفل، هناك مناطق كان يمكن اختزالها، ولم يكن العرض ليتأثر لو تم تكثيفها، لكن ما علينا، يبدو أنه هدف إنتاجي يسعي إلى إشباع الطفل من العرض.
تكمن مشكلة العرض الأساسية في الدراما، التي جاءت مفككة، وبها قفزات غير مبررة، ربما يقول البعض إنه أمر يشغل المتخصصين أكثر مما يشغل الطفل، الذي لن يلتفت إلى تلك القفزات غير المبررة، وهو أمر خاطئ للأمانة، خاصة أننا نتعامل مع طفل، كما ذكرت، أصبح كثير الاطلاع والمشاهدة، وجعلت التنكنولوجيا الحديثة العالم بين يديه، والطفل الذي تعود على مشاهدة المسرح، لابد أن يدرك المشاكل التي تتنظم هذا العرض أو ذاك، وحتى لو لم يدركها بعضهم، فواجب على صانع العرض أن يقدم عرضه متكاملا وخاليا من الفجوات الدرامية التي تؤخذ عليه.
الكتابة كذلك كانت في حاجة إلى بعض العناية، سواء على مستوى الجملة وإشراقها وتأثيرها وقوتها، أو على مستوى البناء الدرامي نفسه، ولا أعلم لماذا لم يتفرغ المخرج لعمله الأساسي ويستعين بكاتب من جيله في صياغة النص دراميا ولغويا بشكل أفضل؟
هناك أيضا عدة مشاكل في رسم الحركة، وخروج ودخول الممثلين، وقع فيها المخرج، أضف إلى ذلك الاستخدام المجاني للشاشة في عمق المسرح، التي لم يتم استغلالها بشكل يمنح العرض نوعا من الثراء البصري الذي يخطف عين الطفل ويجذبه إلى متابعة الأحداث.
هناك بعض الأغاني في العرض، صياغتها الموسيقية جيدة، لكن عابتها الكلمة في كثير من الأحيان، ولا أعلم هل هي من تأليف المخرج كذلك أم من تأليف غيره، هناك بعض العيوب، سواء على المستوى العروضي (الوزن) أو التقفية، كل ذلك كان في حاجة إلى مزيد من الضبط، ومزيد من الجهد، لأن الأغنية هنا ليست مجرد حلية نضعها في العرض، الأغنية يجب أن تكون جزءا من دراما العرض وتساهم في بنائها، وهي هنا لم تلعب هذا الدور إلا قليلا.
لا أحب أن أكون قاسيا على المخرج، الذي لا أعرف هل هو عمله الأول، أم أن له تجارب أخرى، لكن عليه، في كل الأحوال، مراجعة نفسه، ومحاولة سد الفجوات في عرضه، هو مخرج تبدو قماشته جيدة، ويبقى فقط كيفية استغلال هذه القماشة في بناء عرض أكثر انضباطا وأكثر قدرة على جذب الأطفال، هؤلاء الذين يجب أن نخاطبهم بلغتهم التي تطورت كثيرا وتتطلب منا جهدا أكبر حتى نكون أكثر تأثيرا في عروضنا التي نقدمها لهم.
كل ذلك لا ينفي الجهد الكبير المبذول في العرض، لكننا دائما ما نبحث عن الأفضل لإيماننا بأهمية مسرح الطفل
، ولإيماننا كذلك بأن صناع العرض لديهم الأفضل ليقدموه لنا، تحية لكل صناع هذا العرض مهما اختلفنا في بعض التفاصيل.
-
محمد حمدي