بقلم ✍️ أ.د مها عبدالقادر
(أستاذ أصول التربيةكلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
عندما لا نهدر مواردنا ونستطيع أن نعيد استخدامها وتوظيفها بطرق عديدة وأساليب شتى، ونتمكن من التجديد والتصنيع بصورة مستدامة في نظام يشبه الحلقة (دائري)؛ فإن هذا يدل على ماهية الاقتصاد الدائري الذي يضمن في المقام الأول التقليل أو الخفض من الانبعاثات الكربونية الناتجة من النفايات، ومن ثم المحافظ على ما لدينا من موارد وبنى تحتية وفوقية وصون مقدراتنا المادية والبشرية وفي المقابل نحسن من جودة منتجنا في ضوء ماهية التقدم والتطور التقني.
وجهود الدولة المستدامة تجاه هذا النمط من الاقتصاد المهم نرصدها في الخطط والبرامج التي تعزز فلسفة إعادة التدوير بما يسهم في تحقيق أمرين غاية في الأهمية هما الاستدامة البيئية التي تحد من التغيرات المناخية وتضمن ملامح ومقومات بيئة صحية للكائنات الحية على كوكب الأرض، وبما يحقق صورة الاستدامة الاقتصادية التي تزيد من الدخل القومي المصري، ومن ثم تستطيع الحكومة أن تستكمل مسارات الإعمار والنهضة بتقديم كافة الخدمات اللوجستية في ربوع الوطن.
وبدون شك يضمن الاقتصاد الدائري المناخ الجاذب للاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة؛ حيث إن الأمن المناخي يعد أحد مقومات النجاح الاقتصادي المستدام، والسبب يكمن في أن الاقتصاد الخطي يستهدف الاستخدام ثم التصنيع يلي ذلك التخلص من النفايات، وهذا لا شك يعد دربًا من الإهدار، ناهيك عن كونه منفذًا خطيرًا للتلوث البيئي، وبالتالي لا يمكنه مد الكثافة السكانية المتزايدة بما تحتاج إليه من خدمات، ومن هنا تبلور الاقتصاد الدائري.
وفي ضوء ما يتسم به الاقتصاد الدائري من خصائص؛ حيث يعد منفذًا لتنمية موارد الطاقة وضامن لاستدامتها لفترات طوال، وأنه أحد المسارات التي يتم من خلالها معالجة التلوث البيئي الذي تعاني منه المجتمعات منذ حقب من الزمن؛ ولكن عند الأخذ به وإشاعة استخدامه تصبح إشكالية ندرة المورد ضئيلة ومعضلة آثار التغيرات المناخية نادرة الحدوث في مقابل الفرصة السانحة للتنمية المستدامة التي تجعل وظيفية مواردنا في أعلى مستوياتها.
ولا شك أن الحداثة أمر يصعب التخلي عنه، ومن ثم ينبغي أن نسير في ركابها؛ فقد أضحى الاقتصاد الخطي غير مجدي؛ إذ إنه لا يحافظ على قيمة المورد ولا يضمن بقاءه لفترات كبيرة ويصعب من خلاله التخلص مما ينتج عنه من نفايات تشكل عائقًا ماديًا وبيئيًا، ومع مرور الوقت تصبح أزمات التلوث جراء الانبعاثات مصدر خطورة لبقاء الإنسان، بل وسائر الكائنات الحية.
والمناداة بتفعيل الاقتصاد الدائري وضرورة العمل به يتأتى من مسلمات لا ينبغي تجاهلها أو التخلي عنها؛ حيث العمل الجاد تجاه احترام بيئاتنا الطبيعية والاجتماعية والصناعية والتي تضمن لنا مناخًا مواتيًا يساعد الجميع على العطاء وبلوغ الغاية المنشودة والمتمثلة في إعمار الأرض عبر استدامة تقوم على فلسفة إعادة الاستخدام التدوير وفي المقابل تقلل من استخراج المواد قدر المستطاع باستخدام مواد أقل، بالإضافة إلي أنه يتم تصنيع كافة منتجاتنا بتوظيف أجزاء ومواد معاد استخدامها، كما أنه بعد التخلص من المنتج يعاد تدوير مواده وأجزائه، وعليه يمكننا أن نستخدم تدفق المواد النقية مرات عدة لتوفير وظائف أو خدمات معينة.
وهناك أمر مهم يدعو الحكومات إلى العمل في ضوء فلسفة الاقتصاد الدائري ألا وهو العمل الجاد في إعادة السياسات الحكومية والمالية إلى مسارها الداعم للبيئة والمجتمعات بغية حماية المناخ من أجل الحفاظ على كوكب الأرض وما به من موارد طبيعية، وهذا يتطلب المزيد من البحث عن طرائق مبتكرة تستهدف إعادة الاستخدام وزيادة الاستفادة من المواد والنفايات المهدرة من صناعات مختلفة وإدارتها على النحو الأمثل.
وفي ضوء ذلك يدعونا الاقتصاد الدائري إلى أن نعي أهمية إحداث استدامة في أنماط الاقتصاد الخطي؛ حيث إن هذا الأمر يجعلنا نُفعل ونقوي فكرة الكفاءة البيئية، بما يؤدي بالضرورة إلى زيادة الأرباح أو الثمار الاقتصادية لأقصى حد لها وبأقل أثار بيئية محتملة، وهذا يستوجب فتح مسارات ومجالات الابتكار وتدشين حضانات تعمل على تعظيم الفكرة وتضمن المقدرة على تنفيذها؛ فتصبح قابلة للتطبيق وتحقق الغاية المنشودة منها.
ونشير إلى أن مصر قد حققت نتائج مبهرة فيما يخص هذا النمط من الاقتصاد المثمر والمجدي؛ حيث التحول نحو الطاقة الخضراء بغرض تعزيز الاقتصاديات منخفضة الكربون والاستثمارات في المشروعات الخضراء، كما أن مصر حققت مستويات متقدمة فيما يتعلق بعمليات إعادة تدوير المياه مما سيكون له انعكاسات كبيرة على تعزيز الأمن المائي والغذائي، ويعد ذلك خطوات استباقية لقيادتنا السياسية الرشيدة فيما يتعلق بتحقيق التوازن بين الحقوق الإيكولوجية للأرض والاحتياجات الأساسية للشعب المصري العظيم.