شيوخ ووعاظ: يبعثون في ثوب الاحرام مع الصديقين والشهداء
مندوبي الشركات : تأشيرة الزيارات وراء معدلات الوفيات وغياب الخدمات
حجاج ومعتمرين : لا بديل عن الحج النظامى امان ورخصة شرعية للمصريين
لحظات عصيبة وليال ثقيلة مرت على أسر وعائلات المفقودين والوفيات لحجاج بيت الله الحرام هذا العام من أبناء محافظة الوادى الجديد وسط أجواء غير مسبوقة ومشاعر مختلطة جمعت بين دموع الفرحة والرضا بقضاء الله ، وبين ألم الفراق لفقدان العزيز وقد رحلوا عن الدنيا بعد معاناة تلبية لنداء الحق دون وداع ، ليسدل الستار على تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى تبادل برقيات العزاء والمواساة والتهنئة بمن اصطفاه الله وكرمه بالبعث مكبرا في ثوب الإحرام.
( الحج بين متعة الاحرام وحسن الختام . اسرار وعبر لكل الأجيال )
أسرار وروايات خلفت أثرا طيباً ودروسا وعبر لكل الاجيال حول حسن الختام وتحمل مشقة السفر والترحال شوقا لرؤية الكعبة المشرفة فى درجة حرارة عالية كشفت عن معدن الحجاج الثلاثة ومدى قربهم من الله وتعلقهم بالبيت الحرام ، ترصدها “المساء” رغم حالة الحزن الشديد الذي خيم على ذويهم ، إلا أن دموع الفرحة بعد يقين من رحمة الله واستجابته لدعوة المتوفين خففت من لوعة الفراق وخلدت ذكرى طيبة لن تنسي فى سلسال شجرة هذه العائلات وقد وارت اجسادهم النضرة خير بقاع الأرض واطهرها على الإطلاق.
“المساء” تابعت ردود افعال الجماهير من ابناء الواحات ، والتقت اصحاب الرأى والدين ومندوبي الشركات للوقوف على اسباب ارتفاع معدلات الوفيات ، وفضل من وافته المنية محرما اثناء اداء مناسك الحج هذا العام ، لتكشف النقاب عن واحدة من اغرب المصادفات وتحقق الامنيات مقارنة بتقوى العبادات ، حيث بلغ إجمالى أعداد الوفيات بين حجاج الوادى الجديد ٣ حالات ، وهم عبدالفتاح عكاشة مزارع من أبناء قرية تنيدة بمركز بلاط ، والسيدة وفاء خضر حسانين بالمعاش ، وكانت تعمل بوظيفة معلم لغة عربية بقرية الراشدة التابعة لواحة الداخلة ، وزكى سيد خليفة موظف بمصلحة الضرائب العقارية سابقا بمدينة موط الداخلة.
(حسن الختام بثوب الإحرام في يوم عرفات )
أكدت مصادر مقربة من أهالى المتوفين بأن ماحدث قبل ساعات من الوفاة أمرا عجيب ولكن ليس بغريب عن قدرة الله واستجابته الدعوات ، مؤكدين أن السيدة وفاء خضر حسانين ذكرت لأحد أقاربهم أمنيتها أن تلقي الله بثوب الإحرام فى يوم عرفات وقد كان لها ما أرادت أثناء تأديتها فريضة الحج فوق جبل عرفات ، فيما ذكر أحد شهود العيان أن الحاج عبدالفتاح عكاشة أول المتوفين اقلع عن التدخين نهائيا وسقط مغشيا عليه أثناء تحويله إلى إحدى المستشفيات ولم يتوقف عن التكبير والدعاء حتى لفظ أنفاسه الأخيرة هناك ، ولحقهم فى ذلك الحاج زكى سيد خليفة الذى فاضت روحه إلى بارئها ولا تزال ابتسامته تزين وجهه البشوش حتى دفن بمدافن الحجاج.
يقول د. محسن حمودة بالمجلس التطوعي للشباب ، تعددت الآراء وبلغت موضع الإجماع بأن ليس كما يظن البعض أو الغالبية من متابعي المنصات الإعلامية والاخبارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الرسمية بأن ما حدث هذا العام أثناء تأدية مراسم الحج بمكة كارثة إنسانية كشفت عن مخالفات صارخة وسوء تنظيم أودى بحياة عشرات الحجاج المصريين وتعرض المئات لازمات صحية وانتكاسة بحثاً عن الطريق إلى عرفات والمزدلفة دون جدوى ، فالواقع وجميع الشواهد تؤكد بأن إرتفاع درجات الحرارة وغياب التوعية ونقص الخدمات الطبية للزائزين بغير تصريح ساهمت فى احداث حالة من الفوضي والصدمة وارتفاع معدلات الوفيات بشكل غير مسبوق وبخاصة بين كبار السن من حاملى تأشيرة الزيارة بدون الحج.
يوافقه الرأى محمد عمر بخيت من أهالى مدينة موط بالوادى الجديد، ، مضيفاً بأن الحج لسكان الواحات أصبح بمثابة رحلة العمر التي يتمناها الإنسان ليعود وقد غفرت ذنوبه ومحيت خطاياه كيوم ولدته أمه متي توافرت الاستطاعة المادية والبدنية وأمن الطريق ، مشيرا إلى قوله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم الي التهلكة) ، واردف كلنا مشتاقون لكن الحج يصبح متاحا وميسورا متي توافرت الاستطاعة المادية والبدنية وأمن الطريق .
ندد بخيت بعدم الانسياق وراء مروجى فكرة الحج عن طريق الزيارات ،وأنه لا داعي لأن نذهب الي الحج عبر وسائل غير شرعية يطلق عليها “تأشيرة “بدون حج ، الأمر الذي قد يؤدى إلى نتائج غير محمودة مثلما حدث هذا الموسم ، منددا بوسائل التلاعب والمتاجرة بأرواح الأبرياء من قبل السماسرة واستغلالهم رغبات المتطلعين للحج من أبناء المحافظة المعروف عنهم البساطة و”الطيبة ” لينتهى بهم المطاف ضمن قائمة ضحايا الكيانات الوهمية حيث تتبدل الافراح الي اتراح والاشتياق الي لوعة وآسي علي فراق الاحبة.
أعرب محمد فوزي شقيق السيدة وفاء خضر حسانين ، في رثائه حزنا على فراق شقيقته الكبرى قائلاً ، رحلت عنا من كنا ننتظر عودتها بشوق ولهفة ، رحلت عنا اطيب وأحن القلوب .. اختي وأمي وصديقتي وجارتي ، من كنت اشكو لها همي وكانت تشاركني فرحتى وحزني..اعلم ان خاتمتك يتمناها أي انسان ، ولكن ما أصعب فراقك ..واعلم انك كم تمنيتي الموت في عرفات وقد نولتي ما تمنيتيه..لا اعلم كيف ستكون الحياه بدونك ..ولكني أعلم أن الحياه من غيرك ستكون قاسية ومستوحشة..يا رب صبرني علي فراقك يا اختي واجعلها ياربي في جنات النعيم وانزلها منازل الصديقين والشهداء و الصالحين وحسن اولئك رفيقا..
وحول أسباب زيادة معدلات الوفيات بين الحجاج المصريين ، علق محمد شعبان ، من أبناء مدينة الخارجة ، صاحب تجارب سابقة في أداء فريضة الحج نظامى وخاص ، بأن أهل مكة أدرى بشعابها ، ولولا درايته بكافة المعالم والأماكن لما تمكن من أداء فريضة الحج أثناء إقامته بالمملكة ، موضحا أن الجج النظامى يتمتع بمزايا وخدمات غير متاحة بالطرق الغير رسمية منها توفير سيارة نقل ركاب ( أتوبيس) للانتقال من مكة الى عرفات مسافة (٢٧ كيلو) ، ثم من عرفات الى مزدلفة ، تباعاً الى منى ، حيث تجد هناك مخيم للإقامة به مكيف خاص لك ومجهز بالمأكولات ومستلزمات الشرب والغذاء وطاقم إشراف طبي وارشاد ، بينما الجج الغير نظامى بدون وسيلة انتقال أو مخيم للإقامة أو طعام أو ماء أو أدنى خدمات في ظل ارتفاع درجات الحرارة والزحام.
يشاركه الرأى مندوب إحدى شركات السياحة بالمحافظة ، مضيفاً بأن ازدحام شديد ، مع ارتفاع درجات الحرارة وعدم وصول الإسعاف إلى الحالات الحرجة المصابة بالسكر والضغط والهبوط بسبب كثرة الزحام ولهيب الشمس أدى إلى تدهور الحالات المصابة وتركها لمصيرها لتلفظ أنفاسها الأخيرة بمعزل عن السرب والقوافل المنظمة ، لافتا إلى أن الحج النظامى بمأمن عن المهالك والأزمات ونقص الخدمات ، فهو الأقل ازدحاما فى وجود اكبر قدر من المشرفين وأطباء فى مختلف التخصصات الحيوية كمرافقين لبعثات الحج الرسمية ، والذى يعد بمثابة اعتراف من الدولة السعودية بأصحاب تصريح الحج وأحقيتهم فى التأمين الطبي والعلاج فى حين تنتفي هذه الصفة والمزايا لحجاج الزيارة.
(فضل الموت اثناء فريضة الحج)
وحول فضل الموت اثناء آداء فريضة الحج ، أوضح الشيخ محمد الزهري ، عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف بالوادى الجدي ، أنه من مات محرما بعث يوم القيامة ملبيا ، مشيرا إلى أن الجزاء من جنس العمل ، وأن المحرم إذا مات في حال إحرامه فإنه يبعث على نفس الحال ملبيا ، مستشهدا فى ذلك بما ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان واقفا وكان رجل يرتدي ملابس الإحرام ثم رمت به الدابة بعيدا فكسرت عنقه فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أغسلوه بماء وسدر وكفنوه بثوبيه أي في ثياب الإحرام وهذه أول ميزة له وقال: ولا تخمروا وجهه، ولا تحنطوه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا، أي يبعث على ما مات عليه”.
اضاف الزهرى ، أن هناك حديث يدل على فضل من مات قبل إتمام الحج أو العمرة جاء فيه : “من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة ، موجها النصح والارشاد لاهالى المحافظة ، قائلا لا تضيقوا واسعا والأخذ بالرخصة من تمام العبادة ، لافتا إلى أن من أسباب تعسر الحج هذا العام البعد عن اليسر والسماحة ، وأن الضرورة تفتضي اتباع نهج رسول الله وهو الذى اجاز للحاجّ أن يدخل إلى عرفة في ليلة التاسع من ذي الحجة تفادياً للزحام الذي يحصل عادة بعد صلاة الفجر وطلوع الشمس يوم عرفة ، مشيرا إلى إنّ عدد الحجاج الكبير وخروجهم في الوقت ذاته إلى الطرق التي تؤدي إلى جبل عرفة يسبب زحاماً شديداً قد يضطر الحاج إلى المشي بسببه عددا من الساعات.
وتابع أن أهل الأعذار المأذون لهم بذلك هم الضعفاء من الشيوخ والأطفال والنساء ويدخل في ذلك من يرافقهم فهم في حكمهم، ودليل ذلك ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-، إذ قالت: (اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةَ جَمْعٍ، وكَانَتْ ثَقِيلَةً ثَبْطَةً، فأذِنَ لَهَا)
من تمام التعبد الأخذ بالرخصة وقد أخذ بعض الصحابة -رضي الله عنهم- بهذه الرخصة ومنهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما ، مطالبا بالتيسير في رَمي الجمرات حيث أجاز الفقهاء بلا خِلاف توكيل العاجز الذي له عُذر لغيره في رَمي الجمرات عنه بشكل كُلّي أو جزئيّ، وأصحاب الأعذار هم: المرضى، وكبار السنّ، والصِّغار، وكلّ مَن لا يستطيع أن يرميَ لأيّ عُذر، ويجوز أن يُوكل غيره بالرَّمي بأُجرة، أو على سبيل التطوع وذلك من مظاهر التيسير في أعمال الحج
ولاسيما وقت الشدائد والزحام وارتفاع درجات الحرارة.
وصرح الشيخ سمير سعد مدير إدارة الوعظ بمركز الداخلة ، أن فضل الحج عظيم ، حيث يلبى الحاج دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام فى قوله تعالى واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ، مشيرا إلى أن الحاج بمجرد الشروع فى أداء تلك الفريضة يكون فى أمان الله ، فإن أتم الله له أداء الفريضة فقد رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه كما فى الصحيحين ، وإن مات أدخله الله الجنة كما فى الصحيحين ، مشددا بضرورة أن ينتهج الحاج مسلكا شرعيا ورسميا لاداء تلك الفريضة بعيدا عن مخالفة اولى الأمر أو القوانين المنظمة الا من اتى بالاركان كاملة فحجه صحيح أما غير ذلك تسقط به حج الفريضة وعليه الوزر أولا لمخالفته أولى الأمر ولتعريض نفسه للتهلكة .
واضاف مدير مكتب الوعظ ، أنه لا يخفى هذا العام ما شاهدناه فى بداية الموسم من صعوبات واجهت كل الحجاج الزائر ين أو غير الرسمين حتى سمح لهم فى آخر لحظه لاتمام تلك الفريضة وما ترتب عليه من وفيات معظمها غير رسميين ، والقاعدة الشرعية عندنا لا ضرر ولا ضرار ، مشيرا إلى ما قام به الأزهر الشريف ممثلا فى هيئة كبار العلماء بمناشدة ولى الأمر مستقبلا باتخاذ الإجراءات اللازمة بتنظيم هذه الفريضة مع مراعاة الا يصرح بالزيارات قبل الحج بثلاثة أشهر وأن توحد قيمة الحج مع هامش الربح علي الجميع ، متوجها بالدعاء إلى الله أن يرد الحجاج سالمين غانمين إلى أوطانهم وأن يرحم من مات منهم ، ويلهم ذويهم الصبر والسلوان.
تجدر الاشارة إلى أن مَناسك الحج تنقسم إلى: أركان، وواجبات، وَسُنن.
أما أركان الحج فهي : الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والإحرام ،والسعي بين الصفا والمروة ، بينما الواجبات في الحج هي: الوقوف بمُزدلفة، والمبيت بمنى، وطواف الوداع، ورمي الجمرات ، وانه ومن السُنن :: طواف القدوم ، والتّوجه إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة ، حيث يبدأ الحاج بالإحرام، ثم يقصد الكعبة؛ للطواف حولها، ثم السعي بين الصفا والمروة، ويتحلل الحاج إن كان متمتعاً، أما إن كان قارناً، أو مُفرداً؛ فلا يتحلل، ثم يكون التوجه إلى مِنى في اليوم الثامن من ذي الحجة، ثم الوقوف في عرفة في اليوم التاسع، ثم التوجه إلى مزدلفة بعد غروب شمس اليوم التاسع، وفي اليوم العاشر يكون رمي جمرة العقبة، ونحر الهدي، وحلق الشعر أو التقصير، والطواف، ثم الرجوع إلى مِنى؛ والمبيت فيها ليالي التشريق، وتُرمى الجمرات الثلاث؛ الصغرى، والوسطى، والعقبة، في كل يومٍ من أيام التشريق الثلاث، ويُشرع للمتعجل المبيت ليلتين فقط، ويختم الحاج أعمال الحج بأداء طواف الوداع.
يذكر أن هناك مصادر سعودية كانت قد اعلنت إن ما لا يقل عن 550 حاجا لقوا حتفهم لأسباب مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة القياسي، ويفوق ذلك حصيلة وفيات العام الماضي، والتي بلغت أكثر من 240 حالة وفاة ، ويبحث أصدقاء وعائلات حجّاج مفقودين في المستشفيات في السعودية وينشرون مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي سعيًا للحصول على أي معلومات عن أحبائهم، فيما يسيطر عليهم خوف شديد من الأسوأ مع تزايد أعداد القتلى.
وقبل بدء مناسك الحج، دشنت السلطات السعودية حملة لضبط المخالفين لقوانين الحج ، وذلك بالتزامن مع اعلان التلفزيون الرسمي السعودي أن درجات الحرارة قد ارتفعت الإثنين (17 يونيو / حزيران) إلى 51.8 درجة مئوية في الظل بالمسجد الحرام في مكة.
ورسميا، أعلنت السلطات المصرية تكثيف الجهود “لتقديم الخدمات للحجاج المصريين وتسهيل إجراءات دفن المتوفيين والبحث عن المفقودين”، بحسب بيان الخارجية المصرية، فيما دشن القطاع القنصلي بالخارجية المصرية غرفة عمليات لاستقبال اتصالات المواطنين الخاصة بطلب البحث عن المفقودين أو شحن جثامين ذويهم ممن وافتهم المنية.