بقلم ✍️ أ.د عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة – جامعة الأزهر)
تقوم فلسفة بناء الإنسان على مجموع الجهود المبذولة من قبل الأسرة والمؤسسة التربوية والمجتمعية والتأهيلية التي تُسهم في التكوين العقلي والنفسي والثقافي والسياسي والاجتماعي والعلمي؛ ليصبح قادرا على أن يشارك في بناء وطنه، ويقدم أفضل ما لديه كي يساعد في إحداث تنمية شاملة بمجالاتها المختلفة.
وتعد الأسرة اللبنة الرئيسة في عملية البناء؛ حيث الاهتمام البالغ بغرس القيم النبيلة والخلق الحميد منذ المهد، بما يُسهم في اكساب سلوكيات وتعديل أخرى تمكن الإنسان من أن يؤدي أدورًا في صورتها الحسنة، ويمارس أداءات يتقبلها المحيطين به، ويستوعب الخطأ حال الوقوع فيه، ويشعر بالسعادة عندما يثاب أو يعزز، ويدرك حالة عدم الرضا عنه حال قيامه بسلوك غير مرغوب فيه.
وتقوم فلسفة البناء من قبل الأسرة على مقومات النجاح التربوي التي تكمن في الاحتواء والمحبة وإحاطة النشء بالدفء، ومن ثم يستشعر الإنسان الأمن والأمان، ويستوعب أنه ذو قيمة ومقدار بين أفراد أسرته؛ فتبدأ ثقته بنفسه وتقديره لذاته، ومن ثم يبدى اهتماما لما يقدم له من نصائح وإرشادات وتوجيهات مصبوغة بالحنية والحنان؛ فيتلقاها بصدر رحب ويعمل عليها قدر مستطاعه حتى تستقيم الأمور له شيئًا فشيء.
ورغم تباين الثقافات إلا أن مراحل البناء للإنسان لا تختلف في فلسفتها؛ حيث إن ماهية القيم التي تقوم الأسرة بغرسها لا تتباين في مكنونها؛ فمعنى القيمة يعبر عن ممارسة مرتبطة بوجدانيات لا تقبل التغيير أو التجزيل.
وهذا في الحقيقة يؤدي إلى استقرار المجتمع ويضمن بقاءه ويؤكد على مفهوم التكافل والتضامن، ويعزز من صور الترابط المجتمعي، بغض النظر عن التباين الثقافي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو العقدي بين الأسر بالمجتمع الواحد.
/
وداخل إطار المكون الأسري نؤكد أن الأمومة في حد ذاتها مدرسة متكاملة، تشكل سياج الحنان الذي نرصده في صور الرعاية منذ الولادة وإلى أن يستقل الإنسان بحياته، ويصبح قادرًا على العمل ومسئولًا عن رعاية أسرته الجديدة، وإلى أن يبلغ هذا المرمى يقضى وقتًا طويلًا في خضم تربية الأم؛ فيستقي جل خبراته منها سواءً أكانت معارف وممارسات قويمة ووجدانيات متنوعة قد تعمل على تعضيد التراث الثقافي في ذهنه؛ ليصبح محبًا لوطنه ورموزه ولتاريخه وجغرافيته منتميًا بقوة لجذوره وأصوله، يمتلك نزعة الحفاظ على مقدراته.
إننا في حاجة ماسة إلى أن نعمل على بناء الإنسان وفق مفاهيم أضحت مهمة في ضوء ما يموج به العالم من صراعات ونزاعات لا تنتهي؛ حيث ينبغي أن يدرك حقيقة التسامح والتفاهم واحترام الخصوصيات والعقائد، وأن يعي طبيعة السنن الكونية التي اقتضت التباين بين بني البشر، ومن ثم يهتم بما يحدث في العالم من مجريات، وألا ينفصل عن قضايا وواقع أمته العربية والإسلامية، فما يصيب جزء من العالم ينتقل أثره إلى أجزاء أخرى.
ونوقن أن التربية الرسمية تعمل بقصد وبصورة ممنهجة على تغذية العقول وتعزيز الوجدان بالقيم والمبادئ والفضائل، ناهيك عن المعارف التي تتضمن في طياتها صحيح المفاهيم والمعتقد، بما يؤكد على السلوك العربي المصري القويم الذي يتناغم مع مكون حضارتنا وما تشمله من ثقافة أصيلة المكنون والمكون؛ لذا باتت المؤسسة التعليمية تقوم برسالتها السامية التي تبدو جلية في تعضيد النسق القيمي الذي يشكل اللبنة الرئيسة لبناء الإنسان.
وفي هذا الإطار نعي جيدًا الفلسفة التي تعتمد عليها المؤسسة التربوية في بناء الإنسان، والتي تتمثل في العمل المخطط والمقصود والمتواصل تجاه بناء قواعد أخلاقية تصبح بمثابة المعيار أو المرجعية التي يتمسك بها النشء والتي تجعله يمارس السلوك الصحيح، ويتجنب غير القويم منه، بل ويتمكن من مراجعة ذاته حال الوقوع في الخطأ، وبالطبع يتناغم ذلك مع النسق القيمي لمجتمعنا، وما به من ضوابط الخلق النبيل النابع دون شك من أيديولوجية وفلسفة المجتمع المصري.
ونثق في أن بناء الإنسان داخل مؤسساتنا التربوية يقوم على اكسابه العديد من البنى المعرفية الصحيحة والخبرات النوعية التي تجعله قادرًا على فرز الغث من الثمين؛ فلا تستهويه أطياف سحر الثقافات التي تهتم بالمادة وما يرتبط بها من متع ولو كانت في جملتها غير منضبطة أو تنافي ما تربينا عليه من قيم وأخلاق وعادات تتسم بالنبل وتحافظ على الكرامة وتصون الشرف وتعضد العفة؛ فيصبح بنيان المجتمع قوي لا يفت عضده من يكيد له بليل ومن يحمل إليه شتى مغريات الثقافات المستوردة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.