.. ويؤكدون: آن الأوان لتحقيق التوازن في العلاقة بين الطرفين.. بعد أن كان ثبات الإيجار عدوانا على قيمة العدل
على مدار العقود الأخيرة، أصبح قانون الإيجار القديم من الأمور التي تشغل بال ملايين المواطنين و البرلمان ، لتحديد و تنظيم العلاقة بين المالك و المستأجر ، و لتضمن لكلا الطرفين حقوقهم، خاصة و أن الخسائر سواء في الناحية الإيجارية أو المكان تطال الطرفين ، و بالذات مع المرور بالأزمات الاقتصادية التى تسببت فى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه .
تقول د.هناء سرور “عضو لجنتى الصحة والقيم بمجلس النواب”، إن حكم المحكمة الدستورية العليا الخاص بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية في نظام قانون الإيجار القديم يعد حكما تاريخيا وخطوة نحو تحقيق التوازن والعدالة في العلاقة بين المالك و المستأجر ، و أن ثبات الأجرة السنوية لأماكن السكنى يمثل عدوانا على قيمة العدل، لا سيما في ظل ما تشهده الدولة من ارتفاع في التضخم و زيادة فى الأسعار ، و هو ما أصبح يتطلب تدخلا تشريعيا عاجلًا لإعادة تنظيم تلك العلاقة بين المالك و المستأجر إقرارا للعدالة الناجزة و ضمانا للحقوق.
أوضحت عضو مجلس النواب، أن المحكمة راعت في تطبيق أثر الحكم من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي ، و أعملت سلطتها في ذلك لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن السكنية، كما شيدت حكمها على أن القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن السكنية تنطوي على الامتداد القانوني لعقود إيجارها، و التدخل التشريعي في تحديد أجرتها، مشيرة إلى أن “الدستورية العليا ” كشفت في حكمها عن أن تحديد الأجرة يجب أن يستند إلى ضوابط موضوعية لتحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، دون استغلال لطرف على حساب الآخر، مطالبة البرلمان بالإسراع في تنظيم وضبط تلك العلاقة ، لضمان تطبيق العدالة الناجزة والقضاء على الفوضى التي تشهدها منظومة الإيجار القديم.
أوضح طارق حمزة ” محام ” أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولي والثانية من القانون ١٣٦ لسنة 1981 بشأن إيجار الأماكن القديمة و تنظيم العلاقة بين المالك و المستأجر، و بالتالي تغير قيمة الأجرة الشهرية المقررة مما يؤثر على ملايين الشقق المؤجرة لغرض السكني، ويعد هذا الحكم فى رأى البعض منصفا لأصحاب العقارات القديمة والبعض الآخر يرى أنه غير منصف ، فبصدور هذا الحكم التاريخي تتغير أوضاع استمرت نحو ٤٣ عاما ،حيث نص القانون الذي صدر قبل ٤٣ عاما علي ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون و عدم زيادتها دون الوضع في الاعتبار الزيادات المستمرة في الأسعار و التضخم الاقتصادي و السكاني مما أدى إلى خلل في العلاقة الإيجارية بين المالك و المستأجر لصالح المستأجر على حساب المالك و الصدام بين الطرفين وإقامة قضايا عديدة أمام القضاء، وكان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية وإعمالا للمادة 49 من قانونها بأنها من تحدد تاريخ سريان حكمها لاستقرار المراكز القانونية و أن يتم سريان ذلك الحكم اعتبارا من نهاية دور الانعقاد التشريعي الحالى، و لم تطلب تنفیذ الحكم فور صدوره أو بأثر رجعى و بمجرد تنفيذ ذلك الحكم يجب أن يراعى عدة جوانب عند تنفيذه، وهو إعادة التوازن بين القيمة الإيجارية المستقبلية للوحدات السكنية المستأجرة وفقا للقانون القديم وما شهده الواقع الحالي من تضخم و زيادة في الأسعار و اختلاف الأماكن من مكان إلى مكان، خاصة في المحافظات الراقية و النائية و يجب أن تكون هناك لجان مختصة لتحديد القيمة الاستثمارية للعقار الموجودة به العين المؤجرة أو وجود خبير قضائي وأن تكون هناك ضوابط من شأنها تنفيذ بنود العقد طالما كان عقدا موثقا والتزام المالك بالضريبة المقررة على مبالغ الإيجار المستحقة له من المستأجر ويجب علي الجميع توثيق الملكيات الخاصة، و يجب مناقشة جميع الجهات المختصة من لجان تشريعية من الإسكان و النقابات المختصة حتى لا يكون هناك عوار في التنفيذ أو صدام جديد بين المالك و المستأجر.
قال علاء صلاح ” أحد الملاك ” أرى أن هذا الملف تأخر كثيرا و جاء الوقت لتطبيق العدالة المجتمعية لهذه العلاقة بين المالك و المستأجر ، بعد أن كان حق المالك مهضوما ،و لكن فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية نجد أن المستأجر هو المظلوم ،ومن هنا كان لابد من تدخل الدولة لإيجاد حلول عادلة للطرفين مثلا تعرض على المستأجر و تخيره أو تعطيه أو تملكه وحدة سكنية بالتقسيط المريح أو تملكه قطعة أرض للبناء عليها بالتقسيط على فترات طويلة و بأسعار رمزية و تكون فى مناطق بالظهير الصحراوى لمحافظته إن كان لها ظهير ، أو تلحق بالمحافظة المجاورة لها إن لم يكن لها ظهير ، و هذا على سبيل المثال.
أوضح محمد عمرو ” محاسب ” أنه لاشك أن تثبيت قيمة الإيجار لأصل عقاري قيمته السوقية في صعود دائم و معدلات العائد علي استثماره ترتفع مع مرور الزمن فيه إجحاف و غبن لمالك هذا الأصل ، ومن هنا تأتي أهمية حكم المحكمة الدستورية الأخير في هذا الشأن ، ولكن مسألة التطبيق والمعالجة هي التي سوف يعترضها بعض التحديات و التوازنات التي يجب التصدي لها بحكمة ودون تعجل خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة ، و من ثم أقترح أن تكون عملية المعالجة قائمة علي فترة انتقالية لا تقل عن عشر سنوات تزاد فيها القيمة الإيجارية و بنسب معقولة إلي أن يتم تحرير القيمة بالكامل و خضوعها لآليات السوق في نهاية هذه الفترة ، كما يجب علي الدولة خلق آليات من بينها تخصيص دعم مالي للفئات الفقيرة كي تقدر علي تحمل فاتورة إصلاح تلك الأوضاع .
أكد محمود المرسى “وكيل وزارة بالإدارة المحلية سابقا ” أن قضية الإيجارات القديمة تعد من أبرز الملفات الشائكة التي تواجه المجتمع المصري منذ عقود، إذ ترتبط بملايين المواطنين سواء من الملاك أو المستأجرين،و تنبع أهمية هذه القضية من تأثيرها المباشر على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية لكلا الطرفين، فضلًا عن بعدها القانوني و الدستوري.
أوضح ” المرسى ” أن الرأي المطروح يعكس منهجية متوازنة تسعى لتحقيق العدالة بين أطراف النزاع (الملاك و المستأجرين)، مع مراعاة الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية ،وأنه لابد من إشراك المجتمع المدني من خلال توسيع دائرة الحوار ليشمل مؤسسات المجتمع المدني و منظمات حقوق الإنسان، لضمان أن تكون المقترحات أكثر شمولًا وتوازنًا بين الحقوق و الواجبات ،و التوازن بين الأطراف ، حيث يفضل أن يراعى في الحوار التوازن بين الملاك الذين يعانون من ضعف العائد الإيجاري، و المستأجرين الذين قد يواجهون صعوبات مادية في حال زيادة الإيجارات، لافتا إلى أهمية قاعدة البيانات و الاعتماد على إحصاءات دقيقة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء كخطوة محورية لضمان أن القرارات تبنى على معلومات حقيقية تعكس الواقع ،و كذا البعد الزمني للتعديلات ،و
يفضل اقتراح فترة انتقالية لأي تعديلات قانونية جديدة، لتخفيف أثر التغيير على الأطراف المتضررة ، و النظر في الحالات الخاصة ، حيث يلاحظ أن بعض المستأجرين قد يكونون من الفئات الأكثر احتياجا، مثل كبار السن أو محدودي الدخل، و هو ما يتطلب وضع استثناءات أو دعم مادي لهم.
أضاف ” وكيل الإدارة المحلية السابق ” أن النقاط الرئيسية تتلخص فى أهمية الحوار المجتمعي و تعزيز التفاعل بين الجهات الحكومية وأطراف المصلحة الرئيسيين لضمان تحقيق العدالة ،وكذا تحديات اقتصادية واجتماعية من خلال دراسة تأثيرات القانون على الملاك و المستأجرين مع مراعاة الأوضاع الاقتصادية الحالية ، بالإضافة إلى التوازن في التشريع من خلال السعي للوصول إلى حلول وسطى تحقق مصلحة الجميع دون أن يظلم أي طرف، فضلا عن دور الخبراء عن طريق إشراك أساتذة القانون و الاجتماع لضمان أن التعديلات المقترحة تتسم بالعلمية و العدالة الاجتماعية ، و تحديث البيانات و الإحصاءات بالاستناد إلى بيانات دقيقة حول الإيجارات القديمة لوضع سياسات مدروسة ، لافتا إلى أن الخطوات المقترحة لإنجاح الحوار المجتمعي تتمثل فى تشكيل لجنة مشتركة من لجنتي الإسكان والمرافق ومكتبي لجنتي الإدارة المحلية والشئون الدستورية و التشريعية، و هذا يعد خطوة تنظيمية هامة ، و أن الهدف من هذه اللجنة هو إجراء تحليل مستفيض لحيثيات حكم المحكمة الدستورية، مما يضمن فهما دقيقا للأبعاد القانونية للحكم و دراسة آثاره ، والاستماع إلى الجهات التنفيذية بدعوة وزراء الإسكان و التضامن الاجتماعي و التنمية المحلية و العدل للاستفادة من رؤيتهم المتخصصة و هذه تعتبر إضافة هامة لفهم التحديات المرتبطة بالقضية، مثل : توفير بدائل سكنية مناسبة للمستأجرين المتضررين ،و دراسة الأعباء المالية التي قد تواجه الدولة في حال تقديم دعم للفئات الأكثر احتياجا ،وجمع البيانات و الإحصاءات من خلال دعوة رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء لتقديم بيانات دقيقة تعد أساسية لصياغة سياسات مبنية على الواقع ، ولابد أن تشمل هذه البيانات عدد العقارات الخاضعة لقانون الإيجارات القديمة ، و عدد المستأجرين والملاك المتضررين ، و التوزيع الجغرافي لهذه العقارات، و إشراك أطراف المصلحة ، وتوفير مساحة آمنة للملاك و المستأجرين للتعبير عن آرائهم يبرز روح العدالة و الشفافية ، و تخصيص اجتماعات منفصلة لكل طرف يجنب الصدام المباشر و يتيح لكل طرف عرض وجهة نظره بشكل واضح ، والاستعانة بالخبراء والمتخصصين عن طريق إشراك أساتذة القانون و علم الاجتماع و غيرهم من الخبراء ما يعزز من شمولية الحوار،و يسهم في صياغة حلول تأخذ بعين الاعتبار الجوانب القانونية و الاجتماعية، مما يجنب أي آثار سلبية على المدى البعيد.
أوضح ” المرسى ” أنه توجد أبعاد أخري للقضية تتمثل فى :البعد الاقتصادي ، حيث أن الملاك يعانون منذ سنوات من ضعف العائد الإيجاري الذي لا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، مما يجعل العقارات عبئا بدلا من أن تكون مصدر دخل ، و في المقابل، قد يتسبب رفع الإيجارات في أعباء مالية كبيرة على المستأجرين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة ، والبعد الاجتماعي ، حيث أن كثيرا من المستأجرين يعيشون في هذه العقارات منذ عقود، و بعضهم من كبار السن أو محدودي الدخل ،و أن أي تعديل قد يؤدي إلى نزاعات اجتماعية إذا لم يتم مراعاة الظروف الخاصة لبعض الفئات ، و هناك البعد القانوني و يتمثل فى التعديلات التى تهدف إلى تصحيح وضع تشريعي استمر لعقود دون تعديل جذري، بما يتماشى مع الدستور الحالي ، و ضرورة التأكد من أن التعديلات الجديدة تحقق التوازن بين الحقوق الدستورية للملاك و واجب الدولة تجاه الفئات الأضعف ، مشيرا إلى أن هناك نقاطا رئيسية يجب التركيز عليها و هى :إنشاء قاعدة بيانات دقيقة ، لأنه يجب أن تكون كل القرارات مبنية على بيانات واضحة و شاملة حول الوضع الحالي للإيجارات القديمة ، وإقرار فترة انتقالية ، و تطبيق أي تعديلات بشكل تدريجي لضمان عدم حدوث صدمات اقتصادية أو اجتماعية، مثل تحديد مهلة لتوفيق الأوضاع ،بوضع استثناءات للفئات الضعيفة ، و تخصيص برامج دعم للفئات الأكثر احتياجا، مثل كبار السن أو الأسر ذات الدخل المحدود ، و التوازن بين الأطراف بالوصول إلى حلول وسطى تحقق العدالة للملاك دون الإضرار بالمستأجرين، مثل تقديم حوافز ضريبية للملاك المتضررين ، و إشراك الأطراف كافة ، والتأكد من أن جميع الأطراف ذات الصلة تشارك في الحوار، بما يضمن توافقا على التعديلات المقترحة.