»»
معين إبداعات أدباء ومواهب أبناء أرض الكنانة يتجدد كالنبع الفياض الذي لا ينضب أبدا..
وقد أهدي الأديب د.فراج ابو الليل إطلالته المبدعة في ثياب القصة القصيرة لبوابة الجمهورية أون لاين،تحت عنوان “درب طياب”..ننشرها عبر هذه السطور.
🍂
درب طياب
ابتسم لها الحانوتى وانتظر الإشارة ، مازالت ترقص ، الفضاء متسخٌ بالحمق ، استدعتنى كى نتحاور ، يالها من داهية ، أتعبت العابرين بجسدها المفتون وتضاريسها المتعطشة .. الأوامر .. تمايلي بغنج وش البركة حتى تمتلىء العيون بالتراب ، نادى عليها .. ” صبريّة ” .. الليل مازال طويلاً ، أجابت الأرض بتخفيف الملابس .
ازدحم الميدان ، وأنا أتابع الأغانى الرغوية ، والموسيقى بوجهٍ عابس ، مالت على بخفة ودلع مبالغاً فيه ، لمحت دموعاً متحجرة فى عينيها ، انفجر السيد “القرش” غاضباَ ، السماء فارغة من النجوم .. أين ذهبت .. رد عليه أحد رجاله لا أدرى يا سيدي .. أشار إلي .. جريت خائفاً ناحية المقهي الثقافي ، انزلقت قدمي من لزوجة طنطنات المثقفين المائعة بطعم القش المتحلل ، الكلاب مازالت تنبح ، كانت قطط الفنادق تمُوءُ برغبة شرهة ، قط الشارع المظلم يدعوهن للتكاثر ، صيحات كائن البوم كانت عالية ، كتمت صرخات الألم ، هجرت طيور المدينة أشجار الصفصاف.
لم أدري بنفسي تزاحمت علي الضربات فى كل انحاء جسدي المطروح علي الأرض والملطخ بالأغاني المطاطة .. فجأة وجدت رجال السيد “القرش” وجموع المتفرجين ، يسألوننى عن النجوم التي كانت تزين كتفيه ، تلعثمت إنها هناك فى السماء ، الضرب بالأكف والأقدام يعلن قدوم الفجر ، افترشت الأرض مختلطاً بدمائى المتجلطة.
فإذا بيد ناعمة تمسح وجهى ، إنها هى راقصة الميدان ، حملتنى حتى بيتها ، الصباح يتلفت هارباً من الليل ، وكلاكسات الحمق تعلن قدوم وقت العمل ، نظرت لها بعين الرأفة ، مازالت تعافر مع الموت ، صرخ الحانوتى احضروا الكفن وقطرات من عطر الكافور البري ، حملتها على كتفى ، خفيفة بقلبها المغلوب ، ناديت عليها بحرقة ، ياقلباً أتعبه الزمان .. سامحينى .. قالت هذا نصف رغيف من الخبز ، ضعه فى فم الفقراء فى “درب طياب” .. قلت الدرب مزدحم بالنساء الجدد ، نساء العفة تسعي للحوض المرصود ، انتشرت أمراض الرغبة بحبات الفول ، أسعار الكلمات باتت باهظة ، كانت تلك آخر كلماتي المسموعة ، ولم أدري بنفسي ، ضربة قوية من الخلف .. تمددت معها فى قبر البداية.
🍂
يذكر أن الأديب د. فراج أبوالليل يعمل باحثا بمركز البحوث الزراعية،صدر له ديوان شعر بعنوان “لهو في معبد الموت” ٢٠١٦، وله تحت الطبع مجموعة قصصية بعنوان “عزبة حنور”.