# من أول السطر
نجح “ترامب” وعاد للمشهد الأممي من جديد وأخفقت “كامالا هاريس “،وفي معظم من الأحيان تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..
ربما يصدق هذا لدي الناخب الأمريكي، أو لدي بعض أبناء الغرب ممن لديهم تحفظات أوحسابات خاصة أو مع شخوص ورموز القيادات الأمريكية.
أما أحرار العالم فأتصور أنه لا شأن لهم بهذه القضية ولا بمن نجح أو بمن فشل للوصول لمقعد الرئاسة ،فلن تتخلي الولايات المتحدة ببساطة عن موقع الصدارة والهيمنة علي مصائر بلاد الدنيا ولن تتبدل سياساتها ومخططاتها الاستراتيجية لتصبح راعية للحق والعدل ، في طرفة عين ،بعيدا عن الشعارات الزائفة التي تطلقها من آن لآخر لتجميل وجوها قبيحة وسياسات مزدوجة لا تعرف إلا لغة النفعية المطلقة ولو كره الكارهون!.
نجح “ترامب”، ليس لكفائته المطلقة أو لتاريخه وإنجازاته خلال فترة رئاسته الأولي ،وإنما لظروف خاصة وحصاد لفراغ سياسي وحسابات وتوزانات، لم تجد في النهاية رمزا جديدا يتحمل مسؤولية قيادة أكبر دول العالم بكفاءة وإقتدار !.
وبين عشية وضحاها عاد “دونالد ترامب” إلي مقعد البيت الأبيض من جديد وانطوت صفحة”بادين”، والتي اختتمت سطورها بأسوء المشاهد الإنسانية وتراجع حقوق الإنسان في مختلف ربوع العالم ،بعد هذا الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني ،ومن قبلها إشعال الحرب الأوكرانية التي لم تضع أوزارها بعد.!.
كما تسببت السياسات الأمريكية في انقسام العالم أيديولوجيا وجيوسياسيا ،علاوة علي ما شهدته مختلف دول المعمورة من الموجات الهادرة المتتابعة لأزمات التضخم ونقص الغذاء والطاقة،وإستمرار النزاعات والصراعات والخلافات ،وحتي إشعار آخر!.
ويبدو أن كشف حساب”بادين” أكثر قسوة لدي الأمريكيين بعد فشله في حماية مقدرات أمريكا وتحميل خزانة الدولة آلاف المليارات من الدولارات عبر دعم اوكرانيا وإسرائيل دون فائدة ،علاوة علي فشله في حماية الاقتصاد الأمريكي وإيجاد حلول فاعلة لقضايا الحدود والضرائب وغيرها من قضايا ومشكلات المجتمع الأمريكي.
كما يبدو كشف حسابه قاتما ومؤلما علي المستوي الأممي ،فقد صنع “بايدن” مزيدا من الفجوات النفسية لدي غالبية دول العالم ،عدا أنصارها وحلفائها ،وأمست الولايات المتحدة الأمريكية في موضع أكثر كراهية ومقتا لدي شعوب العالم الحر.
ومع بودار هذا الغرس السيء تتجه أمريكا تدريجيا للتخلي عن منصب رئيس مجلس إدارة العالم والشرطي المفترض أن يكون “أمينا “،ومعها تزايد تطلعات أبناء المعمورة نحو إقرار نظام عالمي جديد ،انتهاء الصراعات الأممية وعصر القطب الأوحد ،كما تنفس المعسكر الشرقي الصعداء ، تعزيزا لمساعيه الحثيثة نحو تدشين نظام متعدد الأقطاب.
غادر “بايدن” وترك أرثا ثقيلا للرئيس”ترامب” والكثير من الملفات المفتوحه شرقا وغربا والتي تتطلب اتخاذ إجراءات وخطوات فاعلة للحسم وصولا إلي هدنة دهرية لالتقاط الأنفاس ووقف جحيم وتداعيات الحروب والمتغيرات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة ومحاصرة آثارها علي المستوي المحلي وبصفة خاصة لدي الدول الساعية للنمو ودول الاقتصادات الناشئة والتي تلقت الكثير والكثير من الصدمات والنكبات وأمست بين قوسين أو أدنى من العودة مجددا لدائرة الدول المتخلفة حضاريا واقتصاديا نتيجة أزماتها الاقتصادية والسياسية المتلاحقة ،وانعكاسات الأحداث الأممية بمرددوها السيء وحصادها المر!.
لقد عاد “ترامب” الشخصية الأكثر جدلاً في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وسط تفاؤل حذر من قبل مواطنيه ترقبا لتنفيذ وعوده، وكثير من الترقب و”اللاتفاؤل” في مختلف دول العالم ،فمواقفه معروفة سلفا تجاه القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط وتجاه إيران والمعسكر الصيني، وغيرها من الملفات ولا يتوقع أن تحظي بدرجة كبيرة من التغيير أو التنازل عن قناعاته المسبقة !.
تولي “دونالد جون ترامب” والذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري منصب الرئيس ال 45 للولايات المتحدة خلال الفترة من 2017 إلى 2021، وأصبح الرئيس المنتخب الحالي بعد انتخابات عام 2024، حيث من المتوقع أن يتولى منصبه كرئيس رقم 47 في 20 يناير 2025.
وفور إعلان فوزه أكد ترامب أنه سيسعي لانهاء الحرب وإنقاذ اقتصاد امريكا ومعالجة قضية الحدود والمهاجرين..والأيام القادمة وبعد توليه السلطة بصورة رسمية هي الكفيلة بالحكم علي مدي صدق هذه الوعود.
ويعتبر أنصار الرئيس الجمهوري “ترامب” أنه منقذ وبطل يدافع عن قيمهم ضد الليبراليين في الولايات المتحدة، بينما يرى المعارضون لترامب أنه مجرم مدان وقد تابعوا حملاته الانتخابية بذهول، وعبروا عن صدمتهم من سياساته المتطرفة وسلوكه غير اللائق، كما انتقدوا استخدامه المتهور لوسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة رئاسته الأولي وبعدها.
ويعتمد ترامب علي الفكر “الديماجوجي” المثير للحماس وصناعة التوتر، وخلال فترة رئاسته الأولي واجه العديد من القضايا والانتقادات علي المستوي المحلي والدولي .
فخلال دعايته أثناء السباق الانتخابي مع “بادين” روج “ترامب” لسردية أن الانتخابات “مسروقة”،وقام عدد من أنصاره ومجموعة من اليمينيين المتطرفين وبعض أنصاره باقتحام مبنى “الكونجرس” رافضا ترامب قبول خسارته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 أمام جو بايدن، وزعم أنها “سرقت” منه، وواصل مؤيدوه دعمه، حيث صدقته أعداد كبيرة من المحافظين.
ورغم أن العديد من التحقيقات أثبتت أن هذا الادعاء غير صحيح، إلا أن ترامب استمر في القول إن الديمقراطيين ارتكبوا تزويرا انتخابيا، حتى بعد أن رفض جميع المحاكم التي فحصت هذه الادعاءات.
وقبل أسبوع من نهاية ولايته الأولى، صوت مجلس النواب لصالح عزل ترامب بتهمة التحريض على التمرد. وصوت عشرة نواب جمهوريين لصالح العزل، وهو أكبر عدد من الأصوات المؤيدة للعزل على الإطلاق من حزب رئيس، وأول مرة يتم فيها التصويت بعزل رئيس أكثر من مرة. وبرأه مجلس الشيوخ في الشهر التالي، ولكن في عام 2023، وُجهت إلى ترامب عدة تهم تتعلق برفضه قبول نتائج انتخابات 2020 ،إساءة استخدام السلطة وعرقلة الكونغرس.
وقد استأنف فريق ترامب القانوني الحكم الذي أصدرته المحكمة، وأحيلت القضية إلى المحكمة العليا الأمريكية ،والتي قررت أن الرؤساء يتمتعون بحماية قانونية من الملاحقة القضائية بسبب أفعالهم أثناء فترة ولايتهم ، بعد ذلك، أعاد المدعون توجيه التهم ضد “ترامب”، ولكن مع بعض التعديلات، وما زال ترامب يواجه العديد من التحديات القانونية تشمل محاكمات تتعلق بالاحتيال في كيفية إدارة أعمال العائلة التي يشرف عليها هو وأبناؤه، بالإضافة إلى محاكمات أخرى تتعلق بتصرفاته بعد خسارته انتخابات عام 2020.
وتركزت محاكمة العزل حول الادعاء بأن ترامب حجب المساعدات العسكرية عن أوكرانيا للضغط على كييف لإجراء تحقيقات تهدف إلى دعم إعادة انتخابه في عام 2020 عبر التحقيق مع “جو وهنتر بايدن”، رغم ذلك، فقد رفض ترامب جميع الاتهامات، واعتمد مجلس النواب مادتين من مواد العزل ضد ترامب، وهما إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس، ولكن مجلس الشيوخ الذي كان يقوده الجمهوريون برأه ولم يُعزل من منصبه.
كما تركت جائحة فيروس كورونا أيضا بصمتها على رئاسة ترامب، حيث كان معدل الوفيات بسبب كوفيد-19 أعلى بكثير في الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأخرى ،بينما سخر “ترامب” من الجائحة،وقلل من خطورة الموقف ومدي تأثيرها علي الإنتاج والاقتصادي بدلاً من الاستماع إلى نصائح الخبراء الطبيين والباحثين ، وأجزم المعارضون إن سلوكه ساهم في وفاة مئات الآلاف من الأمريكيين.
وتحت شعار “امريكا أولا”في هذا الإطار، يهتم ناخبو ترامب بوعده بجعل ‘أمريكا أولاً’ ،فقد انتقد ترامب حلف شمال الأطلسي، الذي يُعتبر تحالفا عسكريا مهما للولايات المتحدة، وقرر الانسحاب من منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، وفرض مجموعة من الضرائب تجاه المنتجات الصينية كما تخلّى عن اتفاقية باريس للمناخ، التي تهدف إلى حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي.
ويري المراقبون ، أنه بالرغم من صعوبة التنبؤ بمستقبل الولايات المتحدة والعالم خلال ولاية ترامب الثانية، فإن النظر إلى فترة ولايته الأولى وما بعدها قد يوفر بعض المؤشرات حول ما سيحدث وسيحدد الخطوط العريضة لسياساته داخليا وخارجيا.
وعلي المستوي الأممي والعربي أتصور أن “بايدن” و”ترامب” وجهان لعملة واحدة ،فلا فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين ، وتظل الرؤي الاستراتيجية الأمريكية هي الحاكمة والموجه والقابضة علي زمام الأمور وحتي إشعار آخر..
كما أن مواقفه يعرفها الجميع تجاه “صفقة القرن” وتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى على حساب مصالح ومقدرات الدول العربية.
إن كل ما نطمح إليه ونتأمله خلال العهد “الترامبي” والذي يبدأ رسميا مطلع العام الجديد هو إعلاء القيم الإنسانية والانتصار للقانون الدولي واتخاذ خطوات فاعلة نحو التهدئة الفعلية والتخلي ولو جزيئا عن دعم هذا لوقف الكيان المتجبر التمدد الإسرائيلي في المنطقة وعودة الفلسطينين إلي أراضيهم وإعمار غزة وبحث تدشين الدولة الفلسطينية،او علي الاقل الاعتراف بحقهم في الحياة الآمنة علي تراب وطنهم الصامد.
كما تتوق الشعوب إلي أن تتحمل المنظمات الدولية والإقليمية مسؤولياتها في حماية الشعب الفلسطيني من هذه الممارسات العنصرية، وأن يستفيق المجتمع الدولي من غفوته ويعمل جاهدا لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة وضمان احترام هيبة القانون الدولي.
عفوا ..معشر العرب والمسلمين لا تنتظروا الحلول من الآخرين بل اصنعوا الأمل والمستقبل بأيديكم لا بأيدي تحالفات “العم سام”.. و(الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) صدق الله العظيم.