لعلي من غلاة المؤمنين أن حل مشكلة الكثافة السكانية لا يقتصر على تحديد النسل، فالحلول متعددة أهمها استغلال المتاح من الموارد الطبيعية والبشرية، وزيادة الإنتاج.
لكن الإحصائيات العالمية تضع أمامنا السؤال الصعب، تذكرنا بالنكتة الشهيرة عن الرجل الذى طلب من الترزي أن يصنع له بدلة من ربع متر قماش. سأله الترزى: كيف؟ أجاب: بالفهلوة كده!
أستعيد النكتة وأنا أصل الحقائق التى تتضمنها الإحصائيات بالتحدى الذي تواجهه، أعنى الزيادة السكانية التى جعلت من مصر دولة متقدمة فى زيادة المواليد.
الأرقام تطالعنا بحقائق أخرى، منها أن مولودًا جديدًا يطل على العالم كل ثلاث ثوان، وأن السنة الواحدة تستقبل أكثر من مليوني مولود، وستظل الزيادة مطردة من خلال تنامي المجموع الكلي للسكان.
إذا لم يكن الحل النمطى أسعد الحلول للحد من الكثافة السكانية، فإن الحلول الأخرى تظل فى دوائر التمني أمام الزيادة الهائلة في النسل.
طريقة حسنين ومحمدين، والبيانات المحذرة من تفاقم المشكلة، والصور الساخرة التي يواجه بها تنظيم الأسرة زيادة النسل.. ذلك كله لم يعد مجديًا أمام المد الهائل للمواليد، بما يجعل من التصورات الاستراتيجية مجرد بيانات وتنبؤات يصعب تحويلها إلى واقع.
الوعى بالمشكلات هو الخطوة الأولى لحلها، ومسئولية تنمية الوعي، تعود إلى إدراك الزوجين أن أسرتهما الصغيرة جزء من المجتمع، وأن زيادة الإنجاب في الأسرة هي زيادة في مواليد المجتمع كله، بما تتضمنه من أعباء اقتصادية وصحية واجتماعية.
الادعاء بأن الظروف المادية الطيبة لأسرة ما تتيح لها إنجاب أطفال كثيرين، يلغيه فهم الظروف الصعبة التي يحياها المجتمع في عمومه. نحن لا نعيش في جزر منفصلة، لكننا ننتمي إلى مجتمع له أوضاعه التي يتأثر بها الجميع.
مشكلات المجتمع يصعب أن تعامل بالقطاعي. إنها أشبه بنظرية الأواني المستطرقة التي يتأثر فيها كل إناء بالأواني الأخري، وعندما نصف الأسرة بأنها خلية فى المجتمع، فإنها لابد أن تلتحم – وتتفاعل – ببقية الخلايا!
لا أدعو إلى حلول قاسية، كما حدث في الصين، لما اشترطت المولود الوحيد لكل أسرة ( عدلت – فيما بعد – عن هذا الحل القاسي! )، لكنني أدعو إلى تنشيط العقلية الجمعية التي يحفزها إدراك الفرد لمسئولياته، وإسهام المجتمع بالتالي في تنامي الإدراك، فتتحول المشكلات الشخصية إلى مشكلات للمجتمع – وهي كذلك بالفعل – يسعى إلى حلها بخطوات جادة، وحقيقية.
لم تفلح الدولة – حتى الآن – في توظيف الزيادة المطردة للنسل بصورة إيجابية، وهو ما حققته دول أخرى تفوقنا في الكثافة السكانية، بحيث يقتصر الحل الذي يجب أن نوليه اهتمامنا – في قادم السنوات – على ما تشير به قواعد الدين والصحة.
تعددت الجهات التي تتولى مشروعات تنظيم الأسرة، وتكاثرت النصائح التى لجأت إلى حسنين ومحمدين، وأكدت أهمية أن تكون الأسرة سعيدة بأبناء قليلين أصحاء، وأن يجد كل شاب فرصة عمل فى وجود تنظيم سكاني، تفرضه ظروفنا الحياتية، والمستقبل الذى نسعى في اتجاهه.
التجاهل الذى يواجه الغالبية من أبناء مجتمعنا تلك الحلول، مبعثه التصور أن الدين يرفض أية محاولة لتحديد النسل، وهو ما نفاه أكبر علماء الدين فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، ونفاه علماء مهمون أخلصوا لدينهم، ولقضايا المجتمعات الإسلامية، وتحريرها من عوامل التخلف.
المشكلة قديمة، ولعل عمرو بن العاص أول من تناولها في خطبة له، عقب الفتح العربي لمصر، درس الحياة المصرية، وتعرف إلى سلوكيات المصريين، وعاداتهم وتقاليدهم، ونظرتهم إلى المستقبل.
ضمن ابن العاص خطبته بكلمات تحض المصريين على الحد من زيادة النسل ( أترك لك تصور أعدادهم آنذاك ) لأن زيادة النسل – في رأيه – ستعطل العمل على بناء مستقبل البلاد.
الكلمات أوردها المقريزي في الجزء الأول من خططه، تنفي رفض الدين لتنظيم النسل، إن كان الهدف هو إنقاذ المسلمين من الـتأثيرات القاسية لتردي الاقتصاد، وما يستتبعه من تأثيرات مدمرة على المجتمع كله.
في تقرير للمركز المصرى لبحوث الرأي العام، أن حوالى 30 مليون مصرييعيشون تحت خط الفقر، منهم حوالي 2 مليون مواطن يحصلون على أقل من دولار يوميًا.
ماذا تعني هذه الأرقام؟