✍️ شحاتة زكريا (كاتب وباحث متخصص في الشؤون الاقتصادية والسياسية)
وسط التحديات التي تواجه قارة إفريقيا تبرز مصر كفاعل أساسي في دعم إعادة الإعمار والتنمية في الدول الخارجة من النزاعات ، متبنيةً رؤية استراتيجية طويلة الأمد تعكس دورها التاريخي كقائد إقليمي وشريك موثوق. هذا الدور لا يقتصر على استجابة للأزمات.بل يمتد إلى تبني سياسات استباقية تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات ودعم استقرار القارة بشكل مستدام.
منذ سنوات أكدت مصر أهمية الدمج بين السلام والأمن والتنمية كركائز لتحقيق استقرار طويل الأمد. وقد ظهر هذا الالتزام جليا في النسخة الرابعة لأسبوع الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية حيث شددت القاهرة على أهمية تعزيز قدرات المؤسسات الوطنية والإقليمية في إفريقيا. هذه الرؤية تتماشى مع التوجه الدولي نحو استدامة السلام كبديل عن مجرد إدارة الصراعات ، ما يؤكد قدرة مصر على تقديم نموذج عملي لتحقيق التنمية المستدامة.
استضافة مصر لمركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية يُعد دليلا ملموسا على التزامها تجاه إفريقيا.
المركز ليس مجرد مقر إداري ، بل منصة فكرية وعملية تهدف إلى تقديم حلول متكاملة تعالج التحديات الهيكلية التي تواجه الدول الخارجة من النزاعات.
هذا التوجه يعكس رؤية مصر لبناء بنية تحتية مؤسسية مستدامة تسهم في استقرار القارة على المدى البعيد.
في سياق آخر قدمت مصر نموذجا عمليا للنهج الشامل في التنمية خلال استضافتها للمنتدى الحضري العالمي.
وكانت العاصمة الإدارية الجديدة محور اهتمام الوفود الإفريقية ،حيث عكست تجربة مصر في التخطيط العمراني والبنية التحتية الحديثة.
هذا الحدث أعاد تأكيد قدرة مصر على تصدير خبراتها في مجالات التنمية الحضرية والمدن الذكية ، وهو ما يشكل فرصة لدول إفريقية للاستفادة من هذه التجارب في تعزيز بنيتها التحتية.
الجهود المصرية في إفريقيا تتجاوز البعد التنموي إلى تعزيز التكامل الإقليمي.
في السودان، مثلا تلعب الشركات المصرية دورا محوريا في مشاريع إعادة الإعمار مما يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
هذه الجهود تعكس رؤية مصر لدعم شقيقاتها الإفريقيات مع ترسيخ دورها كحليف موثوق قادر على تحقيق شراكات تنموية مستدامة.
ولا يمكن فصل هذه الجهود عن السياسة الخارجية المصرية التي تضع التنمية في قلب أولوياتها. من خلال رئاستها للجنة “النيباد” للبنية التحتية الإقليمية تعمل مصر على دفع مشروعات كبرى مثل سد “جوليوس نيريري” في تنزانيا، والذي يمثل نموذجا للاستثمارات التي تسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في القارة.
في ظل تحديات التغير المناخي والنزاعات المسلحة تعمل مصر على تعزيز أجندة التنمية الإفريقية في المحافل الدولية ،ومن خلال مزيج من الخبرة التنموية والحياد الإيجابي، تقدم نموذجا مختلفا عن القوى العالمية يعتمد على شراكات متوازنة تلبي احتياجات القارة.
في الختام تثبت مصر أنها ليست فقط داعما لإعادة الإعمار في إفريقيا ، بل أيضا جسرا للتكامل الإقليمي والتواصل مع العالم. رؤيتها التنموية تعكس إيمانا بأن السلام والازدهار هدفان يمكن تحقيقهما من خلال استراتيجيات شاملة تجمع بين الاستقرار والبناء والتنمية المستدامة.
هذا النهج يجعل من مصر شريكا أساسيا في صياغة مستقبل أكثر إشراقا للقارة السمراء.