بقلم ✍️ أ.د عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة ـ جامعة الأزهر)
إن النهضة في جملتها يصعب أن تتحقق بعيدا عن إنسان تم بناؤه في ضوء خبرات تكاملت بها المعارف والمهارات والوجدانيات؛ فأكسبته سلوكا قويما، وهذا لن يحدث إلا بواسطة صاحب الرسالة السامية الذي يخطط عن قصد وينفذ ويتابع عن كثب ما قام به المتعلم من مهام تعليمية تجعله قادرًا على أن يستكمل مسار تعلمه وتدفعه لأن يحسن من مهاراته ويبدى رغبة في مزيد من التعلم، وينمو لديه شغف حب الاستطلاع العلمي.
وثمة اتفاق على أن التدريس من المهن السامية التي تعمل على تغذية العقل وتعزز مسار الفكر في صورته القويمة وتساعد في صقل المهارات النوعية وتسهم في بناء وجدان راقي، وهذا يكمن في تحقيق أهداف العملية التعليمية مرهونة بمعلم يمتلك مهارات القرن الحادي والعشرين بصورة وظيفية حقيقية لا تقبل التمييع.
ودون مواربة يشكل التعليم قضية أمن قومي حيث إنه معني بتشكيل الوعي في صورته الصحيحة تجاه بناء ونهضة الوطن، وبما يتوافق اليوم مع طبيعة جيل المتعلمين الذي يرتبط بالتقنية في كافة ممارساته الحياتية والعلمية والعملية.
ومما لاشك فيه أن فلسفة تشكيل الوعي تقوم على أن اكتساب خبرات التعلم في مجالاتها المعرفية والمهارية والوجدانية ومن ثم فهي مرهونة بما يقوم به المتعلم من أداءات في مهام الأنشطة التعليمية، التي تنبثق من أهداف التعلم المنشودة في صورتها الإجرائية.
وهذا بالطبع يستوجب على المعلم أن يتقن المهارات التي ينبغي أن يمارسها عبر البيئات التعليمية المتاحة؛ ليتمكن من القيام بمهارات الأداء التدريس التفاعلية التي منها التهيئة والشرح والإيضاح والتوجيه والإرشاد وتوزيع الأدوار وتقديم التعزيز والتغذية الراجعة، والتقويم المستمر وفق أنماطه المختلفة.
والمعلم المثالي يدرك خطورة مهمته، والتي على أثرها تقوم بناء الأمم وتنهض الشعوب؛ فهو بحق يُسهم بقوة في بناء العقول التي تبنى وتعمر، ومن ثم فالمتعلم يعد ثروة الوطن؛ فلا تهاون في إكسابه خبرات التعلم المقررة والمحددة من قبل السياسة التعليمية المعلنة.
وهناك دلالات تؤكد على مثالية المعلم؛ حيث وعيه بماهية النشاط التعليمي الذي يشكل مجموعة المهام التي يخططها المعلم مسبقاً، ويؤديها المتعلمون أثناء تواجدهم بالبيئة التعليمية، وتُقدَّم لهم في صورة فردية كانت أم جماعية، وهذه المهام يتم اشتقاقها من المحتوى التعليمي لموضوع التعلم.
ويدرك المعلم المثالي أنه من خلال المهام التي يتضمنها النشاط التعليمي تتحقق أهداف موضوع التعلم الإجرائية المحددة سلفاً، وأن النشاط التعليمي يتضمن في طياته البعد الزمني، وأدوار المشاركين، والتعليمات والإرشادات المرتبطة بطبيعة المهمة أو المهام التي يمارسها أو يؤديها المتعلم منفرداً أو متعاوناً، كما يشمل النشاط التعليمي آليات التقويم التي تحدد أنماط التعزيز أو التغذية الراجعة، المرتبطة بمهامه.
وهنالك مقومات مهنية منوط بها المعلم المثالي، تسهم قطعاً في تحقيق الغايات التعليمية، منها: مقدرته على إعداد الأنشطة التعليمية في صورة مهام قابلة للقياس والرصد، تتوافق مع طبيعة المتعلمين؛ ليتمكن من تقديم الخبرات التعليمية المراد إكسابها لهم بكل سهولة ويسر عبر المنصات التعليمية الرقمية؛ لأن حجر العثرة يبدو جلياً في: ماذا سيفعل المتعلم منفرداً ومشاركاً عبر المنصات التعليمية الرقمية؟.
والأمر هنا لا يتوقف عند حد الشرح أو التلقين عبر المنصات التعليمية الرقمية، وإنما يتركز الاهتمام على آلية ممارسة مهام الأنشطة التعليمية بواسطة المتعلم، وتحت إشراف المعلم المباشر، مع الأخذ في الاعتبار تفعيل التعليم المتزامن والتعليم غير المتزامن عبر المنصات التعليمية الرقمية، كما ينبغي أن يراعي المعلم الفروق الفردية بين المتعلمين، بتوفير أنماط تعليمية تتسم بالتفاعلية، يؤدي المتعلم من خلالها أدواراً ومهام محددة، يمكن ملاحظتها، وقياسها، ومن ثم يمكن البناء عليها والعمل على تطويرها وتحسينها.
ويسعى دومًا المعلم المثالي إلى الالتحاق بمسارات التنمية المهنية والأكاديمية والارتقاء بمستوى المهارات التقنية والتمكن من مهارات توظيف البرمجيات والتطبيقات التعليمية، وهذا في ضوء خطط تنفيذية على أرض الواقع التعليمي وفق سلمه المتعدد، ويواجه المعلم دوماً مزيداً من التحديات التي تشكل صعوبة في تحقيق أهداف العملية التعليمية، وفي المقابل لا مناص من استكمال المسيرة التي تبني العقول.
سدّد الله خطى كل من يسهم في بناء عقول أجيال تشكل عماد الأمة وحراسها، وبارك الله في جهود كل معلم ومعلمة تعد نموذجاً يُقتدى به وصورة مشرفة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.