بقلم ✍️ محمد دياب (مسؤول بقسم الموارد البشرية بإحدى الشركات السياحية. القاهرة)
في زماننا هذا يبدو أن ميزان الأولويات قد اختل لدى الكثيرين فتغيرت اهتمامات الناس وأولوياتهم بشكل جذري. في مشهد يمكن اعتباره عاديًا للبعض نرى المغني يقف على المسرح ويبدأ بأداء أغنيته التي يحبها الجميع.
قد يتوقف المغني فجأة عن الغناء لسبب ما، فيأخذ الجمهور زمام المبادرة ويكمل الأغنية بنفس الكلمات واللحن دون أدنى خطأ.
هذه اللحظة تبرز مدى تعلّق الناس بالأغاني حيث يتذكرون الكلمات بحذافيرها ويدندنون بالألحان دون تردد.
لقد أصبحت هذه المشاهد جزءا من ثقافتنا اليومية التي تعبّر عن مدى تغلغل الفن والترفيه في حياتنا.
وفي المقابل، نجد مشهدا آخر يحمل في طياته دلالات مؤلمة حول الوضع الراهن لمعارفنا الدينية، عند صلاة الجماعة يقف الإمام ليؤم المصلين بتلاوة سور من القرآن الكريم. لكن عندما يُخطئ الإمام في التلاوة قد يتردد المصلون في تصحيح خطأه أو قد لا يجد الإمام من يرد عليه أو يكمل له التلاوة بالشكل الصحيح.
هذا الموقف يثير العديد من التساؤلات حول الفجوة الكبيرة بين الاهتمام بالثقافة الشعبية والترفيه وبين الاهتمام بالدين ومعارفه.
إن هذه المفارقة الصارخة تعكس تحوّلًا عميقا في اهتمامات المجتمع، فالناس اليوم أصبحوا أكثر اطلاعا على أحدث الأغاني وأشهر الفنانين ويُظهرون حماسا كبيرا عند الحديث عن الموسيقى أو الفن، وفي نفس الوقت نجد أن هناك تراجعا ملحوظا في الإلمام بأبسط قواعد الدين مثل تصحيح التلاوة للإمام في الصلاة وهو الأمر الذي كان في الماضي جزءًا من الوعي الديني الأساسي.
هذه الظاهرة ليست مجرد صدفة بل هي مؤشر على تغير أعمق في بنية المجتمع وأولوياته.
لقد أصبحت الثقافة الترفيهية جزءا لا يتجزأ من حياتنا وتسللت إلى كل جوانب يومياتنا في حين تراجعت الاهتمامات الدينية لصالح هذه الثقافة. ولعل هذا الوضع يدعونا للتفكير بعمق في أثر هذه التغيرات على الأجيال الحالية والمستقبلية.
إن تأثير الثقافة الشعبية على المجتمع يمكن أن يكون إيجابيا إذا كان مصحوبا بتوازن مع الاهتمامات الأخرى بما في ذلك الاهتمام بالدين والمعرفة الدينية.
ولكن عندما تصبح هذه الثقافة هي المسيطرة بلا منازع يتجلى هذا التأثير في مظاهر سلبية قد لا ننتبه إليها إلا في مثل هذه المواقف التي يتضح فيها التباين الكبير بين ما نعرفه عن الدين وما نعرفه عن الترفيه.
من هنا يبدو أن التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم هو كيفية إستعادة التوازن بين مختلف جوانب حياتنا.
كيف يمكننا تعزيز المعرفة الدينية والوعي بأهمية الأمور الروحية في حياتنا مع الاستمرار في التمتع بالثقافة والفنون؟.
إن إعادة الاعتبار للمعرفة الدينية يتطلب جهودا مشتركة من قبل المجتمع ككل بما في ذلك الأسر والمدارس والمؤسسات الدينية والثقافية.
يجب أن يكون تعليم الدين جزءا أساسيا من حياة الأطفال والشباب ليس فقط كمواد دراسية ولكن كجزء من تكوينهم الروحي والأخلاقي.
من ناحية أخرى يمكن أن تلعب الفنون والترفيه دورا إيجابيا في تعزيز القيم الدينية والأخلاقية إذا تم استخدامها بشكل صحيح ،فالفن ليس بالضرورة أن يكون مناقضا للدين بل يمكن أن يكون وسيلة لنشر الرسائل الإيجابية والتذكير بالقيم الروحية.
في النهاية يبقى علينا أن نُدرك أن الحفاظ على التوازن بين مختلف جوانب حياتنا ليس مجرد رفاهية بل هو ضرورة ملحة لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وإذا استطعنا أن نمزج بين اهتمامنا بالفنون والثقافة وبين تعزيز وعينا الديني والأخلاقي سنكون قادرين على بناء مجتمع يسوده الانسجام بين الأصالة والقيم الروحية من جهة وبين الانفتاح على معطيات العصر الحديث ،من جهة أخرى هذا التوازن هو مفتاح الاستقرار والنجاح في مواجهة التحديات التي تفرضها علينا الحياة المعاصرة.