»» بقلم ✍️ تسنيم عمار
(باحث ماجستير، نائب مدير الشئون العلمية والثقافية بالمنظمة العالمية لخريجي الأزهر)
تعتبر بيئة العمل السامة من أبرز التحديات التي قد تواجه الموظفين وأرباب العمل على حد سواء، فهي بيئة تتسم بالتوتر، والصراعات المستمرة، وقلة الدعم النفسي والمعنوي، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الأفراد والأداء المؤسسي بشكل عام، فكيف يتم تحديد بيئة العمل السامة؟ وما هي تأثيراتها على الموظفين والمنظمة ككل؟ هذا ما سنناقشه في هذه المقالة.
بيئة العمل السامة هي بيئة تتسم بالعديد من السلوكيات السلبية التي تؤثر على صحة الموظف النفسية والجسدية، قد تشمل هذه السلوكيات سوء الإدارة والقيادة غير الفعالة، عدم احترام الآراء، والتنمر، والتحرش، والتفرقة، بالإضافة إلى أنه في بيئة العمل السامة، قد يشعر الموظفون بعدم الأمان النفسي، مما يؤدي إلى تراجع مستويات الأداء، وتزايد معدلات التوتر والقلق.
يرجع وجود بيئة عمل سامة إلى عدة أسباب، أولها: الإدارة غير الكفء، فعندما لا يحترم المديرون الموظفين أو لا يقدمون الدعم اللازم، تنشأ بيئة سلبية، فالقيادة السامة ليست فقط نتيجة لأنماط القيادة الاستبدادية أو القاسية، بل يمكن أن تشمل أيضًا القادة الذين يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية والقدرة على التواصل الفعّال مع موظفيهم، مما يعزز بيئة سامة، ثانيا: التنافس غير الصحي، فالمنافسة المفرطة بين الموظفين دون وجود آلية للتقدير والتحفيز قد تؤدي إلى خلق جو من الغيرة والصراعات، ثالثا: التنمر والتحرش، حيث يعد التنمر أو التحرش في مكان العمل أحد الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى تدمير العلاقات بين الموظفين وتؤثر على روح الفريق، رابعا: نقص التواصل، يؤدي غياب التواصل الفعّال بين الإدارة والموظفين أو بين الزملاء إلى فهم مغلوط للأدوار والتوقعات، مما يزيد من التوتر والشكوك، خامسا: الضغط الزائد وتوزيع المهام غير العادل، عندما يتم تحميل الموظفين بمهام أكثر من طاقاتهم أو عندما لا يُعترف بمجهوداتهم أو يُكافئون عليها، يصبح ذلك سببًا رئيسيًا للضغوطات النفسية، كما أن توزيع المهام بشكل غير عادل يمكن أن يخلق شعورًا بالإجهاد، مما يؤدي إلى الاستياء، سادسا: التمييز وعدم المساواة، التمييز على أساس الجنس، أو العرق، أو الدين، أو الهوية الجنسية يمكن أن يشكل بيئة عمل سامة، عندما يشعر الموظفون بعدم المساواة أو التفرقة في المعاملة، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة والاستياء، ويؤثر على الروح المعنوية في المؤسسة.
وتبرز آثار بيئة العمل السامة على الموظفين في عدة نقاط: أولها، الإرهاق النفسي والجسدي، فالموظفون الذين يعملون في بيئات سامة قد يشعرون بالإرهاق المزمن، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وتدهور الحالة الصحية، ثانيا، القلق والاكتئاب، لأن بيئة العمل السامة قد تزيد من مستويات القلق والاكتئاب، مما يؤثر على قدرة الموظفين على التركيز واتخاذ القرارات السليمة، ثالثا، التراجع في الأداء، يؤدي الضغط المستمر في بيئة سامة إلى تراجع مستوى الأداء الوظيفي، حيث يصبح الموظفون أقل تحفيزًا، رابعا، ارتفاع معدلات الاستقالات، أحد الآثار البارزة لبيئة العمل السامة هو تزايد نسبة استقالة الموظفين، حيث يسعى الأفراد للبحث عن فرص عمل توفر بيئة أكثر دعما وأمانا، خامسا، فقدان الإبداع والابتكار، التوتر المستمر وقلة الدعم النفسي يحد من قدرة الموظفين على التفكير الإبداعي أو تقديم حلول جديدة، كما أن الخوف من النقد أو الاستهزاء في بيئة غير داعمة قد يقتل أي فكرة جديدة قبل أن تُطرح، سادسا، المشاعر السلبية المستمرة، الموظفون في بيئة سامة قد يشعرون بشكل دائم بأنهم غير مرئيين أو غير مقدّرين، مما يؤدي إلى مشاعر مستمرة من الإحباط، هذه المشاعر تتراكم بمرور الوقت وتؤثر على طاقتهم وحماسهم للعمل، سابعا، تشويش الهوية الوظيفية، في بيئة سامة، قد يجد الموظفون صعوبة في تحديد هويتهم المهنية أو في تطوير مسارهم المهني داخل المؤسسة، إذا كانت ثقافة المنظمة لا تشجع على النمو والتطور، فقد يشعر الموظفون بأنهم عالقون في وظائفهم دون فرصة للتقدم.
أما عن آثار بيئة العمل السامة على المؤسسة، فتتمثل في، تدهور ثقافة المؤسسة: تبدأ القيم الأساسية للمؤسسة في الانهيار، حيث تتآكل الثقة بين الموظفين والإدارة، أيضا؛ ارتفاع التكاليف: نتيجة للزيادة في الاستقالات، والإجازات المرضية، والتغيب عن العمل بسبب التوتر، يمكن أن تتكبد المؤسسة تكاليف إضافية لإعادة التوظيف والتدريب، بالإضافة إلى؛ انخفاض الإنتاجية: بيئة العمل السامة تؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية، مما يؤثر على قدرة الفريق على التعاون وتحقيق الأهداف، ولا ننسى، التأثير على سمعة المؤسسة: بيئة العمل السامة تضر بشكل كبير بسمعة المؤسسة في السوق، إذا أصبح معروفا أن المؤسسة لا توفر بيئة صحية، فقد يواجه قسم الموارد البشرية صعوبة في جذب الموظفين الجدد، كما أن الموظفين الحاليين قد يتحدثون عن تجربتهم السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى فقدان المؤسسة لفرص عمل موهوبة.
ولتحسين بيئة العمل يمكننا اتباع بعض النصائح، أولها: تعزيز القيادة الإيجابية، فيجب على الإدارة تقديم الدعم الكافي للموظفين، وتعزيز القيادة التي تعتمد على الاحترام المتبادل والمشاركة في اتخاذ القرارات، ثانيا: تشجيع ثقافة التواصل، فتحسين قنوات التواصل بين الإدارة والموظفين يساعد على بناء الثقة ووضوح التوقعات، ثالثا، تقديم الدعم النفسي، فمن المهم توفير برامج دعم نفسي ومبادرات للتعامل مع التوتر والمشاكل التي يواجهها الموظفون، رابعا، محاربة التنمر والتحرش، من خلال وضع سياسات صارمة ضد التنمر والتحرش، يمكن خلق بيئة يشعر فيها الموظفون بالأمان والاحترام، خامسا، استثمار في التدريب القيادي، يجب أن تكون القيادة على دراية بكيفية إدارة الفرق بشكل فعّال، يمكن تحقيق ذلك من خلال برامج تدريبية موجهة لتحسين مهارات القيادة، مثل التواصل الفعّال، حل النزاعات، والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، سادسا، تشجيع الموظفين على تقديم ملاحظاتهم، من خلال فتح قنوات للتواصل بين الموظفين والإدارة يمكن أن يساعد في اكتشاف المشكلات مبكرًا، يجب أن تشجع الإدارة الموظفين على تقديم ملاحظاتهم بشأن بيئة العمل، سواء كان ذلك من خلال الاستبيانات أو الاجتماعات الفردية أو الجماعية.
ختاما، إن بيئة العمل السامة ليست مجرد مشكلة فردية تؤثر على الموظفين فقط، بل هي قضية مؤسسية تؤثر على الأداء العام والإنتاجية، ومن خلال اتخاذ خطوات فعّالة نحو تحسين بيئة العمل، يمكن للمؤسسات أن تبني ثقافة صحية تدعم النمو والابتكار وتحفز الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم لتحقيق النجاح المستدام.
التغيير يبدأ من الإدارة التي يجب أن تدرك أهمية بيئة العمل الصحية وتعطيها الأولوية في استراتيجياتها التنظيمية.