شاهدت فيلم ريش، وهو بالفعل حالة فنية تستحق المشاهدة وربما انزعج الناس من تصوير الضعف البشري إزاء الفقر وبساطة الحال لكنهم نسوا انها جزء منا لا يتجزأ..يجب الاعتراف به.. الفيلم صفعة على وجه المجتمع كي يفيق في إطار فانتازي يذكرني بالواقعية السحرية عند ماركيز حيث مزج الواقع المرير بالخيال واعتمد اعتمادا كليا على ممثلين مغمورين جاؤوا من قلب الواقع ليجسدوا معاناته المرسومة على وجوههم بصدق لا نجده في وجوه فناني الدرجة الأولى في سينما المجتمع الراقي .
لقد استبدل القائمون على فيلم ريش الاصباغ والألوان والازياء الغالية التي يضعها ممثلونا بالمكياج الداخلي المتمثل في صدق الأداء والتعبير المخلص في هدوء ودون ضجيج كما يفعل المتشدقون بالواقعية في افلامنا.. انه انين ضعيف يشق قلوب الأحياء ويعلن عن حياة بسيطة مؤلمة لافرادها.. فالرجل الذي يقهر زوجته وهو مايتضح في استسلامها التام في مشاهدها معه ورضوخها للواقع يستبدله الساحر بدجاجة لاحول لها ولا قوة مع مافيها من رموز لحضور المرأة وغياب الرجل.. ليبدأ التحول الدرامي في حياة أسرة بسيطة فقيرة … إذ تضطر المرأة للدخول في معترك الحياة الصعبة دون مساعدة الا من صديق نعرف بعدها نيته في التحرش بها وعندما تقاوم تترك وحيدة في مضمار الحياة تعمل وتشقي من أجل أولادها دون أثر للزوج ولكنه يظهر بعد أن وجدته الشرطة مع المشردين ملقي في الشارع وتحاول معالجته فينصحها الطبيب بأهمية نقله الي المستشفى. في نفس الوقت تذبح الدجاجة لانه لم يصبح لها قيمة بعد ظهور الزوج وفي ذلك إشارة واضحة من خلال الد ماء التي ملأت يديها على حياة ملؤها المعاناة وايضا على قوتها التي اكتسبتها بعد أن نضجت الزوجة ودخلت معترك الحياة وحدها.
ان ذبح الدجاجة التي تمثل الزوج يعد ايذانا بانتهاء الاسطورة والخيال لصالح فرض الواقع لعضلاته وسطوته على بطلة العمل بعد خنقها لزوجها شبه الميت فهو الحاضر / الغائب الذي أصبح عبئا فوق اعبائها.. هذا الفعل الذي قررته الزوجة بإصرار..وهو خنق الزوج بعد أن فاض بها الكيل وهو ما يعد تحررا من كل أشكال الاعتمادية من جهة والاستسلام من جهة أخرى والجهل أيضا بأشكال التلاعب والزيف في المجتمع .. لهذا اقترن هذا الفعل بذبح الدجاجة كإنتهاء للماضي بعناصره الخيالية التي سيطرت على أفكارها وافكار الجميع ..و ينتهي الفيلم بمشهد يجمع الزوجة مع أطفالها أمام التليفزيون حيث نسمع اغنية تحض على البهجة والاحتفاء بالغد والحياة..
وعبر موسيقى منتقاه يرسل الفيلم رسالته لتقض مضاجع النائمين الذين ارتكنوا للحياة الرغدة وجنحوا لصم اذانهم عن انين المتعبين في هذا العالم.. والفيلم رغم مايري الكثيرون من ان مدته طويلة بالنسبة للمضمون الا انه يعمق ويؤكد من خلال مشاهده الطويلة على ثقل الحياة وسوداويتها في حياة الفقراء ومحدو دي الدخل ومن هم تحت خط الفقر في مجتمعنا …. بإنتاج فقير لكنه غني بقيمه التي يبثها استطاع المخرج عمر الزهيري والمؤلف احمد عامر الذي شاركه التأليف أيضا.. والممثلون وعلى رأسهم البطلة دميانة نصار استطاعوا التعبير عن رسالتهم ببساطة تظهر في أداء تلقائي دال ومشاهد المعاناة في أجواء المنزل والعمل والشارع.. لتنكشف عبر الفيلم معاناة البسطاء إزاء مجتمع يدفن رأسه ويعلن عن افلاسه ماديا وفنيا بدلا من الاحتفاء بفيلم حصد الجوائز خارج مصر وداخلها.