كتب – عبدالقادر الشوادفى وصلاح طواله
قال الدكتور عبدالقادر عبد الله سليم مدير عام الدعوه بمديريه أوقاف كفرالشيخ،كلما جاء شهر أكتوبر من كل عام، نتذكر جميعا كعرب ومسلمين فى شتى بقاع العالم، بكل فخر وإعتزاز شديدين وكرامه، حرب التحرير العظيمة، والتي حدثت في 10 رمضان سنة 1393هـ، التي اشتهرت بحرب السادس من أكتوبر سنة 1973م.
واضاف : هذا اليوم هو رمز الاعتزاز والفخر بأشرف دماء سالت دفاعًا عن تراب هذا الوطن الغالى، وهم «شهداء مصر»، الذين ضحوا بأنفسهم الغاليه وحياتهم في سبيل الوطن الغالى مصر أم الدنيا ومقبره الغزاه على مدى التاريخ، كما يؤكد هذا اليوم العظيم لمبدأ العطاء دون مقابل، والتضحية بالروح من أجل كرامة الوطن.
وتابع : لقد تحررت أرض سيناء على أيدي هؤلاء الجنود البواسل في ملحمة تاريخية تدرس للقاصي والداني على حد سواء، وإزالة تدرس فى أكبر جامعات العالم، ولا يزال العالم كله يتعلم منها حتى الآن، وأقول للعالم كله.. نعم بكل فخر وإعتزاز؛ هو انتصار مجيد؛ فألحواجز ممثله فى خط بارليف الحصين الرهيب والسواتر الترابيه الشاقة، والتي عبرها الجيش المصري الباسل، تدخل في عداد المعجزات العسكرية ونصر مؤيد من الله سبحانه وتعالى،وأستطعنا من خلاله التحطيم إسطوره العدو الذى ظن أنه لايقهر، هذا بالإضافة إلى الروح الإيمانية العاليه كانت مرتفعة جدًّا عند الجيش وعند الشعب فى نفس الوقت، فكانت النزعة والتربية الإسلامية في الجيش ملموسة وواضحة، ونداء وصيحه (الله أكبر) الخالده، كانت تخرج من أعماق قلب كل مسلم، والوحدة الإسلامية كانت في أبهى صورها، والتضحيات كانت عظيمة وأرواح الشهداء كانت تتصاعد إلى ربها دفاعاً عن الوطن.
كما أشار إلى أن الفضل فى هذا النصر العظيم، والذى سطر فى أنصع صفحات التاريخ، يرجع ويعود إلى الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم لرفعة وطنهم الغالى مصر وهم أكرم منا جميعا، ولنتعرف عن قرب على قيمة الوطن في الاسلام ، وكيفية التهيؤ والاستعداد للدفاع عنه ، وماهي منزلة الشهداء عند ربهم وفضلهم ومكانتهم، والشهادة الحقيقية التى ننشدها جميعا في الواقع المعاصر .
وأضاف مدير الدعوه الإسلاميه ذلك كله ذلك من خلال المحاور التالية، المحور الأول هو الإيمان بقيمة الوطن والاستعداد لبذل الغالى والنفيس للدفاع عنه، ولقد خضنا منذ أكثر من خمسين عامًا أهم وأفضل الحروب من أجل إسترداد أرضنا الحبيبه كرامتنا الغاليه والقضاء على إسطوره العدو الذى ظن أنه لايقهر، وذلك بعد مرورنا بنكسة 1967، وكانت المسافة بين حرب 73 ونكسة 67 (ست سنوات)، أعدت القيادة المصرية الجيش، وأعادت بناءه وتسليحه، وكان التدريب شاقا من أجل إسترداد الكرامة، وكان هناك تخطيط جيد محكم، لعبور أصعب مانع مائي شاركت فيه أيدي وخبرات أجنبية من أجل حماية المستعمر، ولكن كان هناك عاملان استظل بهما جنود مصر خلف قيادتها الحكيمة، آنذاك (الإيمان بالله ، والأمل في النصر)، وعلت راية حب الوطن والدفاع عنه فرض عين في الإسلام وواجب على كل مسلم.
أشار، هذا بالإضافة إلى التدريب والتخطيط الجيد السليم والإيمان بالله تعالى القوى المتين على مدار الـست سنوات، فعبر جنودنا البواسل وهم صائمون، برغم أنه أُذن لهم بالإفطار، وعلت كلمة وصيحه(الله أكبر) مدوية، فوق لهب نيران المانع المائي، وعنصر المفاجأة، والضربة الجوية الأولى أذهلت الجميع، وخرج العدو مذعورًا يستغيث من وحوش مصر الذين جاؤوهم من كل حدب وصوب ليستردوا أرضهم وحقهم وكرامته.
عقب الدكتور عبدالقادر سليم مدير الدعوه، والسؤال الآن الذى يتبادر إلى الذهن، ماذا تعني منزلة الأوطان في الإسلام؟ وكيف يمكن الدفاع عنها؟..ومنزلة الأوطان في الإسلام وواجب الدفاع عنها، من أهم ما يجب أن نعرفه جميعًا، فكلمة وطن بمعنى أقام، وكل كائن حي يفتقر إلى مكان يقيم فيه، ويرتبط به، بعد فترة من الزمن، يستوي في هذا الإنسان والحيوان، والطير، والحشرات، وقد فطرت هذه الكائنات على حب موطنها، والدفاع عنه حال الاعتداء عليه، نرى ذلك بمملكة النحل، وفي أعشاش الطير، وفي جحور الحيوانات، وفي أوكار الثعالب والذئاب…الخ،
والإنسان أولى بهذا من هذه الكائنات، وقد صرح القرآن الكريم، بالربط القوي بين الإنسان وبين الأرض التي يقيم فيها، وفي هذا جاءت آيات القرآن الكريم تؤكد الربط القوي بين الوطن والإنسان، وقد رأينا المشركين يهددون الأنبياء والمرسلين بالطرد كنوع من العقوبة، وقال تعالى: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا)، ورأينا فرعون والسحرة يحذران المصريين من إتباع موسى وهارون، لأن اتباعهما سيترتب عليه الإخراج من الأرض، مما يجلب المشقة والإهانة، قال تعالى بشأن السحرة، فيما نطقوا به بحق موسى وأخيه (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما)، كما أن الإسلام قد جعل الإخراج من الوطن (عقوبة تأديبية)، للزاني غير المحصن وللبغاة الساعين في الأرض فسادًا، (أو ينفوا من الأرض).
وقال الدكتور سليم فى نهايه حديثه قائلا:
والسؤال الآخر الذي نطرحه في ظل هذه الملحمة الكبرى التي نتحدث عنها ، هل هناك نصوص تدل على أن الإقامة في الوطن تكريم والخروج منه عقوبة تأديبية؟ نعم، فقد دلت النصوص على أن الإقامة في الوطن عز وكرامة وقيمة وقدر، وورد أن الإخراج منه ذل وإهانة ومهانة، فالآيات كثيرة: منها: قال تعالى: “وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا”، وأيضا: “قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما” فأصبح الدفاع عن الوطن من فروض العين، على كل مقيم فيه، لأن بسقوطه وإهداره، يعد إهدارًا للكرامة والمنزلة، بل والآدمية، وحين يسقط الوطن، تسقط العزة، والأنفة والمنعة، ويكون الصغار والهوان.
وقد ابتلينا بهذا في نكسة 5 يونيو 1967، ولكن شاءت إرادة الله أن يسقط جزء من الوطن دون أن تسقط الإرادة، وأن نفقد السلاح دون أن نفقد العزيمة، وأن ينصرف كثيرون عنا فكان لجوؤنا إلى الله، وقد إستنصرنا إخواننا العرب والمسلمين، فنصرونا، فكان الإعداد والاستعداد لأداء فرض العين، وهو قهر وكسر وطرد وإذلال المعتدي الغاصب، صدقت النية من ناحية مع الله، وكان الإعداد الجيد من ناحية ثانية، وقوة الإيمان من ناحية ثالثة، فحررت الأرض المغتصبة في غمضة عين وانتباهتها، بما لا يخطر على بال أحد في الشرق أو الغرب، أن ذلك سيحدث، وبخاصة أن الهزيمة كانت كبرى في 1967، وأن الفترة الزمنية للإعداد والاستعداد كانت قصيرة، وأن بعض الدول قد منعتنا السلاح، وأن إسرائيل قد جابت الشرق والغرب تدعو حلفاءها إلى عدم مد مصر والعرب بالسلاح، حرصًا على سلامتهم، فضلا عن الموانع الطبيعية، (قناة السويس)، والموانع الصناعية (خط بارليف)، فضلا عن الظهير الصحراوي في سيناء، مما أصاب البعض باليأس حينها، ولكنه الجندي المصري، خير أجناد الأرض والقيادة المصرية، التي تتسم بالحنكة، والقدرة على المراوغة، والتفوق السياسي، والمداهنة، (الدهاء السياسي)، مما مكن الجيش المصري من تحقيق أكبر نصر في أقل وقت في التاريخ المعاصر، وصارت حرب أكتوبر درسًا يدرس في كل الكليات العسكرية، في بلاد العالم، نظرًا لغرابة الموقف والقدرة والسيطرة على ما لم يتصوره أحد (من نابلم في أسفل القناة والحاجب المائي بالقناة وارتفاع الساتر الترابي في شرق القناة)، وما جعل العدو في طمأنينة، وجعل جنودنا لا يغمضون عينا بغية تحقيق النصر دفاعًا عن الوطن.
أضاف، وقد أوجب الإسلام على عموم المسلمين الخروج للدفاع عن الوطن حال الاعتداء عليه، وجعله فرض عين، إذا تعذر على الجنود دفع ذلك، فتخرج المرأة بلا إذن من زوجها، ويخرج الولد بلا إذن من أبويه، لأن درء المعتدي وصده من فروض العين على جماعة المسلمين، والمحور الثاني: أهم قوانين النصر وشرف الجندية في ضوء الإسلام؟
هذا بالإضافة إلى الآيات القرآنية العظيمه والأحاديث النبوية الشريفة، جعلت منزلة المجاهدين في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة، والجهاد المشروع هو الذي يعلنه ولي الأمر، أو من يقوم مقامه ممن أنابه، وليس لطائفة أو جماعة أو جمعية، أن تعلن راية السيف على المسلمين أو غير المسلمين، لأنه افتئات على السلطة الشرعية، فإذا ما كان الاعتداء على الوطن فقد رأينا آيات القرآن تعلي قدر المدافعين عنه، وهو ما ورد كثيرًا في الثناء على المجاهدين وذم القاعدين، إلى عذر، والرسول “صلى الله عليه وسلم”، أخبرنا أن عينين لا تمسهما النار منها (عين باتت تحرس في سبيل الله، والأخرى بكت من خشية الله)، والرباط ومعناه الجندية، من خير الوظائف في الشريعة الإسلامية، لأن تأمين الحدود والدولة، يمكن من النهضة العلمية، والصناعية، فضلا عن الرقي الحضاري، والطمأنينة الأمنية، وقد رأينا أجنادنا في السادس من أكتوبر يتسابقون في عبور المانع المائي، ويتسابقون في رفع العلم على الساتر الترابي، ويتسابقون بمواهبهم الخاصة، في ميدان القتال، فاشتهر من بينهم محمد عبدالعاطي (صائد الدبابات)، واشتهر كثيرون بسمات خاصة في ميدان القتال، وكانوا يأبون الفطر في نهار رمضان، مع أنه مأذون لهم شرعًا؛ لأنهم في جهاد لأنهم كانوا يتمنون النصر من ناحية، والاستشهاد من ناحية ثانية، فيلقون ربهم، مقبلين، غير مدبرين، وصائمين غير مفطرين، وقد ساعدهم على تحقيق هذا النصر: عوامل عدة منها مايلي :
1- الوعي الديني بقيمة الدفاع عن الوطن ومنزلة الاستشهاد دونه .
2- تعظيم أجر الشهداء في الكتاب والسنه.
3- التدريب الجاد المجهد المضني، وقد شاركهم في التدريب قياداتهم، وكل من تحدث عن حرب أكتوبر 73 يذكر أنه في أرض المعركة (لم تكن هناك رتب إلا في الظاهر).
4- الكل في الواقع سواء، في الطعام والشراب، والإقامة.
5- الكل كان على قلب رجل واحد.
6- المنهج العلمي القابل للتطبيق على أرض الواقع.
وتابع : وفيما يتعلق بالخطط العسكرية، والتي يشيب من هولها الولدان، عندما نسمع ما قيل عنها من المشير الجمسي، والفريق سعد الدين الشاذلي، ومن آخرين تكلموا عنها، بما يكسبنا الفخار في قيادتنا العسكرية، وقدرتها على الإعداد والتخطيط والتنفيذ لتحقيق الأمل المرجو، وذلك قائم الآن إن شاء الله، هذا بالإضافة إلى وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها مع مصر لخوض هذه المعركة، وقد أثنى الرئيس الراحل محمد أنور السادات رحمه الله، علانية في مجلس الشعب، على الملك فيصل والشيخ زايد والشاه محمد رضا بهلوي، وآخرين، لمواقفهم الإيجابية، إلى جانب مصر في هذه المعركة، كما ذكر أسماء المتخاذلين، الذين أرادوا أن يتاجروا بالحدث، فكانوا سببًا في إسقاط القناع عن وجوههم، والأقوى من هذا كله، أن الشعب لا أقول كان وراء الجيش، بل كان مع الجيش، وقبل الجيش، وبعد الجيش، فقد تحمل الشعب الكثير من شظف العيش، وسوء الحياة تحت عبارة (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، وكانت مظاهرات التأييد تجوب الشرق والغرب في مصر تطالب الجيش بالإقدام.
، وفتح باب الدعم العسكري من قبل الأهالي، فجاب الفقراء قبل الأغنياء بما يملكون، حبا في الوطن ورغبة في ألا ينكسر الجيش المصري مرة ثانية، وأملا في الثأر من العدو الذي تجاوز حده، ونشر غطرسته، وأعلن أن جيشه لن يقهر، ولهذا جاءت البشارات سارة، رأينا قيادات إسرائيلية تُكسر بألويتها، ثم تأسر مثل (عساف ياجوري)، وقد ضرب الجيش المصري المثل الأعلى في الإنسانية في التعامل مع هؤلاء الأسرى، فأعطاهم الطعام والشراب وداوى المرضى وطبب الجرحى، على عكس ما صنعته إسرائيل عام 1967 حين كانوا يفرمون الجنود المصريين بالدبابات، ويقتلونهم عطشى، ومن أسروهم منهم قتلوه في سجونهم، مما يعلن شرف الجندية المصرية على غيرها من كثير من جنود الأرض.
عقب الدكتور عبدالقادر سليم ، أما المحور الثالث
فهو منزلة الشهداء ومكانتهم في الإسلام، ومما لاشك فيه أن الجنود في حرب أكتوبر، كانوا يتسابقون بعزه وكرامه، للدفاع عن أوطانهم وذلك لنيل إحدى الحسنين النصر أو الشهادة ،ولا شك أن منزلة الشهداء عند ربهم منزلة عظيمة ، ومما يؤكد على ذلك ما يلي، أن الشهداء مع النبيين والصديقين:
وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: “وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا” (النساء : 69)، ةالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون:حيث يقول المولى سبحانه وتعالى : ” وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ” (البقرة : 154)، ويقول أيضا في أية أخري : “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ “(آل عمران : 169: 171)، ويؤكد ذلك أحاديث نبوية كثيرة منها ما رواه الامام الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أنه قال : لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أُحد لقيني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , فقال : “يا جابر , مالي أراك منكسراً ؟ ” قلتُ : يا رسول الله استشهد أبي وترك عِيالاً ودَيْنًا , قال : ” أفلا أبشِّرك بما لقي الله به أباك ؟” قلت : بلى يا رسول الله , قال : “ما كلَّم الله أحداً قطُّ إلا من وراء حجاب , وكلّم أباك كِفاحاً, فقال : يا عبدي تمنَّ عليَّ أُعطِكَ , قال : يا رب تُحيينِي فأُقْتَل فيكَ ثانيةً , فقال الربُّ سبحانه إنه سبق مِنِّي أنهم إليها لا يرجِعُون . قال يا رب , فأبلِغْ مَنْ ورائي , قال : فأنزل الله تعالى : “ولا تحسبنَّ الذين قُتِلُوا في سبيلِ الله أمواتاً , بل أحياءٌ عند ربهم يُرزَقُونَ”، وقداختصهم الله تعالى دون غيرهم بخصال عظيمة، فقد جاء في الحديث عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم:
” للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانًا من أهل بيته. (رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه)، وأن الشهداء لا يشعرون بألم الموت:
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يجد الشهيد من مس القتل، إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
قال المناوي: الشهيد لا يجد ألم القتل، إلا كما يجد أحدكم مس القرصة. بمعنى أنه تعالى يهون عليه الموت، ويكفيه سكراته وكربه، وأرواح الشهداء تنعم في الجنة:
فقد جاء في الحديث أن أرواحهم في جوفِ طيرٍ خُضْر، لها قناديل معلَّقة بالعرش، تسرحُ من الجنة حيث شاءتْ، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربُّهم اطلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يَسْأَلوا، قالوا: يا رب، نريد أن تردَّ أرواحَنا في أجسادِنا حتى نقتلَ في سبيلك مرةً أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا) صحيح مسلم.
وأختتم حديثه قائلا :فألشهداء أرواحهم في نعيم الجنة، في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، كما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا شرف لهم، وحث لهم على الجهاد في سبيل الله، وهكذا أرواح المؤمنين عند الله أيضًا في الجنة، حية عند الله في الجنة، لكنهم دون الشهداء، وإن أعظم المراتب في الإسلام، هي مرتبة الشهداء، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم، إنها إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة قد تحقق في هذه المعركة، فالنصر لعموم الشعب المصري والأمة الإسلامية، والشهادة لمن اصطفاهم الله، واختارهم إلى جواره لتنال أعلى المراتب، في جنة الخلد، وأعطوا وعدا بالشفاعة في ذويهم، وأكسبوا أولادهم الفخر في الدنيا والمباهاة يوم القيامة، ويكفي أن الله وعدهم، ومن أصدق من الله قيلا، (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، فهم أحياء حياة روحية، منعمين بكل معنى الكلمة، وإن كنا لا ندرك هذا، وأحذر شباب اليوم من الانضمام إلى أي جماعة أو جمعية، توهمهم أنهم إن ماتوا سيكونون شهداء، لأن الشهيد من مات في قتال مشروع تحت راية ولي أمر عام (رئيس الدولة أو الحاكم) على اختلاف المسمى، وأما الخروج لجماعة إسلامية لقتل المسلمين الآخرين فمن قتلوه فهو شهيد، ويتحملون تبعة دمهم أمام الله، الذي قال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا..).
وقال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وأما من قتل من الجماعات الإسلامية فإنه خارج عن ولي الأمر(باغ، أو محارب)، فقتله جائز شرعًا، في ضوء آية الحرابة في سورة المائدة، فليس له أجر عند الله، ولا عند الناس، وأما من يفجر نفسه، بين الجيش أو الشرطة أو عموم الناس، فهو منتحر، والجنة حرام عليه، بنص أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويعاقب في جهنم بما قتل به نفسه في الدنيا، فيلبس حزاما ناسفا في جهنم لينفسه، ثم يجمع شتاته، ليلبسه ثانية فيفتته، وهكذا، فلا تأخذوا بأقوال السفهاء، أنكم إن متم، متم شهداء، بل موتكم انتحار، والإسلام منه براء.
ولذلك فقه قتدتنا أهمية السلام في الإسلام فانتهت الحرب باتفاقية كامب ديفيد ودخولنا مرحلة السلام، فالسلام رسالة الأنبياء، ولولا الحرب ما كان السلام، والسلام مهم من أجل البناء والتنمية، وأن نعيش في اطمئنان، والحرب إجهاض وإهدار للمال والنفس، والإسلام دين سلام، ولكن خضنا الحرب من أجل السلام، كما قالها الزعيم الراحل محمد أنور السادات، عليه رحمة الله، والمحور الرابع: الشهادة التي ننشدها في ضوء فقه الواقع، ومع إيماننا الكامل بأن مرجع الأمر في النيات أولاً وأخيرًا لله سبحانه وتعالى فإن الحكم بالظاهر هو أن الشهيد الحق هو من لقي الشهادة في ميدان القتال أو بسببه مدافعًا عن دينه ووطنه وعرضه وتراب وطنه مخلصًا لوجه الله لا لدنيا يصيبها أو لصالح جماعة متطرفة يتبعها ، كما تشمل الشهادة الحقيقية من استشهد في سبيل ذلك أثناء خدمته وأداء مهمته في إطار مؤسسات الدولة المعنية بذلك، وقد أكدنا وما زلنا نؤكد أن إعلان حالة الحرب والسلم المعبر عنها في العصر الحديث بحالة التعبئة وعند الفقهاء بالجهاد القتالي ، ليست أمرًا متروكًا لعامة الناس ، وإنما هي سلطة الحاكم في ضوء ما يقرر قانون كل دولة ودستورها ، وأنه ليس لأحد أن يخرج للقتال من تلقاء نفسه في غير ما ينظمه القانون والدستور ، وإلا لصار الناس إلى أبواب من الفوضى لا تسد،
وبناء على ذلك فإن من مات على فراشه أو في بيته أو أي مكان آخر غير ما ذكرنا فإن إطلاق الشهادة عليه لا يخرج عن أحد أمرين : إما أن يكون إطلاق الشهادة عليه من باب المجاز , بأن له منزلة من منازل الشهداء عند ربهم , وذلك لمن مات مبطونًا أو محروقًا أو غريقًا أو نحو ذلك مما وردت به السنة المشرفة كما في الحديث , حيث يقول رسولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم): “الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ ، والغَرِيقُ ، وَصَاحبُ الهَدْم ، وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه” (متفق عليه).
وإما أن يكون الأمر محصورا بين التزيد والادعاء والكذب والمتاجرة بالدين ، كهؤلاء الذين اعتادوا الكذب واستحلوه ، فراحوا يكذبون ويزورون ويصفون من مات حتف أنفه على مرأى ومسمع من العالمين بالشهيد كذبًا وافتراء ومتاجرة بالدين، وفي الختام ندعوا الله سبحانه وتعالى أن يحفظ مصر قيادة وشعبا وأن يجعلها في أمانه وضمانه.. وان يرحم شهداء الواجب وأن يربط على قلوب ذويهم.